، نهر المسيسيبي من الأنهار الرئيسية في أمريكا الشمالية، وثاني أطول أنهار الولايات المتحدة، إذ يبلغ طوله، من منبعه في شمال غربي مينيسوتا إلى مصبه في خليج المكسيك، 3,766كم ولا يفوقه طولاً سوى نهر ميسوري (4,090كم)، ويُعدّ المسيسيبي وفروعه مصرفًا للمياه المتدفقة من الأودية الواقعة بين جبال الأبلاش وجبال الروكي. وتكوِّن هذه البقاع التي يتدفق منها الماء إلى النهر وفروعه، حوض النهر، وتبلغ مساحتها 3,230,490كم². وهي أوفر المناطق إنتاجاً في القطر في الزراعة والصناعة.
يُعدّ نهر المسيسيبي الطريق المائي الرئيسي في البلاد، ومن ثم تنتقل عبره المنتجات الزراعية والصناعية والمواد الخام. ويمكن للسفن أن تُبحر فيه إلى مسافة تصل إلى 3,000كم من مينابوليس بولاية مينيسوتا إلى خليج المكسيك.
يتراوح عمق نهر المسيسيبي، بين مترين ونصف المتر و30م في معظم طوله، ويبلغ أقصى عرض له 1,350م تقريباً عند مدينة كايرو بولاية إلينوي.
وكان لنهر المسيسيبي، الذي يُسمى أحياناً نهر الرجل العجوز، دور حيوي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. إذ كان أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين طريق المكتشفين الأسبان والفرنسيين. ولما ظهرت السفن البخارية في القرن التاسع عشر صار المسيسيبي طريقًا مهمًا للنقل والتجارة. وقد وصف المؤلف الأمريكي مارك توين النهر وصفاً حياً في كتابه الحياة على المسيسيبي (1883م).
23 135755 01 المسيسيبي، نهر
نهر المسيسيبي
يبدأ المسيسيبي جدولاً صغيرًا صافيًا مندفعًا من بحيرة إتاسكا في شمال غربي مينيسوتا. ويجري شمالاً، ثم شرقاً رابطاً بين مجموعة من البحيرات، ثم يشرع المسيسيبي في الانعطاف جنوباً قرب جراند رابدز في مينيسوتا. وأثناء جريانه بين مينابوليس وسانت بول في مينيسوتا يصب فيه نهر مينيسوتا، ثم يصب فيه رافدان رئيسيان عند سانت لويس هما؛ نهر إلينوي ونهر ميسوري. ويبدو الفرق واضحًا بين مياه المسيسيبي الصافية ومياه الميسوري الطينية العكرة. تختلط المياه فيما بعد وتأخذ لون الطين الذي تُعرف به في الجنوب. يصب نهر أوهايو في المسيسيبي عند كايرو، فيضاعف حجم مياهه. ويفصل هذا الملتقى أعلى المسيسيبي عن أسفله. ويشكَّل السهل الرسوبي الواقع جنوبي كايرو واديًا خصبًا يزيد عرضه على 80كم في أماكن عديدة.
وعندما يقترب المسيسيبي من خليج المكسيك، يخلِّف كميات كبيرة من الطمي فتكوِّن دلتا تشغل مساحة قدرها نحو 33,500كم². يتفرع النهر جنوب نيوأورليانز إلى قنوات عديدة تسمى التّرع تصبُّ في خليج المكسيك. ويصب نهر المسيسيبي بفروعه في الخليج ما يزيد على18,000م§ من الماء في الثانية. ويبلغ مجموع هذا التدفق 554كم§ من الماء في السنة. ينقل نهر المسيسيبي 60% من مجموع بضائع الشحن المائي الداخلي في البلاد. وتصل المواد المشحونة إلى نحو 360 مليون طن متري في العام.
تنُقل معظم البضائع التجارية فوق مراكب كبيرة تجرها زوارق شحن بين مينابوليس وكايرو. وتتكون أكثر البضائع المشحونة جنوباً من المنتجات الزراعية كالذرة الشامية وفول الصويا والقمح. أما الفحم الحجري ومنتجات الحديد والفولاذ التي ينقلها نهر أوهايو فتتجه إلى الشمال. وفي جنوبي كايرو، تضاعف البضائع القادمة من أوهايو الحركة في المسيسيبي. وتتكون معظم البضائع من منتجات زراعية وفحم حجري ومصنوعات من الحديد والفولاذ وكلها متجهة جنوباً. ويُضاف إلى حمولة المراكب في باتون روج بولاية لويزيانا البتروكيميائيات والألومنيوم والنفط. ويصبح مجرى المسيسيبي عند باتون روج أكثر عمقًا، فيمكن لسفن المحيطات أن تبحر فيه. ومعظم الحركة فوق نهر المسيسيبي توجد بين نيوأورليانز وساوث وست باس. ويفيض نهر المسيسيبي من حين لآخر فيضانًا خطيرًا ناتجًا عن ذوبان ثلوج الشتاء وسقوط أمطار الربيع في أعالي رافديه ميسوري وأوهايو. ويجلب الجليد الذائب والأمطار كميات كبيرة غير عادية من المياه إلى نهر المسيسيبي فيمتلئ ويفيض ماؤه ويغمر السهل المحيط به.
23 135755 03 المسيسيبي، نهر
أعالي نهر المسيسيبي. تغطي هذه المناطق أشجار الخشب القاسي والجروف العالية شديدة الانحدار التي تمتد في مناطق كثيرة من ضفتي النهر، وكثيرًا ما يقتطع النهر أجزاءً من الأرض مكونًا بعض الجزر.
وتساعد السدود والحواجز المقامة على نهر المسيسيبي على توفير الحماية من خطر فيضاناته. ولقد أقيمت سلسلة من السدود على كل من فرعي النهر: ميسوري وأوهايو للتحكم في كميات المياه التي يصبها كل منهما في المسيسيبي. كما بُني سد على المسيسيبي نفسه شمالي سانت لويس. ورُفعت الحواجز الطبيعية القائمة على امتداد مجرى النهر السفلي، كما بُنيت حواجز جديدة لحجز مياه الفيضان. وتعميق مجرى النهر لا يزيد كميات الماء فحسب، ولكنه يُسهل الملاحة فيه أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك فالأراضي التي تُسمّى طرق الفيضان تصير مصارف تُخرج المياه بعيداً عن مجرى النهر عندما يرتفع منسوب النهر ويصل إلى درجة الفيضان.
يعيش في نهر المسيسيبي وواديه أنواع كثيرة من الحيوان والنبات، ففي مياهه الصافية بأعاليه تعيش أنواع من أسماك المياه العذبة. أما في أسافله، حيث المياه العكرة، فتعيش أنواع أخرى مختلفة من الأسماك. وأكثر الحيوانات وجوداً في وادي المسيسيبي حيوان المنك، وجرذ المسك وثعلب الماء والظربان. وتعيش أنواع من القوارض الكبيرة المسماة حيوان الكيب في مستنقعات الدلتا وبين أعشابها. انظر: الكيب، حيوان. هذه المنطقة مَشْتَى تبني فيه بعض الطيور كالبط والأوز والطيور المهاجرة الأخرى أعشاشها. يسكن هذه المنطقة طوال العام من الطير، البجع والبلشون والبلشون الأبيض.
تنمو في أعالي وادي المسيسيبي غابات من أشجار الخشب الصلب، مثل الجوزية والقيقب والبلوط. أما غابات جنوبي كايرو، فتتألف أساساً من شجر السرو الأجرد والصمغ وبلوط الجنوب والطوبال. يهدد التلوث الحياة البرية في المسيسيبي، فالأسمدة والمبيدات التي تُستعمل في المزارع تنجرف إلى النهر، والمصانع تُلقي بفضلاتها في مياهه. ومنذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين اتُخذت خطوات لمنع تلوث النهر. ومنها القوانين التي تمنع المزارعين من استعمال مبيدات معينة ومواد كيميائية أخرى ضارة.
تكوّن نهر المسيسيبي قبل مليوني سنة، تقريبًا، في بداية العصر الجليدي الحديث. غطّت الأنهار الجليدية في هذه الحقبة الكثير من نصف الكرة الشمالي. وعند ذوبان جليد هذه الأنهار كانت المياه تجري في نهري الميسوري وأوهايو وتصب في نهر المسيسيبي. وقد سكنت في أعالي وادي المسيسيبي قبائل هندية مختلفة منها الإلينوي والكيكابو والأجيبوي والسانتي داكوتا. ومن هذه القبائل أخذ النهر اسم المسيسيبي ومعناه النهر الكبير. وكان أسفل الوادي موطناً لقبائل أخرى مثل تشيكاسو وتشوكتاو وناتشيز وتونيكا.
كان المكتشف الأسباني هيرناندو دي سوتو أول من أبحر في المسيسيبي، فقد عبر النهر عام 1541م بالقرب مما يُسمّى الآن ممفيس بولاية تنيسي. وفي أوائل الثمانينيات من القرن السابع عشر أبحر المكتشف الفرنسي سواردي لاسال في النهر، وأعلن أنه يخضع لفرنسا. فقدت فرنسا كل أراضيها في أمريكا الشمالية نتيجة للحرب الفرنسية الهندية (1754 – 1763م)، واستولت بريطانيا على الأرض الواقعة شرقي المسيسيبي وأخذت أسبانيا الأراضي غربيه. وبعد الثورة الأمريكية (1775م – 1783م)، استولت الولايات المتحدة على الأراضي البريطانية. وفي عام 1800م، استعادت فرنسا الأرض الواقعة غربي المسيسيبي. ثم اشترت الولايات المتحدة هذه الأرض في صفقة لويزيانا عام 1803م. وكثر تنقل المستوطنين والتجار في النهرعلى القوارب المسطحة والزوارق المغطاة والأطواف، بعد أن صار وادي المسيسيبي جزءًا من الولايات المتحدة. وزادت أهمية النهر كطريق للتجارة والانتقال بتطور السفن البخارية في أوائل القرن التاسع عشر. وأصبحت مدن المسيسيبي بما فيها سانت لويس وممفيس ونيوأورليانز مراكز إمداد للحركة المتجهة غرباً. كان المسيسيبي طريقاً للهجوم استخدمته قوات الاتحاد الشمالية أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861م – 1865م). وقد ضَمِنَ الاستيلاء على مدن النهر مثل نيوأورليانز وممفيس وفيكسبيرج ومسيسيبي، النصر للشمال. حلت السكك الحديدية بعد الحرب محل السفن البخارية وتحولت إليها حركة النقل والانتقال.
وازدادت أهمية نهر المسيسيبي بوصفه طريقًا للنقل ازدياداً كبيرًا في العشرينيات من القرن العشرين. ولا توجد وسيلة أخرى يمكنها نقل البضائع الضخمة الثقيلة بأجر يسير، كما تفعل مراكب الشحن الكبيرة وزوارق السَّحْب في هذا النهر الضخم.