التربة هي الطبقة السطحية الهشة أو المفتتة التي تغطي سطح
الأرض. تتكون التربة من مواد صخرية مفتتة خضعت من قبل للتغيير بسبب تعرضها
للعوامل البيئية والبيولوجية والكيمائية، ومن بينها عوامل التجوية وعوامل
التعرية. ومن الجدير بالذكر أن التربة تختلف عن مكوناتها الصخرية الأساسية
والتي يرجع السبب في تغييرها لعمليات التفاعل التي تحدث بين الأغلفة
الأربعة لسطح الأرض؛ وهي الغلاف الصخري والغلاف المائي والغلاف الجوي
والغلاف الحيوي.
[1] ونستنتج من ذلك أن التربة تعد مزيجًا من
المكونات العضوية والمعدنية التي تتألف منها التربة في حالاتها السائلة
(الماء) والغازية (الهواء).
[2][3][4] ذلك، حيث تحتفظ المواد التي تتألف منها التربة بين حبيباتها المتفككة
بفجوات مسامية (أو ما يُعرف بمسام التربة) وهي بذلك تُشكل هيكل التربة الذي
تملؤه هذه المسام. وتتضمن هذه المسام المحلول المائي (السائل) والهواء
(الغاز).
[5] ووفقًا لذلك، فإنه ينبغي أن يتم التعامل غالبًا مع أنواع التربة على اعتبار أنها نظام يتألف من ثلاثة أطوار.
[6] وتتراوح كثافة معظم أنواع التربة بين 1 و2 جرام/سنتيمتر مكعب.
[7] كما تُعرف التربة أيضًا باسم
الأرض ؛ وهي المادة التي اشتق منها كوكب الأرض الذي نحيا عليه اسمه. يرجع تاريخ
بعض المواد التي تتكون منها التربة في كوكب الأرض إلى ما قبل الحقبة
الجيولوجية الثالثة ولكن معظم هذه المواد لا يرجع تاريخها إلى ما قبل العصر
البليستوسيني (وهو أحد العصور الجليدية وأكثرها حداثة).
[8] يتشابه
لون طبقات التربة في بعض المناطق بحيث تكون طبقات التربة العلوية داكنة
اللون، أما طبقات التربة التي تلي الطبقة السطحية فيكون لونها مائل
للاحمرار.
//
العوامل المؤثرة في تشكيل التربةيتمثل
تشكيل التربة أو ما يعرف بتكوُّن التربة في مجموعة من العوامل التي تؤثر
بدورها على المادة الأم التي تتكون منها التربة؛ ألا وهي العوامل
البيولوجية والكيميائية والفيزيائية بالإضافة إلى العمليات التي تتعلق
بتاريخ تطور الإنسان على سطح الأرض وتدخله بدوره في تكوين التربة. ومن بين
العوامل التي أدت إلى نشأة التربة هذه العمليات التي ساهمت في تكوين طبقات
أو نطاقات قطاع التربة وتطورها. وتتضمن هذه العوامل عمليات نحت المواد
المكونة للتربة وحملها لنقلها إلى مكان آخر ثم إرسابها في هذا المكان. إن
المعادن التي أُخذت من تفتت الصخور التي تعرضت لعوامل التعرية قد تخضع
لتغيرات ينتج عنها تكوين معادن ثانوية والعديد من المركبات الأخرى التي
تتفاوت في درجة ذوبانها في الماء، وهذه المكونات قد تنتقل من منطقة ما على
سطح الأرض إلى منطقة أخرى بفعل الماء أو أي نشاط آخر يقوم به الكائن الحي.
وبالتالي، أدت حركة هذه المواد داخل التربة والتغيرات التي تعرضت لها إلى
تكوين طبقات التربة المختلفة. لذا، فإنه ينتج عن عوامل التعرية التي تتعرض
لها الطبقة الصخرية ترسب المادة الأم التي تتكون منها أنواع التربة. ومن
بين الأمثلة الدالة على تطور التربة التي تكونت من الصخور العارية نذكر
تدفق الحمم البركانية (أو اللابة lava) التي أدت في الآونة الأخيرة إلى
تكون كتل سائلة خرجت من البراكين في المناطق الحارة وذلك بعد تعرضها لسقوط
أمطار غزيرة عليها بشكل متكرر. في مثل هذه الأجواء، تنمو النباتات سريعًا
على الطبقة البازلتية التي تكونت بفعل الحمم البركانية، وذلك على الرغم من
افتقارها إلى المواد العضوية المفيدة لنمو النباتات. ولكن هذه النباتات
تعتمد على في نموها على المسام التي توجد في الصخور حيث أنها تحتوي على نسب
كبيرة من الماء الذي تتغذى عليه هذه النباتات، والذي يمكن أن ينقل معه
السماد الذي تكوَّن بفعل الطيور وبقايا الحيوانات التي تحللت بمرور الزمن
على سبيل المثال. وبعد ذلك وفي مراحل النمو المختلفة، تعمل جذور النباتات
وحدها أو بمساعدة الفطريات الجذرية على تخلل مسام طبقة الحمم البركانية
بشكل تدريجي، وفي غضون فترة زمنية قصيرة تتكون المواد العضوية اللازمة لنمو
هذه النباتات.
[9] مع ذلك، وحتى قبل أن تتم هذه العملية، فإنه
يمكن اعتبار الحمم البركانية التي تتخللها المسام بكثرة والتي تنمو بها
النباتات أحد أنواع التربة. هذا، ويتأثر مدى استمرار دورة حياة التربة على
الأقل بخمسة عوامل رئيسية ساهمت في تكوين التربة، وبالتالي تشترك جميعها في
تحديد الطريقة التي سيتم من خلالها تطوير التربة. وتتلخص هذه العوامل في
المادة الأم المكونة للتربة والمناخ السائد وطوبوغرافية المنطقة (طبيعة
التضاريس فيها) والعوامل الحيوية ومرور الزمن.
[10]المادة الأم المكونة للتربةتسمى
المادة الأولية التي تتكون منها التربة بالمادة الأم. وتشمل هذه المادة
الطبقة الصخرية الأولية التي تعرضت لعوامل التعرية والمواد الثانوية التي
تحركت بفعل عامل ما من مناطق لأخرى ومن أمثلة ذلك الفتات الصخري والرواسب
النهرية (الطمي) المتراكمة في أسفل المنحدرات، وهذه الرواسب الموجودة
بالفعل قد تكون إما ممزوجة بغيرها أو متغيرة الخصائص بطريقة أو بأخرى.
وتشتمل المادة الأم أيضًا على المكونات القديمة للتربة والمواد العضوية،
بما فيها كل أنواع الفحم الذي تكون بفعل تحلل النباتات أو الحيوانات
المندثرة تحت سطح الأرض وكذلك المواد العضوية التي تكونت بالطريقة نفسها
(لتشكل التربة العضوية أو ما يُعرف بطبقة الدبال)، وكذلك بعض المواد
الناتجة عن العمليات والأنشطة البشرية مثل المواد الموجودة في أماكن طمر
النفايات أو مخلفات الاحتراق.
[11] وهناك أنواع محدودة من التربة
التي تتكون مباشرة نتيجةً لتفتت الصخور الأصلية الموجودة في الطبقات
السفلية للتربة. وغالبًا ما يُطلق على أنواع التربة هذه "التربة المتبقية"
وهي التي تتمتع بنفس خصائص المواد الكيميائية التي تتكون منها صخورها
الأصلية. وتنشأ معظم أنواع التربة من المواد التي يتم نقلها بفعل العوامل
البيئية، مثل الرياح والماء والجاذبية الأرضية، من مكان لآخر.
[12] وقد تنتقل بعض هذه المواد لمسافات طويلة تصل لأميال عديدة أو مسافات قصيرة
لا تتعدى عدة أقدام قليلة. وتُعرف المادة التي تكونت بواسطة الرياح
بالتربة الرسوبية التي تكونت بفعل الرياح (أو ما تعرف بتربة اللوس الطفالي
loess)، وهذا النوع هو السائد في منطقة الغرب الأوسط في أمريكا الشمالية
وفي وسط آسيا وبعض المناطق الأخرى. ويعد الطَفل الجليدي مكونًا أساسيًا في
العديد من أنواع التربة التي توجد عند دوائر العرض في شمال الكرة الأرضية
وجنوبها وكذلك أنواع التربة التي تكونت بالقرب من سلاسل الجبال الممتدة،
كما أنه ينتج عن تحرك طبقات الجليد على سطح الأرض. ذلك، حيث يمكن للجليد أن
يفتت الصخور والأحجار الضخمة إلى حبيبات صغيرة ذات أحجام مختلفة. وعندما
يذوب هذا الجليد ويتحول إلى ماء، يعمل هذا الماء على نقل هذه المواد وتحريك
الرواسب لمسافات بعيدة. وقد تحتوي الطبقات السفلية من قطاع التربة على تلك
المواد والرواسب التي ظلت كما هي دون أن يطرأ عليها إلى حد ما أي تغيير
منذ أن ترسبت بفعل الماء أو الجليد أو الرياح في أماكنها الحالية. علاوة
على ذلك، يعتبر عامل المناخ المرحلة الأولى في تحول المادة الأم لتكوين
التربة بصورتها الحالية. أما بالبنسبة لأنواع التربة التي تتشكل من الصخور
الأصلية، قد تتكون طبقة سميكة من المادة التي تعرضت لعوامل التعرية والتي
يطلق عليها طبقة السبروليت saprolite. وتتكون هذه الطبقة بفعل عوامل
التعرية التي تتعرض لها، ومن بينها عملية التحلل بالماء (وهي عملية استبدال
كاتيونات المعادن بأيونات الهيدروجين) وعملية التمخلب chelation التي
تشتمل على مركب حلقي يحتوي على ذرة فلز واحدة من المركبات العضوية وعملية
الإماهة (وهي عملية امتصاص المعادن للماء) ثم انحلال المعادن بالماء وبعض
العمليات الفيزيائية مثل التجميد والإذابة والترطيب والتجفيف.
[11] وهناك عوامل عديدة تشترك جميعها في تحويل المادة الأولية للطبقة الصخرية
إلى مواد مختلفة تتكون منها التربة، ومن هذه العوامل المركبات الكيميائية
والمعدنية لهذه الطبقة الصخرية بجانب بعض الخصائص الفيزيائية، بما فيها حجم
حبيبات التربة ودرجة تماسك جزيئاتها، بالإضافة إلى نوع عوامل التجوية
وتحديد مدى تأثيرها على التربة.
المناخيعتمد
تكوٌّن التربة بدرجة كبيرة على الظروف المناخية المحيطة بها، ويتضح ذلك من
خلال اختلاف خصائص أنواع التربة باختلاف المناطق المناخية الموجودة بها.
[13] ومن أهم هذه الظواهر المناخية التي تؤثر على عملية غسل التربة وعوامل
التجوية درجة الحرارة ونسبة الرطوبة. تُحرِّك الرياح الكثبان الرملية
وغيرها من الجسيمات الأخرى، خاصة في المناطق الجافة الجدباء حيث تقل فيها
المسطحات الخضراء. هذا، وتؤثر نوعية الترسبات وحجمها على تكون التربة من
خلال التأثير على حركة أيونات وجزيئات التربة مما يساعد في تكوين طبقات
وقطاعات تربة مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر التقلبات الموسمية واليومية
التي تطرأ على درجة الحرارة على مدى فاعلية الماء في التأثير على المادة
الأم للطبقة الصخرية الأصلية من حيث التعرية وكذلك على حركة جزيئات التربة،
كما تعد عمليتا التجميد والإذابة آلية فعالة لتفكيك وتفتيت الصخور والمواد
الصلبة الأخرى الموجودة في التربة. علاوة على ذلك، تؤثر كل من درجة
الحرارة ونسب الترسبات على النشاط الحيوي ومعدلات التفاعلات الكيميائية
ونوعية الغطاء النباتي لأية منطقة.
طبيعة التضاريستؤثر
مظاهر سطح الأرض من حيث الانحدار والارتفاع والانخفاض على نسبة الرطوبة
ودرجة حرارة التربة ومدى تأثر المادة الأم للتربة بعوامل التعرية. ولمزيد
من التوضيح، تكون المنحدرات الشديدة والمواجهة للشمس أكثر دفئًا من غيرها،
كما أن الأسطح شديدة الانحدار قد تتعرض لعوامل النحت والتعرية بشكل أسرع من
أنواع التربة أو المادة التي تكونت بفعل الرواسب، الأمر الذي يؤدي إلى نحت
سطح التربة. ومع ذلك، فإن المناطق المنخفضة تكون مهيأة لاستقبال الترسبات
التي ينقلها الماء من مناطق مرتفعة إلى مناطق شديدة الانحدار، مما يؤدي إلى
تكوين تربة عميقة وداكنة اللون. وتؤثر كذلك تضاريس المنطقة على معدلات
الترسيب فيها؛ حيث تختلف طبيعة الرواسب الموجودة على ضفاف الأنهار والسهول
التي تكونت بفعل الفيضانات والدلتا بناء على معدل تدفق الماء ومدة ذلك، كما
تؤثر أيضًا على قدرة الماء الجاري بسرعة كبيرة على تحريك المواد الكبيرة
والصغيرة على حد سواء، بينما يختلف الأمر بالنسبة للماء الجاري ببطء حيث
يستطيع تحريك المواد الصغيرة فقط.
[14] هذا، ويعمل جريان الماء
في الأنهار ونشاط الرياح مع وجود تيارات ماء قوية إلى حد ما على ترسيب
الفتات والحبيبات والصخور والرمال ونقل الأجسام صغيرة الحجم التي تترسب
عندما تقل سرعة التيارات المائية. ولا تحرك المسطحات المائية غير العميقة،
مثل البحيرات والبرك والبحار ذات المياه الضحلة، المواد صغيرة الحجم وهشة
القوام والتي بدورها تمثل الرواسب الصغيرة مثل الطين والطمي.
[15]العوامل البيولوجيةيؤثر
كل من النباتات والحيوانات والفطريات والبكتريا وكذلك الإنسان على تكوين
التربة. حيث تتخلل الحيوانات والكائنات الحية الدقيقة التربة مما يؤدي إلى
وجود فجوات ومسام بين جزيئات التربة تسمح بتغلغل الرطوبة وتسرب الغازات إلى
الطبقات السفلية من التربة. وبالطريقة نفسها، تفتح جذور النباتات العديد
من الأنفاق داخل التربة خاصة النباتات ذات الجذور الوتدية الكبيرة التي
تمتد إلى أعماق كبيرة قد تصل إلى عدة أمتار مخترقة طبقات التربة المختلفة
لامتصاص العناصر والمركبات الغذائية من أعماق التربة. أما بالنسبة للنباتات
ذات الجذور الليفية السطحية التي لا تتعمق كثيرًا في التربة، فجذورها سهلة
التعفن والتحلل مما يضيف إلى القيمة العضوية للتربة. وبالنسبة للكائنات
الحية الدقيقة مثل الفطريات والبكتريا، فإنها تلعب دورًا مهمًا في عمليات
تحويل المركبات الكيميائية من صورة معقدة غير قابلة للامتصاص إلى صورة
بسيطة سهلة وسريعة الامتصاص من الجذور في التربة، كما أنها تقوم بتموين
التربة بالعناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات. وكذلك الإنسان يمكن أن
يؤثر على تكوين التربة من خلال إزالة المسطحات الخضراء؛ الأمر الذي يؤدي
إلى زيادة عملية تآكل وتعرية التربة. كما يعمل على تقليب طبقات التربة
المختلفة، الأمر الذي يساعد في إعادة بدء عملية تكوين التربة من جديد حيث
تختلط الطبقات الأقل عرضة لعوامل التعرية بالطبقات العليا الأكثر تطورًا.
من جانب آخر، يؤثر الغطاء النباتي على أنواع التربة بطرق عديدة؛ حيث يمكنه
منع عملية تآكل التربة أو انجراف جزيئاتها بفعل سقوط الأمطار على سطح
الأرض. كما أنه يحمي التربة من أشعة الشمس المباشرة ويحفظ درجة حرارتها
باردة ويقلل من فقدها لنسبة الرطوبة. علاوة على ذلك، يمكن أن تتسبب
النباتات في تجفيف التربة من خلال عملية النتح التي تتم ثغور الأوراق. كما
تستطيع النباتات تكوين مواد كيميائية جديدة تعمل على تفتيت جزيئات التربة
أو تكوينها. هكذا يعتمد نمو النباتات على المناخ وتضاريس سطح الأرض
والعوامل البيولوجية. تؤثر بشكل كبير العوامل المرتبطة بالتربة، مثل كثافة
وسُمك التربة وعمقها وتركيبها الكيميائي ودرجة الحمضية بها ودرجة حرارتها
والرطوبة بها، على نوع النباتات التي يمكن أن تنمو في أية تربة. ذلك، حيث
تسقط النباتات الميتة والأوراق والسيقان الذابلة على سطح التربة ثم تتعفن
وتتحلل. وفي هذه الحالة، يأتي دور بعض الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في
التربة والتي تتغذى على هذه النباتات ثم تخلط المواد العضوية مع الطبقات
العليا للتربة، حتى تصبح هذه المركبات العضوية جزءًا من عملية تكوين
التربة، وأخيرًا تساعد في تحديد نوع التربة نفسها.
عامل الزمنومن
بين العوامل المذكورة سابقًا يعتبر الزمن أحد العوامل المؤثرة في تكوين
التربة وتطورها. بمرور الوقت، تتطور خصائص التربة اعتمادًا على العوامل
الأخرى الخاصة بتكوُّن التربة، وتعتبر عملية تكوُّن التربة عملية خاضعة
لعامل الزمن وتتوقف على كيفية تفاعل العوامل الأخرى مع بعضها البعض.
فالتربة دائمة التغير والتطور. على سبيل المثال، لن تساهم المواد التي
ترسبت حديثًا نتيجةً لأحد الفيضانات في تطور التربة؛ لأنه لم تمضِ فترة
زمنية كافية تسمح للتربة بممارسة أنشطتها. ولكن بمرور الوقت ستتراكم مواد
كثيرة على سطح التربة ثم تندثر بعد ذلك لتبدأ من جديد عملية تكوُّن التربة
حينها. وتشير الفترات الزمنية الطويلة التي تتغير في أثنائها التربة وما
يعقبها من آثار عديدة إلى أنه نادرًا ما يكون هناك أنواع من التربة بسيطة،
وبالتالي يؤدي إلى تكون طبقات من التربة. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن
التربة بدأت في تحقيق استقرار نسبي في العديد من الخصائص التي تتميز بها
والتي تمتد لفترات طويلة، تنتهي دورة حياتها في ظروف تجعلها عرضة للتآكل
بفعل عوامل التعرية. ولكن على الرغم من حتمية تآكل التربة وانجرافها، فإن
دورات حياة معظم أنواع التربة طويلة ومثمرة. هذا، وتظل العوامل التي تساعد
في تشكيل التربة طول فترة وجودها تؤثر في أنواع التربة، حتى لو كانت هذه
التربة "مستقرة" منذ زمن بعيد قد يرجع إلى ملايين السنين. وهكذا سوف تتراكم
وتترسب بعض الأجسام والمواد على سطح التربة وبعضها سوف تحمله الرياح أو
الماء معها إلى مناطق أخرى. ومن خلال تعرض أنواع التربة لعوامل التعرية من
عمليات الترسيب والنحت والنقل والتغيير، فإنها بذلك ستخضع دائمًا لظروف
جديدة ومتغيرة باستمرار. سواء كانت هذه التغيرات سريعة أم بطيئة، فإنها
تعتمد على طبيعة المناخ والبيئة والنشاط البيولوجي.
خصائص التربةفي
أغلب الأحيان، يعتبر لون التربة الخاصية الأولى المميزة لها والتي يمكن
ملاحظتها. وخاصة الألوان المتميزة والأشكال المتناقضة لجزيئاتها. فعلى سبيل
المثال، يحمل النهر الأحمر The Red River (الذي يمد نهر المسيسيبي بالماء)
بعض المواد الرسوبية التي نقلها معه نتيجة لعوامل التعرية التي تعرضت لها
التربة الحمراء الممتدة، مثل تربة بورت سيلت لوم (Port Silt Loam) في ولاية
أوكلاهوما (Oklahoma) الأمريكية. بالمثل النهر الأصفر (The Yellow River)
في الصين، يحمل في مياهه رواسب ناتجة عن تربة رسوبية طفالية صفراء اللون
تعرضت لعوامل التعرية. وكذلك تربة موليسولز (Mollisols) التي توجد في هضبة
السهول الشاسعة الأمريكية جريت بلينز (Great Plains) وتتسم بأنها داكنة
اللون وغنية بالمواد العضوية. بالمثل، تختص التربة بيضاء اللون التي توجد
في الغابات الشمالية في روسيا بطبقات مختلفة بسبب نسبة حمضية التربة
وعمليات الغسل التي تتعرض لها للتخلص من الأملاح. بجانب هذا، يتأثر لون
التربة بشكل أساسي بنوعية المعادن الموجودة بها ونسبة كل منها. ويرجع تعدد
ألوان التربة إلى تعدد واختلاف أنواع معادن الحديد الكثيرة الموجودة بها.
ويترتب اكتساب قطاع التربة للون معين أو توزيعه بين طبقاتها على عوامل
التعرية الكيميائية والبيولوجية خاصة تفاعلات الأكسدة والاختزال. وعندما
تتعرض المعادن الأولية الموجودة في المادة الأم التي تتكون منها التربة
لعوامل التجوية، تتحد العناصر جميعها مكونةً مركبات جديدة وملونة.
وبالتالي، ينتج من الحديد معادن ثانوية صفراء أو حمراء اللون، ثم تتحلل
المواد العضوية إلى مركبات سوداء أو بنية اللون، ويشترك المنجنيز والكبريت
والنيتروجين في تكوين رواسب معدنية سوداء اللون. بعد ذلك ينتج عن هذه
الصبغات الملونة أشكال ودرجات متعددة الألوان، ويرجع ذلك إلى العوامل
البيئية المؤثرة في تشكيل التربة أثناء عملية تكونها. كما تؤدي الظروف
الجوية إلى أن يطرأ على اللون تغيرات إما متماثلة ومنتظمة أو تدريجية، هذا
في حين أن البيئات المختزلة ينشأ عنها امتزاج الألوان بدرجات وأنماط معقدة
ومرقشة بنقاط من تركيز اللون.
[16] تشير بنية التربة إلى الكيفية
التي تتجمع بها مختلف حبيبات أو جزيئات التربة بوجه عام. لهذا، قد تتنوع
بنية التربة وحبيباتها من حيث أشكال وحجم ودرجات التطور أو الظواهر التي
تتعرض لها.
[17] وتؤثر بنية التربة على درجة تهوية التربة وحركة
الماء وسهولة امتصاصه بها ومقاومة التربة لعوامل التعرية المسببة للتآكل
ومدى نمو جذور النباتات بها. وفي أغلب الأحيان، توضح بنية التربة نسيج
التربة وقوامها ومحتواها من المركبات العضوية والنشاط الحيوي بها وتاريخ
تطور التربة وكيفية استخدام الإنسان لها وكذلك طبيعة المعادن الموجودة بها
والظروف الكيميائية التي في ظلها تكونت التربة. يشير نسيج التربة إلى
المواد المكونة للتربة من الرمل والطمي والطين. ينتج الرمل والطمي عن عوامل
التجوية الفيزيائية، في حين أن الطين هو نتاج عوامل التجوية الكيميائية.
ويؤثر محتوى التربة على سلوكها بما في ذلك قدرتها على الاحتفاظ بالماء
والعناصر الغذائية المفيدة للنباتات.
[18] ينتج الرمل والطمي عن
عوامل التجوية الفيزيائية، في حين أن الطين هو نتاج عوامل التجوية
الكيميائية. ويتسم محتواها من الطين بقدرته على الاحتفاظ بالماء والعناصر
العضوية الغذائية اللازمة لنمو النباتات. كما أن هذه الأنواع من التربة
الطينية تتميز بقدرتها على مقاومة التآكل أو الانجراف الذي يحدث بفعل
الرياح والماء بشكل أكبر من أنواع التربة الرملية أو التربة السلتية التي
تحتوي على نسبة عالية من الطمي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن حبيباتها
وجزيئاتها متماسكة بشدة مع بعضها البعض. أما بالنسبة لأنواع التربة ذات
النسيج المتوسط، فإن الطين في الأغلب يتغلغل وينتقل بين طبقات التربة لأسفل
حتى يترسب في طبقة التربة تحت السطحية القريبة من سطح الأرض. من ناحية
أخرى، يمكن أن تؤثر المقاومة الكهربائية للتربة على معدل الصدأ الجلفاني
للتركيبات المعدنية عند ملامستها للتربة. كما أن احتواء التربة على نسبة
عالية من الرطوبة أو ارتفاع تركيز المحلول الالكتروليتي بها يمكن أن يؤدي
إلى تقليل مقاومة التربة الكهربائية مما يزيد من معدل الصدأ الذي سيغطي أي
أجسام معدنية تلامسها.
[19] وتتراوح قيم هذه المقاومة التي تم تحديدها عادة ما بين 2 و1000 أوم/متر، ولكن هذا لا ينفي احتمال التوصل إلى قيم أخرى.
[20]طبقات التربةتعتمد
تسمية نطاقات أو طبقات التربة على نوع المواد التي تتكون منها والتي تعكس
الفترة الزمنية التي استغرقتها عمليات تكوُّن التربة في مراحلها المختلفة.
ويتم تحديد هذه النطاقات باستخدام مجموعة صغيرة من الحروف والأرقام،
[21] كما يتم وصفها وتصنيفها بناءً على لونها وحجم حبيباتها وجزيئاتها ودرجة
تماسكها ونسيجها وقوامها وبنيتها ومدى امتداد جذور النباتات بها ودرجة
الحمضية بها ومحتواها من الفجوات والمسام والخصائص المميزة لها عن غيرها
وتحديد ما إذا كانت تحتوي على عقد أو درنات في مواد رسوبية صخرية أم لا.
[22] ولا تحتوي أية تربة على كل النطاقات التي سيلي توضيحها فيما يلي؛ لأن
أنواع التربة قد تحتوي فقط على بعض هذه النطاقات أو معظمها. إن تعرض المادة
الأم، التي تكونت منها التربة، إلى ظروف ملائمة يؤدي إلى تكوُّن أنواع
التربة الأولية الخصبة الصالحة لنمو النباتات بها؛ الأمر الذي يؤدي إلى
تراكم مخلفات ومواد عضوية في التربة وتكوين طبقة عضوية تُسمى بالنطاق (O).
ثم بعد ذلك تتجمع الكائنات الحية الدقيقة وتقوم بتحليل المواد العضوية،
الأمر الذي ينتج عنه وجود عناصر غذائية مفيدة يمكن أن يتغذى عليها النباتات
والحيوانات الأخرى. وبعد مرور فترة زمنية كافية، تتكون طبقة سطحية من
المركبات والمواد العضوية داكنة اللون الناشئة من تحلل النباتات والتي تسمى
بالنطاق (A).
تصنيفات التربةيمكن تقسيم
التربة حسب طبيعة تكوينها إلى عدة أنواع لفهم العلاقات التي تربط بين أنواع
التربة المختلفة ولتحديد كيفية استخدام كل نوع منها لتحقيق أفضل استفادة
ممكنة. ويرجع الفضل للعالم الروسي "دوكتشوف" (Dokuchaev) في وضع أول نظام
لتصنيف التربة عام 1880. وقد قام بتطوير هذا النظام عدة مرات العديد من
الباحثين الأمريكيين والأوروبيين حتى تم تعديله إلى نظام شاع استخدامه حتى
الستينيات من القرن العشرين. لقد اعتمد هذا النظام على مبدأ مفاده أن أنواع
التربة تتمتع ببنية معينة وتركيب خاص يختلف بناءً على المواد والعوامل
التي تشترك في تكوين هذه التربة. وفي الستينيات من القرن العشرين، ظهر نظام
تصنيف مختلف يركز على تركيب التربة وبنيتها بدلاً من المادة الأم التي
تكونت منها والعوامل المؤثرة في تكوينها. ومنذ ذلك الحين، شهد هذا النظام
العديد من التعديلات التي طرأت عليه.
تصنيف أنواع التربةيعد
ترتيب فئات التربة هو أحدث تصنيف تم التوصل إليه في الآونة الأخيرة. وتمت
تسميتها بحيث تنتهي جميعها بـمقطع "سول". في نظام التصنيف الأمريكي، هناك
10 فئات للتربة سيرد ذكرها فيما يلي:
[23]
- تربة
الإنتيسول: التي تكونت حديثًا وتفتقر إلى نطاقات التربة الخصبة جيدة
التطور. وتوجد عادة في الرواسب المفتتة التي تتسم بضعف درجة تماسكها مثل
التربة الرملية، وبعضها يتسم بالنطاق (A) الذي يغطي مباشرة الصخور الأولية.
- تربة
الفيرتيسول: هي التربة المقلوبة. تنتفخ هذه التربة ويمتد حجمها عندما
ترتفع بها نسبة الرطوبة وتشبعها بالماء وتنكمش ويقل حجمها في فترات الجفاف،
وغالبًا ما يغطي سطحها شقوق عميقة تقع فيها بعض أجزاء الطبقات السطحية.
- تربة
الإنسيبتيسول: تتميز بأنها أحدث أنواع التربة تكوُّنًا. تتميز هذه التربة
بتكوين طبقاتها القريبة من سطح الأرض، إلا أنها تفتقر إلى عملية غسل التربة
من الأملاح والقدرة على استقبال المواد المتسربة إليها.
- تربة
الأرديسول: هي تربة الأراضي الجافة التي تكونت بفعل العوامل المناخية في
المناطق الصحراوية الجافة. تمثل هذه التربة حوالي 20 في المائة من إجمالي
مساحة التربة على سطح الأرض. يستغرق تكوُّن هذه التربة فترات زمنية طويلة
ومن الصعب أن تتراكم أو تتوفر فيها مواد عضوية مفيدة لنمو النباتات. كما
تختص بوجود طبقاتها القريبة من سطح التربة (أو ما تُعرف بالطبقات الكلسية
أو الجيرية) حيث تحتوي على كربونات الكالسيوم التي تراكمت بفعل حركة تسرب
المياه الجوفية داخل التربة. وتحتوي معظم أنواع هذه التربة على نطاقات Bt
جيدة التكوين والتطور التي تقوم بدورها باستقبال المواد المتسربة إليها
والتي تشير إلى حركة الطين منذ زمن بعيد عندما كانت ترتفع نسبة الرطوبة في
التربة.
- تربة الموليسول: هي تربة الأراضي الرخوة.
- تربة
السبودسول: وهي التربة الحمضية التي تكونت من خلال عملية التخلص من
المركبات القاعدية حتى أصبحت حمضية. وتنحصر هذه التربة في الغابات
الصنوبرية والغابات النفضية التي توجد في المناطق الباردة.
- تربة
الألفيسول: هي التربة الغنية بعنصري الألومنيوم والحديد. كما أنها تحتوي
على طبقات من الطين المتراكم. وتتكون هذه التربة في المناطق متوسطة الرطوبة
والمناطق التي يسودها مناخ دافئ لمدة ثلاثة أشهر على الأقل بما يلائم نمو
النباتات بها.
- تربة الألتيسول: وهي التربة التي تتعرض كثيرًا لعمليات الغسل للتخلص من الأملاح.
- تربة الأوكسيسول: هي التربة التي تحتوي على كميات كبيرة من أكاسيد المعادن.
- تربة الهيستوسول: هي التربة التي تتكون من المواد العضوية بشكل أساسي (ويُطلق عليها التربة العضوية).
نورد فيما يلي بعض التصنيفات الفرعية الأخرى للتربة:
- أنواع
تربة الأنديسول: وهي تربة الأراضي الخصبة الناتجة عن تفتت الصخور
البركانية وتعد من أفضل أنواع التربة وأجودها، كما أنها تتميز بمحتواها
الزجاجي.
- أنواع تربة الجليسول: هي تربة الأراضي التي تتواجد في المناطق القطبية شديدة البرودة.
المادة العضويةتعتمد
معظم الكائنات الحية التي تعيش في التربة، بما فيها النباتات والحشرات
والبكتريا والفطريات، على المادة العضوية الموجودة في التربة للحصول على ما
تحتاجه من عناصر غذائية وطاقة. تحتوي في أغلب الأحيان أنواع التربة على
نسب متنوعة من المركبات العضوية المختلفة من حيث حالة تحللها. تخلو معظم
أنواع التربة، بما فيها التربة الصحراوية والصخرية والتي تحتوي على نسبة من
الحصى والفتات الصخري، إلى حد ما من أي مواد عضوية، بينما هناك بعض أنواع
التربة الأخرى، مثل التربة التي تتكون من تراكم بقايا وأنسجة النباتات نصف
المتفحمة وغير تامة التحلل (الهيستوسول)، التي تتكون بصورة أساسية من مواد
عضوية خالصة ولهذا فهي خصبة وصالحة للزراعة.
[24]طبقة الدبال الخصبةتشير
طبقة الدبال إلى المادة العضوية التي تكونت بفعل تحلل النباتات والحيوانات
في التربة لدرجة أنها وصلت نقطة الاستقرار، بحيث تكون غير قادرة على
التحلل بعد ذلك. تعتبر أحماض الهيوميك (أو ما يُعرف بالأحماض الدبالية)
وأحماض الفولفيك من المكونات المهمة لطبقة الدبال، وتتكون هذه الأحماض من
بقايا النباتات المتحللة مثل الأوراق والسيقان والجذور. وبعد موت هذه
النباتات واندثارها في التربة، تبدأ عملية تحلل مواد وبقايا هذه النباتات
الميتة مكونةً طبقة الدبال الخصبة. وتتضمن عملية تكوُّن هذه الطبقة حدوث
عدة تغيرات سواء التي تحدث في التربة أو التي ستطرأ على بقايا النباتات
المتحللة؛ حيث تختزل التربة المركبات القابلة للذوبان في الماء مما يؤدي
إلى احتوائها على عدد من هذه المكونات بما فيها مواد السليلوز ونصف
السليلوز. وعندما تترسب بقايا النباتات وتتحلل، تتراكم مواد الهيومين
والليجنين ومركباته في التربة؛ ثم بعد ذلك يأتي دور الكائنات الدقيقة التي
طالما تعيش في التربة وتتغذى على بقايا النباتات المتحللة، فإنها تزيد من
نسبة البروتينات والمواد المغذية في التربة. تقاوم مادة الليجنين عملية
التحلل؛ لهذا فهي تتراكم وتترسب في التربة، كما أنها تتفاعل أيضًا
كيميائيًا مع الأحماض الأمينية التي تزيد من قدرتها على مقاومة عمليات
التحلل من أي نوع، ومن بينها التحلل الإنزيمي الذي يتم بواسطة الميكروبات.
ومن خصائص المواد الدهنية النباتية والشمع النباتي أنها غير قابلة إلى حد
ما للتحلل علاوة على أنها تستقر في التربة وتبقى لفترات زمنية طويلة إذا لم
تتغير الظروف حولها. أما بالنسبة للبروتينات، فإنها تتحلل بسهولة وبشكل
طبيعي وتكون على استعداد لامتصاص جذور النباتات لها، ولكن عندما تتحد مع
جزيئات الطين فإنها تصبح أكثر مقاومة للتحلل. ومن ناحية أخرى، تمتص جزيئات
الطين الإنزيمات التي تعمل على تحلل البروتينات مما يجعل محتوى أنواع
التربة الطينية من المواد العضوية يبقى لفترات طويلة أكثر من غيرها من
أنواع التربة الأخرى التي تفتقر إلى الطين. وتعمل إضافة مواد عضوية إلى
التربة الطينية وترسبها بها على توفير مواد عضوية وأي عناصر غذائية أخرى لم
تكن متاحة من قبل للنباتات التي تنمو في هذه التربة أو الميكروبات التي
تعيش فيها منذ سنوات عديدة، وذلك لاتحادها بقوة مع حبيبات الطين. ويؤدي
ارتفاع نسبة حمض التنيك (بوليفينول) في التربة إلى فصل النيتروجين بواسطة
البروتينات أو إلى فقدان النيتروجين قدرته على الانتقال في التربة، الأمر
الذي ينتج عنه عدم أتاحة النيتروجين للنباتات في التربة.
[25][26] يوصف تكوين الدبال بأنه عبارة عن العمليات التي تعتمد على نوع التربة
الأساسي وكمية المواد والبقايا النباتية التي تتراكم كل عام؛ وكلاهما يتأثر
بالمناخ ونوع الكائنات الدقيقة التي تعيش في التربة. وتختلف نسبة
النيتروجين في هذا النوع من التربة ولكنها في العادة تتراوح من 3 إلى 6 في
المائة. وتعد طبقة الدبال باعتبارها مخزن النيتروجين والفوسفور في التربة
المكون الفعال والمؤثر في خصوبة التربة.
[24] كما تمتص هذه
الطبقة الماء وتختزله بداخلها لتعمل بدورها على الحفاظ على درجة رطوبة
التربة والتي يحتاج إليها النبات في نموه. وتعد هذه الطبقة قابلة للتمدد في
حالة تعرضها للماء وقابلة للانكماش في حالة الجفاف مما يتيح وجود ثغرات
ومسام بين جزيئاتها. كما أن طبقة الدبال أقل استقرارًا من طبقات التربة
الأخرى لأنها تتأثر بالتحلل الميكروبي. وبمرور الوقت يقل تركيزها إذا لم
تتم إضافة مادة عضوية جديدة إليها.
تأثير المناخ على المواد العضويةإن
إنتاج المواد العضوية وتراكمها وتحللها وتكوين طبقة الدبال يعتمد بشكل
كبير على الظروف المناخية. كما تعد درجة حرارة التربة ونسبة الرطوبة بها من
العوامل الرئيسية التي تساهم في تكوين المادة العضوية وتحللها، علاوة على
أنهما يشتركان مع عامل طبيعة التضاريس في المساعدة في تكوين أنواع التربة
العضوية. تتكون التربة التي تحتوي على نسبة عالية من المواد العضوية على
الأرجح في مناخ رطب و/أو بارد؛ لأن درجة الحرارة المنخفضة أو الرطوبة
العالية تثبط نشاط الكائنات المحللة حيث توجد كمية كافية من ترسب الماء
لدعم النمو النباتي الكثيف.
محاليل التربةتحتوي
أنواع التربة، في ظل الظروف المختلفة التي تتعرض لها، على العديد من
المحاليل الغروية. وتتبادل هذه المحاليل العديد من الغازات والعناصر
الكيميائية مع التربة. ومن الجدير بالذكر أن هذه المحاليل تحتوي على سكريات
غير متحللة وأحماض الفولفيك وغيرها من الأحماض العضوية وبعض العناصر
الغذائية التي تحتاجها النباتات بكميات صغيرة، مثل الزنك والحديد والنحاس
وبعض المعادن الأخرى والأمونيوم وغيرها. ويتوفر في بعض أنواع التربة محاليل
الصوديوم التي تلعب دورًا مهمًا في نمو النباتات، كما توجد نسبة عالية من
الكالسيوم في أراضي الغابات. وتؤثر درجة حمضية التربة على نوع وعدد
الأيونات والكاتيونات التي تحتوي عليها محاليل التربة وتتبادلها مع غلاف
التربة الجوي وكذلك الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش فيها.
[27]التربة وعلوم الطبيعةالجغرافيا
الحيوية هو علم دراسة العوامل المؤثرة على توزيع الكائنات الحية بهدف
الكشف عن الأماكن التي تعيش بها ومعرفة سبب ذلك. وتعد التربة بأنواعها أحد
العوامل التي تحدد ماهية النباتات والبيئات التي يمكن أن تنمو فيها. ويقوم
علماء التربة بعمل مسح شامل لدراسة أنواع التربة أملاً في إدراك العوامل
الأساسية التي تحدد نوعية النباتات التي يمكن أن توجد وتنمو في تربة معينة.
بالإضافة إلى ذلك، يوجه علماء الجيولوجيا اهتمامًا خاصًا بدراسة أنواع
التربة وأنماطها الموجودة على سطح الأرض. ويعكس نسيج التربة ولونها
وتركيبها الكيميائي في الغالب طبيعة المادة الأولية الجيولوجية التي تكونت
منها، وغالبًا ما تتغير أنواع التربة وفقًا لحدود الوحدات الجيولوجية.
وتوضح الطبقات المندثرة في العصور القديمة للتربة والتي تسمى بـ paleosols
أشكال سطح الأرض من قبل، كما أنها تسجل تاريخ الظروف المناخية التي تعرضت
لها في العصور السابقة. ويستفيد علماء الجيولوجيا من دراسة بقايا النباتات
والكائنات المندثرة منذ العصور القديمة وتوزيع حفرياتها في الصخور زمنيًا
وجغرافيًا في تقدير أعمار الصخور وربط بعضها ببعض وكذلك في فهم العلاقات
التي كانت تربط بين الأنظمة البيئية السالفة وذلك خلال الحقب التاريخية
الجيولوجية التي تعاقبت فوق الأرض. وطبقًا لنظرية biorhexistasy التي تصف
العوامل المؤثرة في تشكيل التربة وتطورها، فإن الظروف المناخية التي دامت
لفترات طويلة من الزمن وأدت إلى تكوين أنواع من التربة العميقة التي تعرضت
لعوامل التعرية قد نتج عنها ارتفاع درجة ملوحة المحيطات وتكوين الأحجار
الجيرية.
علاوة على ذلك، يستعين علماء الجيولوجيا بخصائص قطاع التربة
لتحديد فترة استقرار سطح التربة من حيث استقرار المنحدرات والتصدعات
الجيولوجية عبر العصور المختلفة. وتشير أية طبقة تربة تحت سطحية إلى حدوث
تصدع أثناء تكون التربة، كما يعتمد ذلك على مدى تكوين طبقة التربة تحت
السطحية التي تليها لتحديد الفترة الزمنية التي مرت منذ حدوث التصدع.
صاحب منزل يختبر تربة حديقة منزله لمعرفة العناصر الغذائية التي تفتقدها التربة.
بسبب
الكتلة الحرارية التي تتعرض لها حوائط المنشآت السكنية في المناطق التي
تتسم بالاختلاف الشديد في مناخها ودرجة حرارتها ليلاً ونهارًا، فإنه تم
تثبيت الحوائط السميكة التي تحتوي على مواد بناء ذات كثافة عالية حتى تتمكن
من امتصاص الحرارة والتغلب على العوامل البيئية المختلفة.
صاحب
منزل يقوم بنخل التربة التي تكونت من المواد المتحللة في صندوق السماد
العضوي الذي كان يحتفظ به خلف المنزل. ويعد هذا النوع من التسميد طريقة
جيدة لإعادة استخدام وتدوير نفايات المنزل والحديقة.
الرواسب التي يحملها النهر الأصفر
استعان
مجموعة من المهندسين بتربة تم فحصها من خلال استخدام المنهج المعياري
للمرحلة الأولى من الدراسة الأثرية لإحدى العينات التي أخذت بجرافة أرض من
حفرة وذلك بهدف تقدير أعمار طبقات الأرض حسب التأريخ النسبي (مقارنة
بالتأريخ المطلق لها). وتعد الاستفادة من معرفة خصائص قطاع التربة وطبقاتها
لتحديد أقصى عمق مقبول لأية حفرة أمرًا مألوفًا بشكل أكبر من الحاجة لفحص
الأدلة الأثرية بهدف إدارة الموارد الثقافية ومعرفة أهميتها وقيمتها.
وتعد
أنواع التربة التي يتدخل الإنسان في تكوينها أو يتسبب في إحداث تغيير بها
محط اهتمام عدد كبير من علماء الآثار، ومن أمثلتها أراضي تربة تيرا بريتا
وهي من أخصب أنواع التربة وأجودها على مستوى العالم.
أوجه استخدامات التربةتستخدم
التربة في الزراعة حيث تعتبر المصدر الأساسي للعناصر الغذائية اللازمة
لنمو النباتات. وتتنوع التربة التي تستخدم في الزراعة (على سبيل المثال لا
الحصر، من بين الخصائص الأخرى، نسبة الرطوبة التي من المفترض أن تحتوي
عليها التربة) تبعًا لتنوع النباتات التي يمكن زراعتها فيها. بالإضافة إلى
ذلك، تُمثل المادة الأولية التي تكونت منها التربة عاملاً مهمًا في صناعات
التعدين ومجالات البناء. ذلك، حيث أنها تعد أساسًا لمعظم مشروعات البناء.
ويمكن استغلال مساحات هائلة من الأراضي في صناعة التعدين وبناء الطرق
وإقامة السدود. وتعد الأكواخ المغطاة بطبقات من التربة أحد الأساليب
الهندسية الذي تستخدم فيه التربة كدرع واقي لحماية حوائط المباني من الكتلة
الحرارية من الخارج والحفاظ على ثبات درجة حرارة الهواء من الداخل. تعد
موارد التربة مهمة وأساسية بالنسبة للبيئة وكذلك لإنتاج الأطعمة ومواد
الألياف. وتمد التربة النباتات بالمعادن والماء؛ حيث أنها تمتص مياه
الأمطار وتختزلها ثم تتخلص منها عن طريق امتصاص النباتات لها وبذلك تمنع
تشبع التربة بالماء وتعرضها للجفاف في الوقت نفسه. كما تعمل التربة على
تنقية الماء عندما يتسرب إليها من خلال عملية الترشيح. وعلاوةً على ذلك،
تعد التربة هي موطن كثير من الكائنات الحية التي تعيش بها؛ من ناحية أخرى،
تعد التربة في أغلب الأحيان أحد العوامل المساعدة في عملية إدارة النفايات
والمخلفات. فعلى سبيل المثال، تعالج محطات الصرف الصحي مياه خزانات الصرف
باستخدام العمليات الهوائية التي تقوم بها التربة. كذلك تُستخدم التربة في
تغطية النفايات والتخلص منها يوميًا في أماكنها. وتعتبر التربة العضوية،
وخاصة التربة التي تكونت من تراكم بقايا وأنسجة النباتات نصف المتفحمة وغير
تامة التحلل، موردًا مهمًا لاستخراج الوقود. يستهلك أحيانًا كل من الإنسان
والحيوان التربة في العديد من الثقافات المختلفة. تقوم التربة بتنقية
وترشيح الماء كما أنها تؤثر على تكوينه الكيميائي؛ حيث تمر مياه الأمطار
ومياه البحيرات والمسطحات المائية الصغيرة والأنهار بعمليات ترشيح خلال
طبقات التربة المختلفة والطبقات الصخرية العلوية، وبذلك تصبح مياهًا جوفية.
كما تقوم التربة والكائنات الحية التي تعيش فيها بتنقية الماء من الملوثات
مثل الفيروسات والزيوت والمعادن والكميات الزائدة من العناصر الغذائية
والرواسب المختلفة.