يُعدّ النهوض العلمي للأمم والشعوب أحد أهم أوجه تطور النتاج الحضاري للإنسان، فالازدهار الفكري وتبلور الوعي ينعكس في الطفرات العلمية والتكنولوجية، لأن العلوم التطبيقية هي التي تضع الأفكار موضع التجربة والاختبار، فالفكر الفلسفي الذي يطرح إشكاليات الوجود هو الذي يؤسس و يسبق النهضة العلمية التي تعد أحد أهم أوجه المدنية.
وإذا ما أردنا أن نحلل الأفكار التي سادت خلال القرن العشرين، فإننا نجد أن الأفكار الانعزالية المنغلقة هي التي حرّكت القرن الفائت بأسره، بالرغم من التطور المدني الآلي الهائل، فالعلوم لم تتمكن من الانفلات من الصراعات الأيديولوجية والعقائدية المذهبية والسياسية، فالاشكاليات ما تزال دائرة حول تسخير العلم والاقتصاد من أجل الهيمنة والتوسع من خلال استخدام العلماء، وهو الامر الذي خلق شعور بالحذر من حيادية العلم نفسه ومن حقيقة احكامه وما ينجم عنه .
فاستخدام العلم والتكنولوجيا، للسباق نحو التَّسلح وانتاج أسلحة الدمار الشامل ، والأسلحة الفتاكة، هذا عدا الدراسات الجارية على قدمٍ وساق في ميدان علم الوراثة و ما يمكن أن ينتج عنه من محاذير أخلاقية خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الاستنساخ البشري لأغراض عسكرية، كلها أمور تحتاج الى خلفيات معيارية اخلاقية بالدرجة الاولى وهي لا يمكن ان تنفصل عن المنظومة القيمية للافراد القيمين والقائمين على الأبحاث نفسها .
فبشاعة الحروب والدمار الذي شهدها العالم ، جعلت المفكر منَّا ينظر نظرة شك الى استقلالية المضامين العلمية عن استراتيجيات العمل المؤسساتي الخاضع في نهاية الأمر للقرارات السياسية وميزانيات الدول؛ لذلك فإن العلم قد تسيس كما العقائد والأديان وذلك من خلال انخراطه بدورة العجلة الاقتصادية من جهة وانخراطه في دواليب المؤسسات من جهة أخرى ، الأمر الذي جعله خاضع تحت نفوذ الأنانية السلبية للفرد