وردة في شرفة الذبول
قصة رائعة للقصاصة المتالقة والصديقة لبنى العبدلاوي
كان واقفا يتامل الطريق الرئيسي ,وكانه على موعد ما...
كان قد اهدى لها وردة حمراء , ذات مساء, فاحتفطت بها للذكرى ,وهاهي اليوم بعد ان رحل طيفه, وغادرتها ابتسامته, تبادر بمسح الغبار العالق على تويجات الوردة, غبار يحمل معه الف ذكرى وذكرى...وهي تمسك بالوردة,تذكرت ذلك اليوم الاستثنائي الذي جمعهما ببعض ...حيث جلست كالعادة على مقعد خشبي باحدى الحدائق العمومية , تتامل زخرفة الطبيعة...تشاهد كيف تحتضن الورود قبلات الندى في شغف طفولي , وكيف تفرد الاشجار اغصانها لاحتضان اسراب عصافير تائهة....
وقعت عيناها على ملاك مرسوم , راته شاخصا بمعطفه الاسود قبلاتها , حاملا في يده وردة حمراء, لم تنزع عنه نظراتها ...حاولت ان تلفت انتباهه , غير انه كان شارد الذهن...لايعلم بوجودها حتى ...
قررت ان تبادر هي...فرفعت جسدها من على المقعد ,واتجهت صوبه بخطرات واثقة,كان واقفا يتامل الطرق الرئيسي,وكانه على موعد ما...
دنت منه وقالت باستحياء انثوي :
سيدي ,اتسمح لي بان اسالك؟
اجابها وعيناه لاتفارقان الطريق الرئيسي:
نعم تفضلي.
اهتز قلبها لصوته,واعترتها رعشة قوية, هزت كيانها,فانسابت مع دفئ صوته لحظة , كانت تود ان تقول له ان صوته يعني لها الشئ الكثير , وان رائحة عطره تلك لا تفارق انفها,كانت ترغب في ان تخبره ان طيفه, هو ضيف يومي في احلامها...وانها كم من مرة كانت تراقبه عن بعد, وتتنتظر فقط ان ينتبه هو الى وجودها...لكنها عدلت عن ذلك, واكتفت بسؤال جاف :
كم تكون الساعة الآن؟
ازاح كم معطفه عن معصم يده, وعيناه شاخصتان في الطريق الرئيسي, نظر الى ساعته اليدوية بسرعة, معيدا عينيه الى الطريق,واجابها:
انها الواحدة ونصف
لم تعر اجابته ادنى اهتمام , وراحت عيناها تلتهمان ملامح وجهه في نهم...تطارد تعابير وجهه, بحثا عن خيط ما يقودها اليه...تراه من ينتظر؟...كانت تبحث عن اجابة شافية في عينيه ,لكنها لم تعثر الا على مزيد من الغموض كان يلتبس مقلتيه...
لاحظت علامات الضجر بادية على محياه,فسالته:
يبدو انك تنتظر احدهم.
التفت اليها ,مستغربا جراتها تلك :
نعم,انتظر احدهم.
كانت تتمنى لو انه يسالها نفس السؤال , لكانت اجابته انها تنتظره منذ زمن ,وانه ذاك الشخص المنتظر...وهاهي ذي الآن بجواره...لايهمها ان كان لا يكترث لوجودها,يكفيها فحسب ان تكون بقربه ,ان تحدق في عينيه مباشرة دون خوف ...ان يبادلها الحوار حتى ولو كان جافا ...المهم ان تستلذ صوته الدافئ...
حاولت ان تكسر ذلك الصمت الذي غمر ساحتهما...
الجو حار اليوم ,اليس كذلك؟
بلى
في حقيقة الامر ,هي لايهمها الجو,تود فقط ان تعرف لمن تلك الوردة التي بيده...
كم هي انيقة تلك الوردة الحمراء,غير انني اشفق عليها من شدة حرارة الجو... نظر الى الوردة باستعطاف,ثم التفت الى الطريق الرئيسي ,فوجده خاليا ,اعاد النظر الى الوردة التي شرفت على الذبول من طول الانتظار , كما ذبل صبره من قبل...
بعد كل هذا الانتظار , اهتز الهاتف النقال من بين انامله...وصلته رسالة قصيرة ...قراها بتمعن..ادرك انها لن تاتي...احبط كثيرا , واصيب بخيبة امل ...نظر الى القتاة التي بجواره, تلاقت نظراتهما الفاحصة ...ابتسم لها بالم...ثم مد لها الوردة الحمراء ...وغادر...امسكتها بلهفة ممزوجة بنكهة الدهشة والغرابة...احتضنتها في شوق ...مع انها تعلم مسبقا انها كانت لاخرى ...نظرت الى الطريق الرئيسي ...لم تجدر له اثر,كانت الطريق قد ابتلعته ...