التأخر الدراسي :-
أولاً : ماذا يقصد بالتأخر الدراسي ؟
يتشكى الكثير من الآباء والأمهات من حالة التأخر الدراسي التي يعاني منها
أبناءهم ، غير مدركين للأسباب الحقيقية وراء هذا التأخر وسبل علاجها ، وقد
يلجأ البعض منهم إلى الأساليب غير التربوية والعقيمة ، كالعقاب البدني
مثلاً في سعيهم لحث أبنائهم على الاجتهاد . ولاشك أن الأساليب القسرية لا
يمكن أن تؤدي إلى تحسين أوضاع أبنائهم ، بل على العكس يمكن أن تعطينا نتائج
عكسية لما نتوخاه .
إن معالجة مشكلة التأخر الدراسي لدى أبنائنا تتطلب منا الاستعانة بالأساليب
التربوية الحديثة ، والقائمة على العلم ، فهي المنار الذي يمكن أن نهتدي
بها للوصول إلى ما نصبوا له لأبنائنا ولأجيالنا الناهضة من تقدم ورقي وهذا
بدوره يتطلب منا أن الإجابة على الأسئلة التالية :
1 ـ كيف نحدد التأخر الدراسي ؟
2 ـ ما هي أنواع التأخر الدراسي ؟
3 ـ ما هي مسببات التأخر الدراسي ؟
4 ـ كيف يمكن علاج التأخر الدراسي ؟
كيف نحدد التأخر الدراسي :
لكي نستطيع تحديد كون التلميذ متأخر دراسياً أم لا ، ينبغي إجراء الاختبارات التالية : (24)
1ـ اختبارات الذكاء .
2 ـ اختبارات القدرات .
3 ـ اختبارات التكيف الشخصي والاجتماعي
وسأحاول أن أقدم لمحة عن هذه الاختبارات وما يمكن أن تكشفه لنا كل واحدة
منها من معلومات هامة ومفيدة تساعدنا على التعرف على مستوى ذكاء التلميذ ،
وما إذا كان عمره العقلي يتناسب مع عمره الزمني ، أم انه أعلى ،أم أدنى من
ذلك ، وتدلنا على الوسائل التي يمكن الاستعانة بها لمعالجة أسباب تأخره ،
وتوجيهه الوجهة الصحيحة ، وملافات الهدر الذي يمكن أن يصيب العملية
التعليمية والتربوية إذا ما أهمل هذا الجانب من الاختبارات .
أولاً : ـ اختبارات الذكاء :
الذكاء كما هو معلوم ، القدرة على التعلم ، واكتساب الخبرات ، وكلما زاد
الذكاء ، كلما زادت القدرة على التعلم ، وطبيعي أن الأطفال جميعاً يختلفون
بعضهم عن بعض بنسبة الذكاء ، كاختلافهم في القدرة الجسمية سواء بسواء .
ولقد كان العلماء فيما مضى يهتمون بكمية الذكاء لدى الطفل بصورة عامة ، إلا
أن الأبحاث الجديدة كشفت أن للذكاء أنواع متعددة ، فقد نجد تلميذاً
متفوقاً في الرياضيات ، ولكنه ضعيف في الإنشاء والتعبير . إن لاختبارات
الذكاء أهمية قصوى وينبغي أن تأخذها مدارسنا بالحسبان لكي تستطيع أن تؤدي
عملها بنجاح .
ماذا تكشف لنا اختبارات الذكاء ؟
1 ـ تعرفنا هذه الاختبارات إن كان تحصيل التلميذ متفقاً مع قدراته ، أم أن تحصيله أقل من ذلك ، وإلى أي مدى ؟
2 ـ تساعدنا على تقبل نواحي النقص ، أو الضعف ، لدى التلميذ ، فلا نضغط
عليه ، ولا نحمله ما لا طاقة له به ، فيهرب من المدرسة ، ويعرض مستقبله
للخراب .
3 ـ تساعدنا على تحديد نواحي الضعف التي يمكن معالجتها لدى التلميذ .
4ـ توضح لنا الفروق الفردية بين التلاميذ ، ولهذا الأمر أهمية بالغة جداً ، لا يمكن لأي معلم ناجح الاستغناء عنها .
5 ـ تساعدنا هذه الاختبارات على تحديد نواحي القوة والتفوق لدى التلميذ ، والتي يمكن الاستعانة بها على معالجة نواحي الضعف لديه .
6 ـ تساعدنا هذه الاختبارات على توجيه التلميذ الوجهة الصحيحة ، فلا يكون معرضاً للفشل وضياع الجهود والأموال . (25)
وهكذا يتبين لنا أن الاهتمام بمثل هذه الاختبارات يتسم بأهمية كبيرة إذا ما
أردنا النجاح في عملنا التربوي ، وتجنبنا إضاعة الجهود ، وحرصنا على أحوال
التلاميذ النفسية ، وجنبناهم كل ما يؤدي إلى الشعور بالفشل ، وضعف الثقة
بالنفس ، وعدم القدرة ، والشعور بالنقص ، وربما يلجأ التلميذ إلى الهروب من
المدرسة إذا ما وجد نفسه غير قادر على القيام بواجباته المدرسية شأنه شأن
بقية زملائه في الصف .
أنواع اختبارات الذكاء :
هناك نوعان من اختبارات الذكاء : (26)
أ ـ نوع يقيس القدرة العقلية بصورة عامة:
ويوضح لنا العلاقة بين [العمر العقلي]و[العمر الزمني]للتلميذ ، وتعبر
عنه هذه النتيجة ب [ نسبة الذكاء ] حيث تقاس نسبة الذكاء بحاصل قسمة العمر
العقلي على العمر الزمني مضروباً في 100 فلو فرضنا أن طفلاً عمره الزمني
يعادل 10 سنوات ، وأن نتائج اختبارات الذكاء بينت أن عمره العقلي يعادل 9
سنوات فإن نسبة الذكاء لديه تساوي 90% .
ومن الواضح أن التلميذ المتوسط تكون نسبة ذكائه 100 %
ومن كان نسبة ذكائه ما بين 80إلى 90% كان دون المتوسط .
ومن كان نسبة ذكائه من بين 90 إلى 110 كان متوسط الذكاء .
ومن كانت نسبة ذكائه ما بين 110 إلى 120 كان ذكياً
ومن كانت نسبة ذكائه ما بين 120 إلى 140 كان ذكياً جداً .
ومن كان نسبة ذكائه ما فوق 140 كان التلميذ عبقرياً .
ب ـ نوع يقيس الأنواع المختلفة للقدرات العقلية :
ويبين لنا موطن الضعف ، وموطن القوة ، إلى جانب الذكاء الكلي ، وطبيعي أن هذا النوع أدق من الاختبار الأول .
كان علماء النفس يعتقدون أن نسبة الذكاء ثابتة ، غير قابلة للتغيير ، ولا
زال البعض منهم يأخذ بهذه الفكرة ، غير أن الدلائل تشير إلى أن النمو في
قدرة الطفل العقلية لا تسير على وتيرة واحدة ، وبشكل منتظم ، بل تتخلله
حالات من البطء ،وحالات من السرعة ، وهي تتوقف على طبيعة النمو ، وعوامله
المختلفة .
إن الذكاء يتأثر حتماً بالتفاعل بين عاملي [الوراثة] و[البيئة] ، وإذا ما
تبين أن ذوي التلميذ لا يعانون من أي عوق أو تخلف عقلي أو اضطرابات نفسية ،
وإذا ما توفرت البيئة الصحية والطبيعية الملائمة ، فإن النمو يجري على
أحسن الوجوه .
غير أن هناك حقيقة لا ينبغي إغفالها وهي أن اختبارات الذكاء قد لا توصلنا
إلى حد الكمال ، بسبب وجود عوامل مختلفة تؤثر على مدى دقتها، كالمرض
والاضطراب النفسي،والخبرة التي اكتسبها الطفل من بيئته لأنها تلعب دوراً
مهماً في الموضوع . وعلى كل حال يمكننا أن نحصل على النتائج المفيدة إلى حد
بعيد ، إذا ما كانت الاختبارات التي نجريها دقيقة ، وإذا ما أخذنا في
الاعتبار جميع العوامل المؤثرة في هذا المجال وينبغي لنا أن نؤكد على أن
نجاح التلميذ في اختبارات الذكاء لا يعني أنه لن يفشل في دراسته العليا ،
إذا ما اجبر على دراسة فرع لا يرغب به ، وليست له القدرة عليه ، ولذلك
لابدّ وأن تكون هناك اختبارات أخرى تحدد الاتجاه الذي ينبغي للتلميذ أن
يسلكه .
ثانياً : اختبار القدرات :
وهذا النوع من الاختبارات له أهمية خاصة ، حيث أنه لا يعطينا فقط مستوى
قدرة التلميذ في مجال ما ، في الوقت الذي جرى فيه الاختبار ، وإنما يتعداه
إلى كشف المستوى الذي يمكن أن تبلغه قدراته في هذا المجال ، إذا ما نال من
مربيه في البيت والمدرسة ، الرعاية والعناية اللازمتين .
ومن الأنواع الشائعة لهذه الاختبارات (27)
1ـ الاختبار في القدرة الموسيقية .
2 ـ الاختبار في القدرة الفنية ، من رسم ونحت وتمثيل .
3 ـ الاختبار في القدرة الميكانيكية .
4 ـ الاختبار في القدرة الأدبية .
وبهذه الأنواع من الاختبارات نستطيع أن نحدد قابلية التلميذ في هذه
المجالات ، ومدى إمكانية تطوير هذه القابلية في أي من هذه المجالات ، كي
نوجهه الوجهة الصحيحة التي تمكنه من النجاح فيها بتفوق .
ثالثاً : اختبارات التكيف الشخصي والاجتماعي :
وهذه الاختبارات تكشف لنا عن ميول التلميذ ، ومزاجه ، ومشاكله الشخصية ،
وهي لا تعطينا إجابات محددة ،صحيحة أو خاطئة ، عن الأسئلة المطروحة ، والتي
يطلب فيها من التلميذ الإجابة بما يشعر به ، بل تقيس جميع مظاهره الشخصية .
وهذا النوع من الاختبارات له أهمية بالغة بالنسبة لعمليتي التربية
والتعليم ، وذلك لأن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه التربية الصحيحة ،
ويعلمهم بسهولة ويسر ، إلا إذا فهم كل تلميذ فهماً صحيحاً ، من حيث الميول ،
والرغبات ، والمزاج،والتعرف على المشاكل التي يعانيها في البيت والمدرسة ،
ويعمل على تذليلها .
بقي لي كلمة أخيرة أقولها بكل أسف ومرارة ، أن المدارس في معظم ما يسمى
بالعالم الثالث لا تهتم بهذه الأنواع من الاختبارات ، وجل اهتمامها ينصب
على اختبارات التحصيل الدراسي ، بل لا أغالي إذا قلت أن الكثير من المعلمين
لم يسمعوا عن هذه الاختبارات ، ولا يعرفون شيئاً عنها ، وهكذا بقيت
الأساليب التربوية والتعليمية مبتورة ، وسببت ضياع الجهود والإمكانيات لدى
الأبناء ، وعلى هذه المدارس أن تغير من أساليبها ، لتلافي نواحي النقص فيها
إذا شاءت النهوض بشعبها إلى مصاف الأمم المتقدمة الأخرى .
أنواع التأخر الدراسي :
يختلف التأخر الدراسي من تلميذ إلى آخر ، ولكل نوع من التأخر الدراسي
أسبابه وظروفه وسبل معالجته وإجمالاً يمكن تحديد أنواعه بما يأتي :
1 ـ التأخر الدراسي المرضي :
ويتطلب هذا النوع علاجاً طبياً ،وغالباً ما يكون علاجه صعباً .
2 ـ التأخر غير طبيعي :
وهذا النوع يمكن علاجه بالوسائل التربوية العلمية ، وهو ما يمكن أن تقوم
به المدرسة بالتعاون مع البيت ، وهذا النوع من التأخر يمكن أن يكون في جميع
الدروس ، وقد يكون تأخراً في بعض الدروس ، وقد يكون تأخراً في درس واحد
فقط ، وقد يكون التأخر وقتياً ، وقد يستمر وقتاً طويلاً ، ولكل نوع من هذه
الأنواع مسبباته ووسائل علاجه .(28)
ما هي مسببات التأخر الدراسي ؟
إن أهم العوامل التي تسبب التأخر الدراسي هي :
1 ـ العامل العقلي : كالتأخر في الذكاء بسبب مرضي أو عضوي .
2 ـ العامل النفسي :كضعف الثقة بالنفس ،أو الكراهية لمادة معينة ، أو كراهية معلم المادة بسبب سوء معاملته لذلك التلميذ ، وأسلوب
تعامل الوالدين مع أبنائهم .
3 ـ العامل الجسمي : ككون التلميذ يعاني من عاهة أو أي إعاقة بدنية ، على سبيل المثال .
4 ـ العامل الاجتماعي : ويتعلق هذا العامل بوضع التلميذ في البيت والمدرسة ،وعلاقاته بوالديه ،ومعلميه ،وأخوته ،وأصدقائه .
إن هذه العوامل كلها ذات تأثير مباشر في التأخر الدراسي لدى التلاميذ ،
وعلى ضوء دراستها نستطيع أن نعالج التلاميذ المتأخرين دراسياً والذين تثبت
مقاييس الذكاء أن تخلفهم أمر غير طبيعي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن التأخر الدراسي لدى التلاميذ يصاحبه في اغلب
الأحيان الهرب من المدرسة والانحراف نحو الجرائم ، من سرقة واعتداء وغيرها ،
ذلك أن التلاميذ الفاشلين في دراستهم يستجيبون أسرع من غيرهم لهذه الأمور
بسبب شعورهم بالفشل ، وعدم القدرة على مواصلة الدراسة والتحصيل .، ولو
تتبعنا أوضاع وسلوك معظم المنحرفين لوجدنا أنهم خرجوا من بين صفوف التلاميذ
المتأخرين دراسياً .(29)
كيف نعالج مسألة التأخر الدراسي :
إن معالجة مسألة التأخر الدراسي للنوع الثاني [ غير الطبيعي ] تتوقف على التعاون التام ، والمتواصل بين ركنين أساسيين :
1 ـ البيت 2 ـ المدرسة
1 ـ البيـت
ونعني بالبيت طبعاً مهمة الأباء والأمهات ومسؤولياتهم بتربية أبنائهم تربية
صالحة ، مستخدمين الوسائل التربوية الحديثة القائمة على تفهم
حاجات الأبناء وتفهم مشكلاتهم وسبل تذليلها ، والعائلة كما أسلفنا هي
المدرسة الأولى التي ينشأ بين أحضانها أبناءنا ويتعلموا منها الكثير . ولا
يتوقف عمل البيت عند المراحل الأولى من حياة الطفل ، بل يمتد ويستمر لسنوات
طويلة حيث يكون الأبناء بحاجة إلى خبرة الكبار في الحياة ، وهذا يتطلب منا
:
أولاً ـ الإشراف المستمر على دراستهم ، وتخصيص جزء من أوقاتنا لمساعدتهم
على تذليل الصعاب التي تجابههم بروح من العطف والحنان والحكمة ، والعمل على
إنماء أفكارهم وشخصياتهم بصورة تؤهلهم للوصول إلى الحقائق بذاتهم ، وتجنب
كل ما من شأنه الحطّ من قدراتهم العقلية بأي شكل من الأشكال ، لأن مثل هذا
التصرف يخلق عندهم شعوراً بعدم الثقة بالنفس ويحد من طموحهم .
ثانياً ـ مراقبة أوضاعهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم بزملائهم وأصدقائهم ، وكيف
يقضون أوقات الفراغ داخل البيت وخارجه ،والعمل على إبعادهم عن رفاق السوء ،
والسمو بالدوافع ، أو الغرائز التي تتحكم بسلوكهم وصقلها ، وإذكاء أنبل
الصفات والمثل الإنسانية العليا في نفوسهم .
ثالثاً ـ العمل على كشف مواهبهم وهواياتهم ، وتهيئة الوسائل التي تساعد على تنميتها وإشباعها
رابعاً ـ مساعد أبنائنا على تحقيق خياراتهم ،وعدم إجبارهم على خيارات لا يرغبون فيها .
خامساً ـ تجنب استخدام الأساليب القسرية في تعاملنا معهم ، وعدم النظر
إليهم ، والتعامل معهم وكأنهم في مستوى الكبار ، وتحميلهم أكثر من طاقاتهم ،
مما يسبب لهم النفور من الدرس والفشل .
سادساً ـ مساعدتهم على تنظيم أوقاتهم ، وتخصيص أوقات معينة للدرس ، وأخرى للراحة واللعب مع أقرانهم .
2 ـ المدرسـة
المدرسة هي المؤسسة التي تعمل على إعداد الأجيال وتهيأتهم ليكونوا رجال
المستقبل مسلحين بسلاح العلم والمعرفة ، والقيم الإنسانية السامية لكي
يتواصل تقدم المجتمع الإنساني ، ويتواصل التطور الحضاري جيلاً بعد جيل .
وهكذا نجد أن المدرسة لها الدور الأكبر في إعداد أبنائنا الإعداد الصحيح
القائم على الأسس العلمية والتربوية القويمة .
إن المهمة العظيمة والخطيرة الملقاة على عاتق المدرسة تتطلب الإعداد
والتنظيم الدقيق والفعال للركائز التي تقوم عليها المدرسة والتي تتمثل فيما
يلي :
1ـ إعداد الإدارة المدرسية .
2 ـ إعـداد المعلمـين .
3 ـ إعداد جهاز الأشراف التربوي .
4 ـ إعداد المناهج والكتب المدرسية .
5 ـ نظام الامتحانات وأنواعها وأساليبها .
6 ـ تعاون البيت والمدرسة .
7 ـ الأبنية المدرسية وتجهيزاتها .
إن هذه الركائز جميعاً مترابطة مع بعضها البعض ، وكل واحدة منها تكمل
الأخرى ، ويتوقف نجاح العملية التربوية والتعليمية في المدرسة على تلازم
وتفاعل هذه الركائز ببعضها ، وكلما توطدت وتعمقت حركة التفاعل هذه كلما
استطاعت المدرسة تحقيق ما تصبو إليه من خلق جيل واعٍ ، متسلح بسلاح العلم
والمعرفة ، وملتزم بالأخلاق والمثل الإنسانية العليا .وسوف نأتي على بحث
هذه الركائز في الفصول قادمة .