إذا كان مفهوم العولمة مفهوما معاصراً يعني قيام نظام عالمي جديد يعتمد في أساسه على سياسة القطب الواحد وإخضاع العالم طوعاً أم قسراً إلى نظرياته وأيديولوجياته تحت مسمى العالم الواحد , فإن العولمة في حقيقتها ظاهرة قديمة عرفت منذ القدم , وقد حاول قادة الدول العظمى في التاريخ إلى السيطرة السياسية والاقتصادية والدينية على العالم والتوسع على حساب شعوب العالم وكياناتها السياسية في تلك الأزمنة.
فقد حاول الآشوريون توسيع دولتهم وتوحيد العالم تحت سيطرتهم , كما حاول اليونانيون أيضا وكذلك الرومان والعرب المسلمون وأعقبهم الأوربيون باكتشافهم للعالم الجديد , وأصبحت بعض الشركات ذات نفوذ وسلطة أقوى بكثير من بعض الدول وهذا ما يحاول دعاة العولمة المعاصرة إلى تحقيقه في عالمنا اليوم. فعلى سبيل المثال كانت شركة الهند الشرقية التي تأسست عام 1602م وحازت على حقوق و سلطات الدولة بما في ذلك الحق في شن الحروب وعقد المعاهدات وجمعت بين السلطات السياسية السيادية والسلطات الاقتصادية. وقد سيطرت هذه الشركة على مقدرات عدد كبير من بلدان العالم مثل اندونيسيا والهند والبرازيل وجزر البحر الكاريبي و سريلانكا وفرضت سيطرتها على جزء كبير من اقتصاد الصين واليابان , وكان الربح الاقتصادي هو الهدف الأول وان كان على حساب الدول والشعوب والقيم والثقافات والبيئة . وهذا ما يحصل اليوم إذ تسعى تحولات العولمة إلى زيادة النشاط الاقتصادي الذي يقوم على أساس الموارد الطبيعية والبيئة , حيث تمثل البيئة مصدر جميع المواد الخام والطاقة كما إن البيئة ذاتها تعد الحيز المتلقي للمخلفات والنفايات الناتجة عن ذلك النشاط الاقتصادي المستنزف للموارد الطبيعية بدون اكتراث.
العولمة إذن ليست جديدة من وجهة النظر الجغرافية الصرفة, كما أنها لا تخلو من الايجابيات والحسنات وهي كثيرة, إلا إنها تعد سببا رئيسا من أسباب التدهور البيئي ولا يكفي التذرع بزيادة الإنتاج و بمردودات الدخل الناتج من التجارة الحرة كسببا منطقيا لقبول التدهور البيئي الخطير والمتفاقم بسبب العولمة وما رافقها من تشريعات وسلوكيات زادت من مشكلات البيئة والتلوث البيئي على مستوى العالم كله وان كانت هذه المشكلات أكثر خطورةً ووضوحا في الدول النامية.