يكن موقف أينشتاين، في بداية حياته على الأقل، رافضاً للصهيونية. فقد نشأ وتعلَّم في ألمانيا.
ولذا، فقد كان يؤمن بفكرة الشعب العضوي، وبأن السمات القومية سمات
بيولوجية تُوَّرث وليست سمات ثقافية مكتسبة. فقد صرح بأن اليهودي يظل
يهودياً حتى لو تخلى عن دينه. وقد عبَّر أينشتاين في عدة مناسبات عن حماسه
للمشروع الصهيوني وتأييده له، بل واشترك في عدة نشاطات صهيونية[4].
ولكن موقف أينشتاين هذا لم يكن نهائياً، إذ عَدَل عن هذه المواقف فيما
بعد، فقد صرح بأن القومية مرض طفولي، وبأن الطبيعة الأصلية لليهودية
تتعارض مع فكرة إنشاء دولة يهودية ذات حدود وجيش وسلطة دنيوية. وأعرب عن
مخاوفه من الضرر الداخلي الذي ستتكبده اليهودية، إذا تم تنفيذ البرنامج
الصهيوني، وفي هذا رَفْض للفكر الصهيوني ولفكرة التاريخ
اليهودي الواحد. ولهذا السبب، وفي العام نفسه، فسَّر انتماءاته الصهيونية
وفقاً لأسس ثقافية، فصرح بأن قيمة الصهيونية بالنسبة إليه تكمن أساساً في
« تأثيرها التعليمي والتوحيدي على اليهود في مختلف الدول ». وهذا
تصريح ينطوي على الإيمان بضرورة الحفاظ على الجماعات اليهودية المنتشرة في
أرجاء العالم وعلى تراثها، كما يشير إلى إمكانية التعايش بين اليهود وغير اليهود في كل أرجاء العالم. وفي عام 1946، مَثل أمام اللجنة الأنجلو أمريكية وأعرب عن عدم رضاه عن فكرة الدولة اليهودية، وأضاف قائلاً: « كنت ضد هذه الفكرة دائماً ».
وهذه مُبالَغة من جانبه حيث أنه، كما أشرنا من قبل، أدلى بتصريحات تحمل
معنى التأييد الكامل لفكرة القومية اليهودية على أساس عرْفي. والشيء الذي
أزعج أينشتاين وأقلقه أكثر من غيره هو مشكلة العرب. ففي رسالة بعث بها إلى
وايزمان عام 1920، حذر أينشتاين من تجاهل المشكلة العربية، ونصح الصهاينة بأن يتجنبوا «الاعتماد بدرجة كبيرة على الإنجليز »،
وأن يسعوا إلى التعاون مع العرب وإلى عَقْد مواثيق شرف معهم. وقد نبه
أينشتاين إلى الخطر الكامن في الهجرة الصهيونية. ولم تتضاءل جهود أينشتاين
أو اهتمامه بالعرب على مر السنين. ففي خطاب بتاريخ أبريل سنة 1948، أيَّد هو والحاخام ليو بايك موقف الحاخام يهودا ماجنيس
الذي كان يروج فكرة إقامة دولة مشتركة (عربية ـ يهودية)، مضيفاً أنه كان
يتحدث باسم المبادئ التي هي أهم إسهام قدَّمه الشعب اليهودي إلى البشرية.
ومن المعروف أن أينشتاين رَفَض قبول منصب رئيس الدولة الصهيونية حينما
عُرض عليه.