تواصلت في العاصمة الألمانية برلين لثالث سبت على التوالي الاحتجاجات المناهضة للرأسمالية، حيث جاب آلاف المتظاهرين بعد ظهر أمس شوارع وسط المدينة مطالبين بتأميم وتفكيك البنوك، وتغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي إلى آخر أكثر عدالة ومراعاة لمصالح أكثرية المواطنين ودافعي الضرائب.
وحاصرت مظاهرة ثانية مقر البرلمان، وعبر المشاركون فيها عن عدم اعترافهم بتمثيل هذا البرلمان لهم، ودعوا إلى انتخاب سلطة ديمقراطية جديدة تعبر عن الشعب وتكون من صلاحياتها مراقبة أداء البنوك بعد تفكيكها.
ومنعت الشرطة -التي حضرت بأعداد كبيرة- المتظاهرين عند محطة قطارات فريدريش، وبالقرب من بوابة براندنبورغ التاريخية، من مواصلة مسيرتهم إلى دائرة المستشارية، مقر أنجيلا ميركل، حيث كانوا يرغبون في حصار الدائرة في خطوة رمزية كما كان مقررا سلفا.
رموز مستهدفة
ومثلت مظاهرة برلين واحدة من مظاهرات مماثلة جرت في اليوم نفسه بمدن ألمانية أخرى، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الحالية، إذ تظاهر الآلاف أمام البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، إحدى العواصم الأوروبية للمال والأعمال، ضد سيطرة رأس المال والأسواق المالية والمصارف على الاقتصاد العالمي.
كما جرت هذه المظاهرة بهدف التضامن مع محتجين قرروا مواصلة اعتصامهم لأسبوعين مقبلين بأكثر من مائة خيمة أمام المركزي الأوروبي للتنديد بـ "انعدام العدالة الاجتماعية" و"تحكم أقلية تمثل 1% في الثروات والممتلكات"، وفي هامبورغ تظاهر بعد ظهر أمس آلاف الأشخاص ضد ارتفاع إيجارات المساكن.
وحملت المظاهرة الرئيسة بوسط برلين شعار "الأزمة اسمها الرأسمالية"، ودعت إليها ثلاثون منظمة وحزبا وحركة ونقابة، من بينها حركة "احتلوا برلين" وحزب اليسار والحزب الشيوعي الألماني وحركة أتاك المناهضة للعولمة.
أهداف اقتصادية
وحدد المتظاهرون أهدافهم في "تأميم وتفكيك البنوك وإدارتها من لدن المجتمع، وتقليص ساعات العمل، ووضع حد أدنى للأجور لا يقل عن عشرة يوروات (14 دولارا) في الساعة، والتضامن مع اليونانيين المهددين بالإفقار نتيجة خضوع حكوماتهم لإملاءات ما وصف بـ "دكتاتوريات المصارف وأسواق المال".
وانطلقت المظاهرة من أمام مقر حكومة برلين المحلية، وردد المشاركون فيها هتافات منها "احتلوا البوندستاغ" (البرلمان الألماني) و"الثورات ستحرر البشرية"، و"هنا يحتج من لا يملكون شيئا"، ومن اللافتات المرفوعة "الحياة ليست واحة لكنز الفوائد والعملات للمتخمين بالثروات".
وتوقفت المظاهرة أمام مستشفى برلين الجامعي "شارتيه" للتعبير عن التضامن مع أطباء وعاملي المستشفي، الذين سيدخلون في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في إضراب عن العمل من المقرر أن يشمل معظم المستشفيات الألمانية.
"
مظاهرة مقبلة
ودعا المشاركون في مظاهرة برلين إلى مظاهرة أخرى ستشهدها المدينة في الثاني عشر من الشهر القادم، ويتم خلالها فرض حصار رمزي على مقري دائرة المستشارية والبرلمان.
واعتبر المتحدث باسم حركة "احتلوا برلين" يورغ هابيل أن مشاركة الآلاف في المظاهرة التي تمت الدعوة إليها قبل ثلاثة أيام تمثل نجاحا لحركات "احتلوا" التي تأسست في ألمانيا على غرار حركة "احتلوا وول ستريت" التي بدأت في نيويورك قبل أكثر من شهر.
وقال هابيل في تصريح للجزيرة نت إن اتساع الزخم الشعبي لحركات "احتلوا" بألمانيا وأوروبا، وتحول هذه الحركات إلى تيار شعبي كاسح يعد أمرا متوقعا في ظل تفاقم أزمة الديون السيادية الأوروبية، ومواصلة حكومات الاتحاد الأوروبي ضخ المزيد من المليارات في "العروق المتيبسة للبنوك المتسببة في الأزمة الراهنة".
"احتلوا" والعرب
وأوضح المتحدث نفسه أن حركات "احتلوا" بألمانيا وأوروبا تعمل وفق نظام فائق الدقة ومقسمة إلى مجموعات عمل متخصصة، ولا تفكر في التحول لأحزاب سياسية، وأشار إلى أن هذه الحركات تعتبر نفسها امتدادا لثورات الربيع العربي.
وأشار هابيل إلى أن الثورات العربية رفعت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" في حين تريد حركات "احتلوا" تغيير النظام المالي والاقتصادي العالمي الحالي بآخر أكثر عدلا.
وأوضح أن مناصري حركات "احتلوا الغربية" تعلموا سياسة النفس الطويل من ميدان التحرير بالقاهرة، ومن الثوار في ميادين التغيير الأخرى بالعالم العربي.