مصرع القذافي يشكل اكبر دافع سياسي لانهاء عملية
الناتو في ليبيايعتبر مصرع القذافي اكبر دافع سياسي لاعلان الابتهاج
بمناسبة انتهاء
عملية الناتو في ليبيا، التي استمرت 204 ايام. وستعم ليبيا وبلدان التحالف خلال الايام القادمة نشوة "الانتصار
النهائي على الطاغية"، التي
تندرج فيها بشكل رائع النهاية المظفرة للعملية العسكرية.
وليس في الناتو أناس سذج، لا يفهمون ان
النشوة ستنتهي في القريب العاجل،
وسيواجه البلد المدمر مجموعة كبيرة من المشاكل الملحة جدا. ويتعين على السلطات الجديدة اقتسام السلطة، وتحقيق المصالحة بين قبائل
شرق البلاد وغربها ، وصيانتها من اعمال النهب الاثنية (ففي عدد من مناطق ليبيا لا يحبون المواطنين من افريقيا
الاستوائية)، ومن مطاردة انصار القذافي السابقين، وجمع كميات السلاح الهائلة، واعادة بناء البنية
التحتية المدمرة، وكذلك تقويم مستوى المعيشة الى ما كان عليه قبل الثورة، اذ لم يكن واطئا على الاطلاق.
علما ان مصرع العقيد في ساحة المعركة، متأثرا بجروح
نارية يعتبر تناسبا غير موفق جدا للظروف ، يتيح عمليا لأية قوى في ليبيا وفي المنطقة استغلال شخصية
القذافي القتيل
بمثابة رمز لشهيد النضال اما "ضد
الغزو الرأسمالي" واما "ضد عدوان الصليبيين الغربيين الجديد". وسيتم انتقاء الشعار وفقا لتوجهات
هذه القوى.
ومن المهم بالنسبة للغرب الان استغلال الفرصة. وان تصريحات
الغرب الصاخبة
حول "انجاز المهمة" تعتبر
اليوم في وقتها، وتقنع دافعي الضرائب الاوروبيين والامريكيين، بان اموالهم لم تذهب سدى. كما ان الاغلبية
الساحقة من بلدان
الناتو تفضل علاوة على ذلك، اختتام النشاط العسكري الغالي الثمن جدا في ليبيا باسرع وقت ممكن، وخاصة في ظل استمرار حملة افغانستان.
ويدركون في بروكسل مدى هشاشة ودرامية الوضع الذي نشأ في ليبيا
الان. فان الثوار،
كما عمل النقيب الشاب معمر القذافي، استولوا على السلطة بالقوة، ولكنهم فعلوا ذلك خلافا له، ليس بجهد ذاتي، وانما بدعم اجنبي واسع النطاق. ولا
يوجد لديهم قائد متنفذ واضح،
وبمصرع العقيد زال عدوهم المشترك الذي كان يوحدهم. ولا يستطيع اي فرد التكهن بسلوكهم مستقبلا. .وفي هذه الظروف يمكن
ان يقوم وجود قوات الناتو في المنطقة بدور العامل الرادع.
ويتعين على محللي الحلف الآن ايجاد موازنة معقولة بين
الاعلان في الوقت المناسب عن النصر، وانهاء
العملية العسكرية الاساسية من جانب، ومن الجانب الآخر، الحفاظ على الوجود الرادع في ليبيا.
ولهذه القضية عاملان منغصان. اولا ـ الصفة الشرعية لقوات
الناتو في ليبيا،
التي وفرها في فترة الحرب تخويل مجلس الامن الدولي. وثانيا ـ الاقتسام المرتقب لقطاع النفط،
واعادة توزيع عقود هذا البلد النفطية والعسكرية.
وفيما يخص الصفة الشرعية للقوات، فان الحلف أظهر
عدة مرات القدرة على اعطاء تفسير مرن (على هواه) لقراري مجلس الامن الدولي 1970 و1972، اللذين سمحا للناتو القيام بعمليات نشطة لحماية السكان المدنيين في ليبيا،
باستثناء نشر قوات برية في البلد. ومن حيث
المبدأ، بوسع الناتو حتى في الوقت الحاضر محاولة الحفاظ على وجوده، على سبيل المثال، بصيغة دوريات
جوية في سماء البلد بقوى سربين من الطائرات فقط. والطريق الثاني للبقاء في ليبيا هو الحصول على طلب من المجلس الوطني الانتقالي لمساعدته عسكريا. وهذا
الخيار سيكون مثاليا. وانه يعفي الناتو من كافة الالتزامات امام مجلس
الامن الدولي، الذي بوسع الحلف الاعلان عن تنفيذ تخويله بالكامل، ومن الممكن بعد ذلك، تنظيم وجوده في ليبيا باي صيغة تروق للمجلس الوطني الانتقالي،سواء
كانت بصيغة دوريات جوية، او بصيغة
الخبراء والمستشارين العسكرين، او اقامة قاعدة عسكرية متكاملة.
وفيما يخص اقتسام مكامن النفط وعقود توريد السلاح
مستقبلا، من الضروري استيعاب ان بلدان الناتو في هذه القضية لا تعمل جبهة واحدة. فهنا بالذات يتراجع "التضامن الاطلسي"
امام المصالح الاقتصادية القومية. لان الناتو لا يمارس توريد السلاح، ناهيك عن النفط ،
ولا يشرف عليهما. ويبت في هذه القضايا كل بلد على الصعيد الوطني الى درجة ان بعض الدول
الاعضاء في الحلف يمكن ان تغريها فكرة عقد اتفاقات مباشرة مع الحكومة الليبية في موضوع
ايفاد خبراء
عسكريين الى البلاد مثلا بغية إعداد الكادر للجيش الليبي الجديد. و يجدر بالذكر ان الامين العام
لحلف الناتو اندرس فوغ راسموسن كان آخر من علق على مقتل القذافي. ولا شك انه اجبرعلى هذا التأخير
علما ان مشاورات هاتفية كثيفة بين الحلفاء وربما مع ممثلي الامم المتحدة والمجلس الوطني الانتقالي سبقت نشر
البيان الصادر عنه. واعلن راسموسن: "انتهى سلطان الرعب لحكم القذافي الذي استمر على مدى 42 عاما،
ويمكن ان تضع ليبيا حدا للفترة المظلمة في تاريخها. وبوسع الليبيين الآن تقرير مصيرهم".
ودعا الشعب الليبي
الى عدم التركيزعلى الخلافات والامتناع عن مطاردة المدنيين و ضبط النفس ازاء انصار
القذافي السابقين. وقال:" فيما يتعلق بعملية الناتو في ليبيا ان الحلف وشركاءه سينهون عمليتهم ويقومن
بتنسيق اعمالهم مع مجلس الامن الدولي والمجلس الوطني الانتقالي. وقد اقتربت هذه اللحظة بعد ما حدث في سرت".
اذن سيزداد احتمال اعلان الحلف عما قريب عن
انجاز المرحلة
العسكرية الرئيسية للعملية. وسيحاول الحلف في الوقت ذاته
الحفاظ على وجوده العسكري في هذا البلد على شكل دوريات محدودة في السماء
الليبية الى ان يتم
إقرار صيغة الوجود المحدود لقوات الناتو وبعض دوله في ليبيا بالتعاون مع هيئة الامم المتحدة
والمجلس الوطني الانتقالي.
وتولى الناتو في 31 مارس/آذار قيادة كل القوات الدولية
في ليبيا . وبموجب البلاغ الاخير فان طائرات الحلف قامت ب 26089 طلعة
جوية، بما فيها 618 طلعة قتالية ضاربة. واجريت الطلعات حسب الخطة، وذلك بمعدل 110
– 150 طلعة كل يوم. وقامت سفن الناتو بإيقاف وتفتيش 296 سفينة تجارية حظر على 11
سفينة منها الدخول في المياه الاقليمية الليبية. كما قام الحلف بمرافقة ألفين و135 دفعة من المساعدات الانسانية. وذلك في
اطار عملية فرض السيطرة على الساحل الليبي بغية تأمين حظر توريد الاسلحة الى هذا البلد. وشارك
المستشارون العسكريون وضباط الوحدات الخاصة لبعض دول الناتو وبصورة خاصة فرنسا وبريطانيا
في المرحلة
الختامية للحرب في ليبيا. ولعب هؤلاء العسكريون المتعاونون مع الوحدات الخاصة القطرية والاماراتية
دورا حاسما في تنظيم اقتحام طرابلس
يوم 21 اغسطس/آب من قبل الثوار. وكان هذا الاقتحام نقطة انعطاف في
الحرب الاهلية
الليبية.
ولا توجد لحد الان اية معلومات موثوق بها حول النفقات
الاجمالية لعملية الحلف في ليبيا. وتتراوح التقييمات بين 12 مليار يورو و200 مليار يورو . كما
لا تتوفر معلومات موثوق بها عن ضحايا النزاع.