يعد مفهوم العولمة من أكثر المفاهيم تداولا على الصعيد العالمي في الأدبيات السياسية والإقتصادية والثقافية، وترجع بداية استعمال المصطلح إلى نهاية القرن الماضي مع انهيار المعسكر الشرقي وسقوط جدار برلين وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن قيام نظام عالمي جديد تتحكم في مصيره.
فما المقصود بالعولمة؟ وما هو السياق التاريخي لتطورها ؟ وما هي آليات اشتغالها ؟ وما هي القوى الفاعلة فيها ؟ وما هي فرص التنمية في ظلها؟ وما هي المخاطر المصاحبة لها ؟
1. العولمة : التعريف ، السياق.
العولمة ( الكوكبة - الأمركة - الكونية ...) لغة تعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل أرجال العالم برمته .
اصطلاحا يختلف المفهوم باختلاف المقاربات المعتمدة والخلفيات المتحكمة، ويمكن أن نميز بين :
المقاربة الإقتصادية:
- إندماج أسواق العالم وترابطها وذلك بهدف توسيع دائرة تبادل السلع والخدمات و سهولة انتقال رؤوس الأموال، وإزالة الحدود الجمركية بين الدول وسيطرة التكتلات العملاقة وشركاتها العابرة للقارات على الإقتصاد العالمي.
- المقاربة السياسية: تدويل النظام الديمقراطي الليبرالي، تنامي الخطاب الحقوقي، تراجع الأنظمة الشمولية، تراجع سيادة الدولة الوطنية / القومية لصالح الشركات المتعددة الجنسية، ظهور النظام العالمي الجديد على حساب نظام القطبية الثنائية.
المقاربة الإعلامية :
تحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل الثورة المعلوماتية، انسياب المعلومة والصورة بفضل الأنترنيت والأقمار الإصطناعية، اختزال الزمكان.
المقاربة الثقافية:
-تدويل ثقافة المركز و طمس واختراق ثقافة الهامش عبر ترسانة إعلامية وتقنية ، تنميط القيم بما يناسب ثقافة السوق، تخطي الحدود الثقافية، إزالة االخصوصيات المحلية أو دمجها في إطار ثقافة كونية / استهلاكية منمطة، تنامي ثقافة الصورة.
تعريف تركيبي :
العولمة حلقة متطورة في مسار تطور النظام الرأسمالي وتهدف الى تدويل نمط الإنتاج الرأسمالي والإندماج الكامل لدول العالم في إطار اقتصاد السوق وتحكم التكتلات الإقتصادية و الشركات المتعددة الجنسية في السياسة الدولية وإزالة الحدود بين الثقافات ودمجها وتنميطها في إطار ثقافة أحادية استهلاكية، عبر ترسانة من التقنيات وشبكة الإتصالات التي أصبح العالم معها قرية صغيرة.
ساهمت في بروز ظاهرة العولمة عدة عوامل:
- نهاية القطبية الثنائية وظهور النظام العالمي الجديد وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية في إطاره بمصير العالم.
- تطور ظاهرة التركيز الرأسمالي وظهور الشركات العملاقة المتعددة الجنسية العابرة للقارات.
- تطور وسائل الإتصال والثورة المعلوماتية خلال النصف الثاني من القرن 20 أصبح معها العالم قرية صغيرة.
-إنشاء منظمة التجارة العالمية 1995 وتحرير التجارة الدولية وإزالة الحدود الجمركية وسهولة انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول.
تعود جذور العولمة إلى حركة الكشوفات الجغرافية خلال القرن 15م:
منذ تفكك النظام الفيودالي وظهور الدولة القومية في ظل الرأسمالية وهي تسعى إلى السيطرة والتوسع خارج الحدود، فقد انتقلت الرأسمالية من حدود الدولة القومية / الوطنية إلى إمبراطوريات استعمارية مع حركة الكشوفات الجغرافية خلال القرن 15 واكتشاف العالم الجديد -1492- ، ومع الثورة الصناعية وتطور النظام الرأسمالي ظهرت الحركة الإمبريالية كحركة استعمارية توسعية تميزت بأهمية التركيز المالي وظهور الشركات العابرة للقارات وتصريف فائض الإنتاج و توجيه رؤوس الأموال قصد الزيادة في الأرباح عبر تصديرها خارج الحدود.
مع القرن 20 وبعد الحربين العالميتين انتقل مركز الثقل الإقتصادي من أوربا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت في مواجهة مع الإتحاد السوفياتي في إطار الحرب الباردة والقطبية الثنائية، وانتهت بانهيار المعسكر الشرقي وظهور النظام العالمي الجديد، أصبحت معه الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى على الصعيد العالمي عملت على السيطرة على العالم اقتصاديا وماليا وعسكريا وثقافيا مستفيدة من تفوقها العسكري والإقتصادي والعلمي والتقني وضخامة شركاتها العابرة للقارات وسيطرتها على المؤسسات المالية الدولية.
2. العولمة: الآليات والقوى الفاعلة في مجال العولمة.
تتعدد القوى الفاعلة في مجال العولمة:
الثالوث الإقتصادي العالمي:
الولايات المتحدة الأمريكية، الإتحاد الأوربي واليابان. إلى درجة اقتران العولمة في بعض التحليلات بالأمركة "الولايات المتحدة الامريكية"، إضافة الى عدة منظمات دولية أو إقليمية ( الإتحاد الأوربي / G8 / مجموعة أمريكا الشمالية / منظمة التجارة العالمية 1995.
مراكز القرارات المالية:
كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الشركات المتعددة الجنسية
العابرة للقارات والتي أصبحت لها وزن ثقيل في رسم السياسة الدولية بل وحتى الوطنية.
المنظمات الغير الحكومية:
المناهضة للعولمة سواء أكانت محلية أو وطنية أو دولية، وتنشط في عدة مجالات كالتنمية والبيئة وحقوق الإنسان كالمنتدى الإجتماعي وأطاك المعارضة للعولمة بشكلها الحالي والمطالبة بعالم آخر ممكن.
الآليات:
نميز بين ما هو تقني وما هو اقتصادي وما هو سياسي وما فكري
الأساس الاقتصادي :
تفكيك الاقتصاديات التقليدية، الخوصصة لتشجيع القطاع الخاص الوطني والأجنبي، تحرير الأسعار، تبني إصلاحات اقتصادية ليبرالية مملاة من طرف المؤسسات المالية الدولية، حرية الاستثمارات، تشجيع منظمة التجارة العالمية وسهرها على إزالة الحواجز بين التجارة الدولية.
أسس تقنية:
الثورة التقنية التي شهدتها وسائل المواصلات والإتصال وتطور المعلوميات والتي أصبح معها العالم بمثابة قرية صغيرة.
أسس سياسية:
الهيمنة على العالم سياسيا وعسكريا من طرف القوى العظمى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحكمها في صنع القرار الدولي وتوجيه السياسة الدولية في خدمة مصالحها.
أسس فكرية:
ظهور عدة أطروحات فكرية تحاول تسويغ العولمة وتسويقها، من طرف بعض المفكرين كفوكو ياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير، وهنتيكتون في نظرية صراع الحضارات.
3. الفرص التنموية في ظل العولمة ومخاطرها
الفرص التنموية:
لا يمكن الإنكار والقول بأنه ليس هنالك إسهام فعلي للعولمة في خلق فرص تنموية والذي يتجسد من خلال تدفق المعلومة وسهولة الحصول عليها، وفتح الأسواق وإلغاء الحدود بين الدول، وحرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وتنامي المبادلات التجارية الدولية، وتدفق رؤوس الأموال والإستثمارات الأجنبية، وتأهيل اقتصاديات دول الجنوب، وتنامي فرص الشغل، ونقل التكنولوجيا إلى مختلف بقاع العالم، إضافة إلى خلق فضاء للتواصل والحوار بين الثقافات، وتنامي الإعتراف بحقوق الإنسان والديمقراطية.
المخاطر:
تعتبر العولمة أكبر خطر يهدد المجتمعات الدولية، باعتبار أن لها انعكاسات سلبية متعددة، تتجلى في تعميق التفاوتات المجالية بين دول الشمال ودول الجنوب وتكريس التبعية الإقتصادية، والمساهمة في تضخيم ثروات الأغنياء وتفقير الفقراء، وإخضاع دول الجنوب لسيطرة الشركات المتعددة الجنسية وتحكمها في قراراتها، والمساهمة في إضعاف تنافسية اقتصادياتها، وتدمير الخصوصيات المحلية لصالح ثقافة معولمة أحادية، مع ما يواكب كل ذلك من تدمير للبيئة والإسهام في تنامي الفقر والجريمة والفساد والبيروقراطية وعدم الاستقرار السياسي، مع تراجع الدولة عن وظائفها في القطاعات الإجتماعية كالصحة والتعليم والشغل.
خاتمة:
بقدر ما تفتحه العولمة من آفاق للتنمية، في مجالات متعددة، بقدر ما تشكل تحديات خطيرة أمام دول الجنوب، فكيف يمكن لهذه الدول أن تنتقل من دور المتفرج السلبي المنفعل مع ما يجري على الصعيد العالمي، إلى دور الفاعل المؤثر؟ وبأي مؤهلات واستعدادات؟