تعرية الأنهارتدأب الأنهار دائماً على توسيع مجاريها وتعميقها, وهي تعمل بهذا على إحداث تغيرات وتبديلات عديدة في تضاريس قشرة الأرض, تسفرفي النهاية عن تخفيض مستوى الأرض المرتفعة وإزالة كل ما بها من تضرس حتى يتحول سطح الأرض إلى سهل منخفض ذي سطح مستو. فكأن شق الأنهار لمجاريها, وتوسيع جوانب أوديتها يرمي إلى غاية معينة وهدف واحد, ألا وهو بلوغ مقاطع إتزانها وتعادلها . ويطلق على مجموعة التغيرات التي تصيب النهر وحوضه من بداية جريانه على سطح الأرض إلى أن يتم تخفيض الأرض المرتفعة التي تنحدر عليها حتى يصل إلى مستوى السطح, يطلق عليها دورة التعرية النهرية. وتمر هذه الدورة بثلاث مراحل, يتميز سطح الأرض في كل مرحلة منها بخصائص ومميزات واضحة, وهذه المراحل الثلاث هي مرحلة الشباب, ومرحلة النضج ومرحلة الشيخوخة أو الكهولة.
وكثيرً ما يشذ تسلس الحوادث التي تؤدي إلى الوصول بسطح الأرض إلى مستوى القاعدة عن المرور بهذه المراحل الثلاث, وكثيراً ما يتحول تتابع هذه المراحل إلى صورة أخرى مختلفة تماماً, عن الصورة العادية التي يمر بها تتابعها وتطورها, ويرجع هذا إلى عوامل عديدة منها: تعقد التركيب والبناء الجيولوجي, وحدوث بعض تقلقلات باطنية بطيئة أو حدوث بعض التغيرات في الظروف المناخية. وتعمل هذه العوامل على عدم إتمام الدورة وإكتمالها, وعلى حدوث تغيرات واضحة تحيد عما ينجم في الأحوال العادية منمظاهر إذا ما مرت الدوة بمراحلها الكلاسيكية الثلاث.
وقد كان "وليام موريس ديفز" أول من قسم مراحل التطور النهري إلى المراحل الثلاث المعروفة: مرحلة, ومرحلةالنضج, ومرحلة الشيخوخة, ولكنه إفترضبعض الإفتراضات لكي تمر الأنهار بهذه المراحل الثلاث من التطور:
1- أن الأرض التي يجري بها النهر كانت تغمرها مياه البحر في وقت من الأوقات ثم تعرضت لحركات رافعة حديثة وتحولت إلى أرض يابسة.
2- أن البناء الجيولوجي لهذه الأرض يتميز ببساطته وعدم تعقده, كان تتألف من طبقات رسوبية تتعاقب فيها الطبقات الصلبة مع اللينة, وتميل هذه الطبقات ميلاً عاماً صوب البحر, وتختفي منها الإلتواءات أو الإنكسارات.
3- أن هذه الأرض الجديدة التي علت عن مستوى سطح البحر, ظل منسوبها في حالة من الإستقرار والثبات (بالنسبة لمستوى البحر) لفترة طويلة تكون كافية لإتمام الدورة وإكتمالها.
وعلى أساس هذه الإفتراضات, إستطاع "ديفز" أن يوجز التغيرات التي تطرأ على هذه الأرض الجديدة في كل مرحلة من مراحل الدورة النهرية علىالنحو التاليك
مرحلة الشباب:
1- يتكون عدد قليل من الأنهار الرئيسية, وعدد قليل من الروافد (الأنهار التالية) الكبيرة,كما توجد في نفس الوقت مسيلات قصيرة عديدة, تزداد طولأً بواسطة عمليات النحت الصاعد حتى يتكون نظام تصريف نهري شجري .
2-تظهر القطاعات العرضية لمعظم الأودية على شكل حرف , ويتوقف مدى عمقها أو ضحالتها على درجة إرتفاع الإقليم - الذي شقت خلال تكويناته - فوق سطح البحر.
3- لا تتكون سهل فيالسهول الفيضية في ههذ المرحلة بل تظهر الجوانب المرتفعة للأودية عند هوامش الأنهار التي تجري فيها بحيث تحصر جريان مائها وتقيده.
4- تتميز مناطق ما بين الأنهار بإتساعها, وقد تظهر فيها البحيرات والمشتنقعات إذا لم تكن أعلى من مستوى القاعدة.
5- تتكون المشاقط الماشية والشلالات والمسارع في المناطق التي تعترض مجاري الأنهار فيها تكوينات صخرية شديدة الصلابة, وتمثل المساقط المائية خاصية من أوضح خصائص الأودية النهرية التي في طور الشباب.
6- تتميز مناطق تقسيم المياه بإتساعها وبعدم وضوح معالمها.
7- تتميز الأنهار بصفة عامة بقلة أعدادها وقلة كثافتها ولذا يبدو قوام التصريف النهري في حالة "خشونة" .
مرحلة النضج:
1- تزداد الأودية النهرية طولأً, وعدداً, ويتكون لهذا السبب فوق سطح الإقليم نظام تصريف مائي متكامل.
2- تعدل الأودية إتجاهاتها بحيث تتفق مع الخصائص الصخرية - السائدة فتتكون بعض الأودية الطولية التالية التي يكاد يتفق إمتدادها مع إمتداد الطبقات الصخرية السهلة النحت.
3- تكثر مناطق تقسيم المياه بعد أن تزيد المجاري المائية من أطوالها وأعماقها, وتصبح هذه المناطق واضحة المعالم بحيث تبدو على شكل حواف بارزة, كما تضيق مناطق ما بين الأنهار.
4- يصل النهر الرئيسي في هذه المرحلة إلى مقطع إتزانه أو تعادله, بينما تظل بقية الورافد في حالة غير متعادلة .
4- تتم عملية إزالة البحيرات أو المساقط المائية أو غيرها من العقبات التي كانت تعترض مجرى النهر في مرحلة الشباب.
6- تتكون السهول الفيضية, وتبتعد جوانب الوادي عن مجرى مياه النهر, الذي يكثر إنحناؤه وإنثناؤه فوق السهل الفيضي الواسه, وتنطلق مياه النهر حرة دون أن تقيدها وتحددها الجوانب المرتفعة للوادي. ويكون إتساع السهل الفيضي في هذه المرحلة بحيث يشغل نطاق المنحينات النهرية .
7- تصل تضاريس الإقليم إلى أقصى حد لها من الوضوح والبروز,كما تزداد كثافة الأنهار, ولذا يبدو "قام" التصريف النهري في حالة متوسطة .
مرحلة الشيخوخة:
1- يقل عدد روافد الأنهار الرئيسية إذا ما قورن بعددها في مرحلة النضج, ولكنه يفوق عد الروافد النهرية في مرحلة الشيخوخة.
3- تبلغودية النهرية أقصى إتساع لها, وتتميز بقلة إنحدار قطاعاتها الطولية, كما يقل إنحدار جوانب الأنهار في قطاعاتها العرضية.
4- يقل إرتفاع أراضي ما بين الأنهار كما تصبح مناطق تقسيم المياه غير واضحة المعالم, كما كانت توجد في مرحلة النضج.
5- تتكون البحيرات والمستنقعات والبطائح المائية في السهول الفيضية ذاتها, وتختفي تماماً من مناطق ما بين الأنهار, وبذا تختلف هذه المناطق عما كانت عليه في مرحلة الشباب.
6- تتفوق عمليات الإنهيار الأرضي على شتى عمليات النحت النهري التي تقوم بها مياه الأنهار.
7- تزول معظم معالم التضاريس في الإقليم, وتنخفض كثير من جهاته حى تبلغ مستوى القاعدة أو الحد الأدنى للنحت النهري.
8- يصل "قوام" التصريف النهري إلى أقصى حد له من "الدقة والنعومة" .
ونرى من العرض السابق لمراحل دورة التعرية النهرية, أنه يشترط لكي تحدث هذه الدورة على النحو السالف من التعاقب والتتابع, توافر إفتراضات لا يمكن تحقيقها في معظم الحالات (كتجانس الأنواع الصخرية وعدم تعقد البناء الجيولوجي, وثبات الكتلة الأرضية وإستقرارها لفترة طويلة). ولهذا كثيراً ما يعترض البعض على تسمية "ديفز" لدورة التعرية النهرية هذه, بالدورة العادية , إذ إنها على حد قولهم لا يمكن أن تكون هي الدورة العادية بأي حال من الأحوال ما دام يشترط لحدوثها توافر شروط وإفتراضات بندر توافرها وتحقيقها. فهي إذن تمثل الدورة الشاذة وليست عادية.
وعلى الرغم من هذا الإفتراض,يمكن القول بأن دورة التعرية النهرية, كما وضحها "ديفز" تظهر أثناءها بعض التغيرات التي تحدث للأودية النهرية ولمناطق ما بين الأنهار بصفة خاصة, وقد تحدث مثل هذه التغيرات مع تعديلات طفيفة تحت ظروف أخرى غير تلك التي إفترضها "ديفز".ويجب أن نضع في أذهاننا دائماً أن مراحل متشابكة متداخلة بحيث لاي مكن فصل إحداها عن الأخرى, كما أن كل مرحلة تتدرج إلى تاليتها, ولا تحدث التغيرات التي يتعرض لها سطح الأرض من مرحلة إلى أخرى في صورة فجائية بأي حال من الأحوال. ومن الأمور الأخرى التي يجب أن نقيم لها كل وزن وإعتبار هي أن المقصود من مراحل دورة التعرية هو توضيح الصورة العامة التي يظهر عليها سطح الأرض في إقليم من الإقاليم, وذلك في كل مرحلة من مراحل الدورة, ولا يقصد بها إطلاقاً إظهار الصورة التي تظهر عليها الأودية النهرية في كل مرحلة, فقد توجد بعض مناطق من سطح الإقليم في طورالنضوج ومع هاذ تشق سطح الأرض فيها أودية في طور الشباب أو الكهولة, وهذا يدل دلالة واضحة على أن الذي يعنينا من دراسة دوةر التعرية, هو مرعفة المراحل التطورية التي يمر بها الإقليم ككل لا يمكن تجزيئه, وليست معرفة تطور الأودية النهرية التي تمثل في اواقع أحد عناصر التكوين الجيومورفولوجي لأي إقليم.
تعقد دورة التعرية النهرية: من الأمور الثابتة الآن, أن معظم المظاهر التضاريسية التي يتألف منها سطح الأرض قد تعاقبت عليها دورات تعرية عديدة ولم تمر دورة واحدة فقط كالتي ناقشنا مراحلها في الصفحات السابقة, فكثراً ما تستعيد المناطق التي بلغت طور الشيخوخة نشاطها وحيويتها مرة أخرى, وهذا هو ما يعرف بتجديد الشباب . وتحدث هذه الظاهرة في معظم الأحوال إذا ما تعرض مستوى القاعدة للإنخفاض لسبب من الأسباب, فيؤدي هذا إلى إستعادة المجاري المائية - التي بلغت مرحلة الشيخوخة - لطاقتها على النحت مرة ثانية.
وقد لخص الأستاذ الأمريكي "ثورنبري" الأسباب التي تؤدي إلى إستعادة التضاريس الأرضية لشبابها وحيويتها بعد أن تكون قد بلغت طور الشيخوخة بما يلي:
(أ) قد تحدث عمليات إستعادة الشباب إذا ما تعرضت الكتل اليابسة لحركات رافعة قد تصحبها أحيانأً بعض الإعوجاجات والإنكسارات, وقد تحدث مثل هذه الحركات في نطاق محلي كما قد تكون حركات شاملة تصيب أرجاء شاسعة من العالم, وتؤدي مثل هذه الحركات إلى الإخلال بحالة التعادل أو التوازن التي قد تكون بعض المجاي المائية قد بلغتها,وينجم عن هذا إشتداد إنحدارها, وإزدياد سرعة مياهها وما يتبع هذا من تزايد مقدرتها على النحت, وتعرف عملية إستعادة الشباب حينئذ بال .
(ب) قد تحدث إستعادة الشباب إذا ما إنخفض منسوب البحر إنخفاضاً عاماً في جميع أنحاء العالم, إما لحدث حركات هبوط في قيعان المحيطات تؤدي إلى زيادة عمق الأحواض المحيطية وإنخفاض منسوب مياهها, أو عندما تتراكم غطاءات جليدية على اليابس بحيث تحول دون وصول مياه الأنهار والأمطار إلى المحيطات واتلبحار فينخفض منسوبها وإذا ما إنخفض منسوب مياه البحار على هذا النحو, فلابد أن تستعيد الأنهار - التي تنتهي إلى البحار - شبابها, وخصوصاً بالقرب من مصباتها أو في الأجزاء الدنيا من مجاريها وتتحول قطاعاتها الطولية من حالة التوازن والتعادل إلى حالة التقطع, ولعل أحدث إنخفاضات تعرض لها مستوى سطح البحر, تلك التي كانت تحدث فيما بين الفترات الجليدية والفترات ما بين الجليدية وذلك أثناء عصر البلايستوسين. ويقدر منسوب البحر في تلك الفترات بأنه كان أقل من منسوبه الحالي بحوالي 300 قدم, وتعرف عملية تجديد الشباب في هذه الحالة بال .
(ج) قد تحدث عمليات لشباب الأنهار, ونشاطها ولكنها لا ترتبط بتعرض سطح الأرض لحركات رافعة وإنخفاض منسوب مياه البحار, وتعرف مثل هذه العمليات, بعمليات التجديد الثابت للشباب وتنجم هذه العمليات إما عن تناقص حمولة مياه الأنهار من الرواسب أو زيادة كمية المياه التي يتحملها الأنهار نتيجة تزايد كميات الأمطار التي تسقط على أقليم من الأقاليم أو بفعل عمليات الأسر النهري.
الآثار الجيومورفية الناجمة عن تجديد الشباب: تترك عمليات تجديد الشباب آثارها واضحة تمام الوضوح في كثير من جهات سطح الأرض, وتتمثل هذه الآثار فيما يلي:
أولاً: في ظاهرة عدم التناسق الطبوغرافي كأن تكون المرتفعات والمجرى الأعلى لنهر من الأنهار في مرحلة النضوج مثلاً, بينما تكون بقية أجزاء مجرى النهر وما يحيط بها من أراض, في طور الشباب, ويسمى وادي النهر في هذه الحال بالوادي الثنائي الدورة .
ثانياً: إذا إشتد إنحدار النهر في بعض أجزاء من مجراه, وإذا إستحال تفسير هذا, على أساس عوامل ليثولوجية (صخرية) - كوجود حواجز من الصخر الصلب تعترض مجراه - فا مفر وقتئذ من إرجاع شدة إنحدار النهرفي هذه الأجزاء إلى تعرض مستوى قاعدته للهبوط, وحدوث نوع من الإنكسار والتقطع في قطاعه الطولي عند نقط الإتصال بين الإنحدار الجديد والإنحدار القديم, ويعرف هذا التقطع برأس التجديد .
ثالثاً: من الظاهرات الجيومورفية الهامة التي تنجم عن تجديد الشباب ظاهرة الثنيات المتعمقة , التي هي عبارة عن الثنيات التي تتعمق مع تعمق مجرى النهر, وهي بذلك تختلف تمامً عن الثنيات "العادية" التي توجد في السهول الفيضية للأنهار وتزحف زحفأً مستمراً صوب المصب. وقد نشأت هذه الثنيات المتعمقة أول ما نشأت فوق أرض منخفضة, عندما كان النهر يشق طريقه خلالها, ويرسم فوقها منحينات وإنثناءات. ثم تعرضت هذه الأرض المنخفضة لحركات رافعة, فنجم عن ذلك إستعادة النهر لقوته على نحت مرجاه وتعميقه وأخذت المنحنيات والثنيات تغور هي الأخرى في سطح الأرض بسبب تعميق النهر لمجراه.
رابعاً: من الظاهرات الجيومورفية الهامة التي تصحب عملية تجديد نشاط الأنهار, ظاهرة المدرجات النهرية , وتمثل هذه المدرجات البقية الباقية من السهول الفيضية القديمة, وتتألف في معظم الأحوال من رواسب من الحصى والطين والرمال. وتتكون هذه المدرجات كما ذكر "جلبرت" نتيجة عمليات النحت النهري وحدها, فإذا تعرض مستوى البحر بالنسبة لليابس لتذبذب فلابد أن يعقب هذا حدوث تغير مشابه في مستويات القاعدة للأنهار, فإذا إنخفضت هذه المستويات على مراحل متعاقبة, أدى هذا إلى تكون سلسلة من المصاطب النهرية على طول ضفاف الأنهار وذلك لإزدياد مقدرتها على النحت. أما إذا حدث العكس, وإنخفض اليابس وإرتفع مستوى القاعدة فلابد أن تعقب هذا ظاهرة إرساب تسود في المنطقة الدنيا للنهر.
وقد إستطاع الجيومورفولوجي النيوزلندي "كوتن " أن يقسم المدرجات النهرية إلى قسمين:
1- مدرجات دورية (أي ترتبط بدورة التعرية العادية) وتمثل أراضي الأودية القديمة, وقد تكونت في الفترات التي توقفت فيها عميلات النحت الرأسي وحلت محلها عمليات نحت جانبي لهذه الأودية (مما يؤدي إلى توسيع سهولها الفيضية) ويمثل إرتفاع أحد المدرجات النهرية عن السهل الفيضي الحالي, القدر الذي إستطاع النهر تعميقه بعد حدوث عملية تجديد شبابه, ومن أهم ما يميز المدرجات الدورية, ظهور أزواج منها على جوانب الأنهار, ويقع كل زوج منها في مستوى واحد, وذلك في جزء من أجزاء وادي النهر.
(ب) مدرجات غير دورية وهي لا تظهر على شكل أزواج على ضفاف الأنهار, وفي وجود هذا النوع من المدرجات, دليل كاف على أن عمليات النحت الرأسي كانت تسير قدماً في الوقت الذي كانت توسع فيه الأنهار أوديتها بواسطة عملية النحت الجانبي, ويؤدي هذا إلى تنقل نطاق ثنيات النهر من أحد جانبي الوادي إلى الجانب الآخر وفي الوقت الذي تصل فيه أرض الوادي إلى أقصى إنخفاض لها (بواسطة عملية النحتا الرأسي) تتكون مدرجات نهرية على كلا جانبي الوادي ولكنها لا تقع في مستوى واحد.
وتمتاز المدرجات التي تتكون في مناطق الثنيات النهرية بتعقدها وعدم إنتظامها لأن مجرى النهر في مناطق الثنيات كثير التغير, ولأن الثنيات ذاتها تزحف زحفاً مستمراً نحو المصب, وقد يؤدي تغير المجرى أو زحف الثنيات إلى إزالة المدرجات النهرية في أحد جوانب النهر وإبقائها في جانب آخر, كما قد يؤدي إلى زوال جزء من أجزاء أحد المدرجات فيندمج بذلك مدرج سفلي بالمدرج الذي يعلوه.
ونلاحظ في معظم الحالات أن المدرجات النهرية التي تمتد على ضفاف الأنهار, نادراً ما تتميز بإستمرارها أو تسطحها, بل هي كثيرة التقطع وتتميز سطوحها بعدم إستوائها. ويرجع هذا إلى تعرض هذه المدرجات لمياه الأنهار, ولترسب كميات من الطمي فوق سطوحها, وذلك بفعل مياه الأنهار القصيرة التي تصب في وادي النهر اذلي توجد فيه هذه المدرجات, وتؤدي هاتان العمليتان إلى إزالة معالم المدرجات النهرية, ويصبح تتبعها أمراً صعباً للغاية.
أشباه السهول: كان الجيومورفولجي الأمريكي "ديفز" أول من أطلق الإصطلاح المعروف بشبه السهل على اصورة النهائية للتضاريس الأرضية, التي تمثل آخر المراحل التي تصل إليها هذه التضاريس إذا ما تتابعت عليها مراحل دورة التعرية بكل خصائصها. فشبه السهل إذن, يعد بمثابة النتاج النهائي لعمليات التعرية السطحية . وقد لاقت فكرة أشباه السهول رواجاً كبيراً بينم الجيومورفولوجيين على الرغم من أن بعضهم عارضها أشد معارضة. فقد أخذ بها الجيومورفولوجي الفرنسي "دي لاباران " والألماني "بنك " وعدد كبير آخر من الجيومروفولوجيين, ولم يشك فيها سوى العلماء الذين كانوا من أنصار مدرسة التعرية البحرية . والذين كانوا على يقين من أن أشباه السهول لم تنجم عن عمليات التعرية السطحية, ولكنها تكونت هي وكثير غيرها من المظاهر الجيومروفية بفعل التعرية البحرية.
وإذا فرضنا جدلاًَ أن دورة التعرية العادية كما جاء بها "ديفز" سليمة وصحيحة فلابد بطبيعة الحال من أن يكون شبه السهل بمثابة النتيجة الحتمية النهائية لها, وإذا إفترضنا كذلك أن قشرة ألرض ظلت على حالة من الثبات والإستقرار لمدة طويلة كافية فلابد أن ينتهي الأمربالأرض اليابسة إلى أن تنخفض إلى مستوى القاعدة. ونقطة الخلاف الرئيسية بين المدرسة "الديفزية" التي تؤمن بفكرة أشباه السهول وبين مدرسة "بنك" هي في التساؤل عما إذا كانت فترات الهدوء والثبات التي تتعرض لها قشرة الرض تستمر لمدة كافية من الزمن بحيث تؤدي إلى إكتمالالدورة الجيومروفية وتحويل الأرض اليابسة إلى شبه سهل!! أو أن هذه الفترات تتميز بقصرها مما يحول دون تكون أشباه السهول, هذا بصرف النظر عن أنها (أشباه السهول) تمثل خاتمة الدورة الجيوممورفية.
ويبني المهاجمون لفكرة شبه السهل إعتراضهم عليها على أساس أن فترات الهدوء التي تمكن العوامل الجيومورفية من إتمام دروتها فترات قصيرة إذ يقدر البعض مثلأً أن قارة أمريكا من الممكن أن تتحول (على ضوء معدل نحتها وخفض منسوبها في القوت الحالي) إلى شبه سهل بعد حوالي 15 مليون سنة, ومن غير المعقول ألا تحدث أثناء هذه الفترة الطويلة إضطرابات أرضية تفسد من فترة الهدوء الحالية, وتعمل على عدم إكتمال الدورة, وتحول القارة إلى سهل هائل.
ويرد أنصار المدرسة "الديفزية" على هذا القول بأنه ليس من الضروري أن تتميز الفترة الزمنية الطويلة اللازمة لإكتمال الدورة بحالة تامة من الهدوء, إذ إن عملية إلتحات التي تؤدي إلى تحول منطقة ما إلى شبه سهل في مستوى القاعدة, من الممكن أن تواصل عملها لبلوغ غايتها الأولى أثناء فترات من الإرتفاع البسيط الذي قد تتعرض له المنطقة, بشرط أن يكون معدل إرتفاعها (بفعل حركات إبيروجينية) أقل من معدل خفضها بواسطة عمليات النحت المختلفة.
الدورة الجيومورفية في نظر "بنك": لم يشك "ولتربنك " إطلاقاً في صحة الدورة الجيومورفية للتعرية كما جاء بها "ديفز" وكل ما في الأمر أنه إعتبرها بمثابة حالة خاصة نادراً ما يتم حدوثها, ما دام هذا يتوقف على ثبات قشرة الأرض وإستقرارها لفترة طويلة, وهو أمر لا يحدث إلا نادراً ومعنى هذا أن "بنك" قد أدرك تمام الإدراك أهمية العامل الزمني في تطور الأشكال الأرضية بحركات الإرتفاع, وذلك عندما كانت تتعرض هذه الأشكال للنحت والتدمير خلا مراحل تطورها.
وعلى هذا يمكن القول بأن الأساس الأول لتفهم آراء "بنك" فيما يتصل بدورة التعرية , وهو الإيمان بأن قشرة الأرض دائماص أبداً في حالة من عدم افستقرار (وهذا ما يعرف بال ) فقد إستبدل "بنك" المراحل الثلاث الاتية بمراحل الشباب, والنضج والشيخوخة اليت جاء بها "ديفز":
(أ) مرحلة رفع متزايد .
(ب) مرحلة رفع منتظم .
(ج) مرحلة رفع ضعيف واهن .
وتدل هذه المراحل على أن حركات الإرتفاع التي كان يتعرض لها سطح الأرض أثناء "تخفيضه" بفعل عوامل النحت المختلفة كانت تختلف سرعة وقوة, إذ تبدأ هذه الحركات ببطء واضح ثم تزداد سرعة إلى أن ينتظم حدوثها في المرحلة الثانية, ثم تضعف وتتلاشى في المرحلة الأخيرة. وتتميز المقاطع العرضية للأودية النهرية بمميزات خاصة في كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث, إذ تظهر جوانب الأودية في المرحلة الأولى, محدبة الشكل مما يدل على أن عمليات تعميق هذه الأودية وتوسيعها لا تسير بنفس الخطى التي يطرد بها تعرض مناطق هذه الأودية للأإرتفاع. أما في الرمحلة الثانية, فتبدو هذه الجوانب مستقيمة , ثم تصبح بعد ذلك مقعرة الشكل في المرحلة الأخيرة.
وقد عارض الجيومورفولوجي الأمريكي "جونسون " (1940) آراء بنك أشد معارضة, وقد بين مدى الخطأ الذي تردى فيه بربطه بين شكل المقاطع العرضية للأودية (المحدب والمستقيم والمقعر) وبين درجة الإرتفاع الذي تتعرض له مناطق هذه الأودية, وهو يرى أن هنالك عدة عوامل تساهم كلها متضافرة في تحديد أشكال المقاطع العرضية للأاودية النهرية, ومن أهم هذه العوامل نوع الصخور, ونوع البناء الجيولوجي, وعامل المناخ, وحجم المواد الصخرية التي تخلفت عن عمليات التجوية, والمرحلة التطورية التي يوجد بها كل واد. ولهذا من الخطأ أن تعزى أشكال المقاطع العرضية للأأودية إلى نوع الحركات الرافعة الت يتعرض لها الإقليم.
ويمكننا أن نلخص أوجه الإختلاف الرئيسية بين "ديفز" و "بنك" بأنه بينما يعتقد أولهما بأن الدورة الجيومورفية تبدأ في أغلب الأحيان بحركات رافعة سريعة تتعرض لها الكتلة اليابسة, وتنتهي بحالة ثبات تام تؤدي إلى إتمام الدورة وتصبح هذه الكتلة عبارة عن شبه سهل ينعدم تضرسه, يرى "بنك" أن تتابع مراحل الدورة,الجيومورفية لا يتم على النحو الذي بينه "ديفز" إذ تبدأ هذه الدورة في المعتاد بتعرض الكتلة اليابسة لحركات رافعة متناهية في البطء إذا ما قورنت بالسرعة التي تعمل بها عوامل التعرية, ويؤدي هذا إلى عدم إرتفاع هذه الكتلة اليابسة, والحيلولة دون تضرسها, فتتحول إلى سهل منخفض لا توجد به اية ملامح تضاريسية, وهو الذي سماه "بنك" بال . ويمثل "البريمارومف" المرحلة الأولى التي تمثل بداية الدورة الجيومورفية, وهي مرحلة "عالمية" تمر بها الأشكال الأرضية في كل جهات سطح الأرض, وبإطراد حدوث الرحكات الرافعة في مرحلة الرفع المطرد (المرحلة الأولى من الدورة في نظر "بنك") يتعرض "البريماروف" للإرتفاع كثيراً فوق مستوى سطح البحر, ولكنه يظل إلى حد كبير محتفظاً بمعظم خصائصه حتى ولو ترعض كثيراً لعوامل النحت المختلفة. ويهمنا أن نبين الآن أن "البريمارومف" قد يتأثر بحركات إرتفاع مطرد فيرتفع عن سطح الأرض, أو قد يتعرض لحركات إرتفاع منتظم , أو قد يتعرض لحركة إرتفاع ضعيفة واهنة .وهذا يعني أن المراحل الثلاث التي وضحها "بنك" لا يشترط أن تتابع على كتلة يابسة تحولت إلى "بريمارومف" بل قد يتأثر "البريمارومف" إحداها دون المرحلتين الأخيرتين. وهو كثيراً ما يتعرض لحركة إرتفاع ضعيفة فيتحول إلى أرض منخفضة هي "الأندرومف ". فكأن "البريمارومف" ثيمل في واقع الأمر المرحلة الأولى من مراحل فترة نشاط باطني, تتميز بحركات رافعة تطرد في سرعتها , بينما يمثل "الإندرومف", المرحلة النهائية من مراحل فترة نحت يضعف فيها تأثير الحركات الرافعة . ويبدو من هذا, أن وجه الإختلاف الرئيسي بين "الإندرومف" كما بينه "بنك" وبين فكرة شبه السهل التي جاء بها "ديفز", هو أن "بنك" يعتقد أن "الإندورمف" لم يمر بمراحل متتابعة متعاقبة أثناء تطوره, هذا في حين أن "ديفز" يرى أن شبه السهل إنما تكون في واقع الأمر نتيجة تتابع مراحل الشباب والنضج والشيخوخة على رقعة معينة من سطح الأرض.
ويبدو من هذا العرض السريع لآراء "فالتربنكط في دورة التعرية, أنه من الصعوبة بمكان ألا نوجه أي نقد إلى نظرية "البريمارومف" التي أوردها,وخصوصاً أنها تمثل هي الأخرى حالة شاذة نادراً ما تحدث. وعلى الرغم من أن "ديفز" إفترض لحدوث الدورة الجيومروفية بعض الإفتراضات التي يندر أن تتحقق إلا أنه إستطاع, على الأقل,أن يوضح أن هنالك بعض التعقيدات التي قد تطرأ على الدورة العادية للتعرية, مما يجعلها تختلف عن الدورة البسيطة التي شرحها, وسواء قبلنا آراء "بنك",أم رفضناها إلا أنها تلقي ضوءاً كبيراً على دورة التعرية تجعل بعض الجيومروفولوجيين الذين كانوا يغالون في تأييد آراء "ديفزط يخففون قليلاً من غلوائهم, وتحفزهم كذلك على إعادة النظر في إفتراضاتهم ونتائجهم.