- كيف يتم الزلزال
- خطر الزلزال
- ظاهرة تسونامي
- احتمالات الزلازل في المنطقة العربية
- احتمالات تسونامي في المنطقة العربية
- كيف نخفف من أخطار الزلازل
إن أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدتها الكرة الأرضية كان سببها في الغالب
هزات أرضية، ما جعل العلوم الهندسية تركز اهتمامها على دراسة وتحليل تلك
الزلازل وصولا إلى إيجاد معايير وكودات بناء لتصميم وتنفيذ منشآت مقاومة
لأفعال الزلازل.
كيف يتم الزلزال
تُعرف الهزات على أنها ظاهرة كونية فيزيائية بالغة التعقيد، تظهر كحركات
عشوائية للقشرة الأرضية على شكل ارتعاش وتحرك وتموج عنيف، وذلك نتيجة
لإطلاق كميات هائلة من الطاقة من باطن الأرض، وهذه الطاقة تتولد نتيجة
لإزاحة عمودية أو أفقية بين صخور الأرض عبر الصدوع التي تحدث لتعرضها
المستمر للتقلصات والضغوط الكبيرة.
تتراوح الزلازل في شدتها من هزات خفيفة بسيطة الضرر إلى هزات عنيفة تؤدي
إلى تشقق سطح الأرض وتكوين الحيود والانزلاقات الأرضية وتحطيم المباني
والطرق وخطوط الكهرباء والمياه... إلخ.
ويتعاظم تأثير الهزات في الأراضي الضعيفة خصوصا في الرواسب الرملية
والطينية حديثة التكوين، ويعلل ذلك بأن هذه الرواسب تهتز بعنف بسبب انخفاض
معامل مرونتها وصلابتها وعدم مقدرتها على تخفيف التأثير التسارعي الذي
تتعرض له الحبيبات بفعل الزلازل.
وبشكل عام تقسم أسباب الزلازل إلى أسباب طبيعية لا دخل للإنسان بها وأخرى
غير طبيعية تنتج بسبب نشاطات الإنسان التي تخل باتزان القشرة الأرضية،
وتعتبر الزلازل ذات الأسباب الطبيعية الأكثر شدة ودمارا.
وتشكل الزلازل التكتونية 90% من هذه الزلازل، وعموما تنشأ الزلازل
التكتونية نتيجة للحركة النسبية للصفائح (القطع) التي تتشكل منها القشرة
الأرضية، إذ تتحرك القارات مبتعدة أو مقتربة بعضها من بعض مشكلة إجهادات
ضغط وشد بعضها على بعض.
ويبدأ تراكم الإجهادات الداخلية في طبقات الصخور الواقعة على حدود الصفائح
المتحركة، وعندما تصبح قيم الإجهادات المتراكمة أكبر من قيمة الإجهادات
القصوى التي يمكن أن تتحملها الصخور تحصل كسور وتحركات فجائية لطبقات
الصخور، ما يؤدي إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة المتراكمة، حيث تنتقل هذه
الطاقة على شكل موجات زلزالية في جميع الاتجاهات.
خطر الزلزال
وتعتمد شدة تأثير الزلازل على عدد من العوامل، أهمها مقدار درجة الزلازل
والعمق البؤري والبعد عن المركز السطحي وجيولوجية المنطقة وطبيعية تربة
الموقع ونوعية المباني والمنشآت... إلخ.
وللموقع أهمية كبيرة في تخفيف مخاطر الزلازل وتصميم مباني مقاومة للهزات
الأرضية، لذلك اهتمت هندسة الزلازل بسياسة استخدام الأراضي وخرائط الشدة
الزلزالية لكل منطقة، ذلك لأن حجم الضرر الذي يلحق بالأبنية نتيجة تعرضها
لضربات الزلازل يعتمد في معظمه على سعة اهتزاز القشرة الأرضية وتسارعها
وعلى الصدوع والتشققات الأرضية وحركتها وكذلك على احتمال تميؤ تربة
الأساسات في حالة التربة الرملية أو الانزلاقات الأرضية في حالة الأراضي
شديدة الانحدار.
وعليه يوصى دوما ألا تقام المنشآت على صدوع جيولوجية، بغض النظر عن مدى
نشاطها الزلزالي، إذ يؤدي أدنى تحرك في قشرة الأرض على جانبي الصدوع إلى
أضرار ملموسة في المنشآت، وتنفصل أجزاء المنشآت التي تقام على صدوع
جيولوجية في بعض الحالات الخاصة بفواصل تسمح لكل جزء من أجزائها المفصولة
بالحركة كيفما شاء.
يمكن أن تقع المراكز أو البؤر السطحية للزلازل في الأجزاء اليابسة من الكرة الأرضية أو في البحار والمحيطات.
ظاهرة تسونامي
وفي حالة الزلازل التي تقع مراكزها السطحية في قاع البحار أو المحيطات فقد
تؤدي إلى حدوث أمواج مائية ضخمة جدا تسمى "التسونامي" وهي كلمة يابانية
معناها أمواج الموانئ أو الخلجان، إذ تؤدي الاهتزازات المصاحبة لحدوث
الزلازل إلى تكون هذه الأمواج، وقد تصل سرعتها إلى 800 كم/ساعة، وذلك
نتيجة لانزلاق صفائح القشرة الأرضية عموديا بعضها على بعض، ومما يجدر ذكره
هنا أن الزلازل التي تنشأ عن انزلاقات أفقية في الصفائح لا تؤدي إلى تكون
أمواج التسونامي.
وتعتبر الأمواج التي أثارتها زلزال العام 1946 في قعر المحيط الهادئ من
أشد الأمواج وأكثرها دمارا في القرن الماضي، إذ بلغ ارتفاع الأمواج التي
اجتاحت شواطئ جزيرة هاواي، عند منطقة هيلو Hilo، حوالي 17 مترا، وأدى
اجتياحها للشواطئ إلى تدميرها وإلحاق أضرار كبيرة بألف مبنى آخر.
ولا تقل أمواج التسونامي التي نجمت عن زلزال سومطره/ إندونيسيا
26/12/2004، في شدة تأثيرها عن تلك التي حدثت عام 1946، وهذا ما أوضحته
النتائج الأولية.
فقد أدت الأمواج إلى تدمير آلاف المنازل على شواطئ سومطره والهند
وسريلانكا وجزر المالديف وغيرها، حتى إن آثار هذه الأمواج قد وصلت إلى
سواحل عمان والصومال.
وما يميز هذا الزلزال هو أن مساحة تأثيره كانت كبيرة جدا، فقد أثر انتشار
هذه الأمواج على مناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن مركز الزلزال، وهذا دون
شك يعود بالدرجة الأولى إلى قوة الزلزال التي وصلت إلى تسع درجات حسب
مقياس ريختر، (يشار إلى أن فرق درجة واحدة حسب مقياس ريختر يعني زيادة
عشرة أضعاف في السعة و32 ضعفا في الطاقة).
ويعتقد أن من أهم الأسباب التي أدت إلى حصول اختلاف في تقديرات مقدار درجة
الزلزال التي أعلن عنها من قبل المراصد الزلزالية يعود إلى نوع الموجات
الزلزالية (الموجات الزلزالية الطولية والعرضية والسطحية) التي تم
الاستناد إليها في عملية التحليل الزلزالي في المراصد.
وبسبب انتشار تأثير الأمواج المائية على مساحات شاسعة من المتوقع أن تزيد
الخسائر، وذلك لوجود آلاف من المفقودين إضافة إلى آلاف أو عشرات آلاف من
الذين كانوا في المياه أثناء حركة هذه الأمواج، ومن المتوقع أن يكون
الكثير منهم قد قتل وسيتضح ذلك خلال الأيام القليلة القادمة.
احتمالات الزلازل في المنطقة العربية
كثرت الأسئلة خلال الأيام الماضية الأخيرة، هل هناك احتمال لأن تتعرض منطقتنا إلى مثل هذا النوع من الزلازل أو هذا النوع من الأمواج.
ببساطة وبكل وضوح أظهرت معظم الدراسات الزلزالية التي أجريت في المنطقة أن
هناك احتمالات لتعرض المنطقة إلى زلازل في المستقبل، ومن المتوقع ألا يزيد
مقدار هذا الزلازل عن ست درجات ونصف حسب مقياس ريختر، وأظهرت بعض الدراسات
احتمال وصولها إلى سبع درجات، خصوصا إذا كان مركز الزلازل في منطقة طبريا
وأصبع الجليل.
وأظهرت السيناريوهات الزلزالية التي أجراها مركز علوم الأرض وهندسة
الزلازل في جامعة النجاح الوطنية أن تعرض المدن والقرى الفلسطينية لزلزال
قوته ست درجات ونصف الدرجة حسب مقياس ريختر "لا سمح الله" سيؤدي إلى حصول
خسائر كبيرة، حيث ستتعرض بعض المدن لانهيارات كلية وجزئية في المباني قد
تزيد عن ربع القائم من المباني.
وفي الواقع تكمن أسباب ارتفاع نسبة الأضرار والانهيارات في المباني إلى
عدم تحقيق العديد من أنماط المباني الدارجة محليا لمتطلبات الحد الأدنى من
مقاومة الزلازل، بالإضافة إلى عدم جاهزية في منشآت والبنى التحتية، وعدم
وجود إدارة للكوارث وإسناد الطوارئ، وكذلك عدم وجود سياسة وطنية
لاستخدامات الأراضي يمكن من خلالها تجنب البناء على الأراضي القابلة
للانزلاق في المناطق الجبلية أو التي يمكن أن تتعرض للتميؤ في التربة
الرملية.
احتمالات تسونامي في المنطقة العربية
وبخصوص احتمال تعرض فلسطين والدول المجاورة لزلازل يرافقها أمواج مائية
(تسونامي)، أظهرت الأحداث الزلزالية التي تعرضت لها المنطقة أن هذه
الظاهرة قد حصلت أكثر من مرة خلال القرون الماضية وأدت إلى حصول دمار
وأضرار في المباني والمنشآت المحاذية لبعض المناطق في الشاطئ الفلسطيني
واللبناني، ولم تقتصر هذه الظاهرة على البحار والمحيطات، فقد تعرضت القرى
المحيطة ببحيرة طبريا عام 1759 لأمواج مائية أدت إلى دمار العديد من القرى
الفلسطينية ومقتل الآلاف.
ويبقى السؤال هل يمكن أن تتعرض المنطقة إلى زلازل يرافقها أمواج تسونامي وكيف يمكن تجنب الأضرار التي تحدثها هذه الأمواج؟
للإجابة على هذا السؤال فإنه استنادا إلى موقع فلسطين والدول المجاورة فإن
احتمال حصول أمواج تسونامي نتيجة لحصول زلازل مراكزها السطحية تقع في قعر
البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر يعتبر واردا ومتوقعا.
ودون شك يستعبد أن يكون تأثير هذه الأمواج بنفس شدة زلزال سومطره، وذلك
لأن الدرجة القصوى للزلازل المتوقعة لا يمكن أن تصل إلى درجة زلزال سومطرة.
أما مدى تأثير هذه الأمواج فسيعتمد إضافة إلى قوة الزلزال الذي سيولدها على بعد مراكز هذه الزلازل عن الشاطئ.
في السابق أصدر عدد من الباحثين والمؤسسات العلمية ذات العلاقة في الوطن
العربي العديد من التوصيات والتحذيرات حول ضرورة مراعاة احتمال تعرض
المناطق المحاذية لشواطئ الدول العربية لأمواج تسونامي، خصوصا أن هناك
عددا كبيرا من المشروعات الهامة في الدول العربية يقع على هذه الشواطئ.
كيف نخفف من أخطار الزلازل
وللتخفيف من الخسائر التي تحدثها هذه الأمواج هناك حاجة للالتزام بضوابط
ومعايير هندسة الزلازل وأهمها ضبط سياسة استخدام الأراضي، ودراسة تأثير
ظاهرة الأمواج المائية على المنشآت المنوي إقامتها على الشواطئ أولا.
ثم إنشاء مراكز لمراقبة ورصد الحركات المائية البحرية ثانيا على غرار
المركز الذي أنشئ بالقرب من هونولولو على المحيط الهادئ، وهو يهدف إلى
تحذير سكان شواطئ المحيط المذكور من اقتراب الموجات المائية الضخمة.
يشار إلى أن أحد أسباب ارتفاع عدد الخسائر في الأرواح في الدول التي تعرضت
لزلزال سومطرة الأخير هو عدم وجود نظام إنذار عند بعض هذه الدول.
واستخدام أنظمة المصدات أو كاسرات الأمواج أمام الشواطئ، وخصوصا المناطق المأهولة ومناطق المنشآت الهامة ثالثا.
وتدعو الحاجة أيضا إلى سن قوانين وتشريعات واضحة في فلسطين والدول العربية
تتعلق بضرورة تصميم المنشآت لمقاومة أفعال الزلازل، وكذلك وضع الأسس
والقواعد اللازمة لتنفيذ البنود التي ذكرتها في هذا المقال.
ولكن يبقى كل شيء حبرا على ورق ما لم يتم إيجاد الآلية المناسبة لربط
التخطيط والتصميم والتنفيذ والمتابعة، ومن ثم إجراء التقييم الدوري
المناسب بهدف اخذ العبر وتصحيح أماكن الخطأ، ويتطلب هذا ضرورة العمل بمبدأ
الأخذ بالأسباب من خلال عمل مؤسسات متكامل يجمع بين التخصصات المختلفة ذات
العلاقة وفق خطط ومنهجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة وضع الرجل
المناسب في المكان المناسب.
وفي الختام يبقى أن نذكّر بأن الزلازل ظاهرة كونية بالغة التعقيد لا يمكن
منعها ولا يمكن التنبؤ بلحظة حدوثها، ولكن يمكن التخفيف من مخاطرها من
خلال اتخاذ الإجراءات المناسبة على جميع المستويات ابتداء من المواطن
العادي ومرورا بالمختصين ووصولا إلى صناع القرار.
_____________
** مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل بجامعة النجاح الوطنية في فلسطين