في قرى سوس، في السهل كما في الجبال، يبقى شهر رمضان من أعظم شهور
السنة، حيث يعود الناس إلى صفاء العلاقات ويتصالحون في ما بينهم، ولا
يكثرون إلى المشاكل النزاعات فضلا عن الخصومات الصغيرة كما يحدث في المدن،
ويعيشون طقوس الشهر وتقاليده كما درج عليها الأجداد سواء في العبادة أو
الملبس أو المأكل.
ويحتفظ سكان سوس في شهر رمضان بتقاليد خاصة بهم
بالرغم من اختلاطهم بباقي سكان مناطق المغرب والعالم، لكثرة أسفارهم
واشتغالهم بالتجارة خارج مناطقهم وتقبلهم في كثير من الأحيان لتقاليد
الآخرين واندماجهم السريع في البلدان التي يحلون بها،وهكذا في قرى المنطقة،
خاصة في تيزنيت واشتوكة وإداوتنان وتارودانت ومناطق أخرى، حيث يظل
السوسيون يحتفظون بعادات تميزهم عن سواهم.
ويبدأ الاستعداد إلى هذا
الشهر المبارك نهاية شهر شعبان ليس بتحضير الحلويات وشراء كل الحاجيات كما
هو معتاد في الحواضر بل بالانتهاء من كل الأشغال المتعبة كالبناء والحفر
الخ لتخيف متاعب عملهم وعدم الانشغال عن الشهر الكريم، كما يؤجلون جميع
أنواع الأفراح ذات الأهازيج والاحتفال من أعراس وحفلات ختان وعقيقة إلى ما
بعد شهر الصيام.
أول طقوس رمضان بهذه المناطق مراقبة هلال رمضان في
اليوم الأخير من شعبان، بحيث نجد بكل دوار أو قرية مكانا معتادا لرؤية
الهلال، فرغم البلاغ الرسمي للإذاعة والتلفزة يفضل سكان سوس الوقوف في
أماكنهم الخاصة فوق هضبة أو تل أو قمة لمشاهدة «أيور ن رمضان « بأم أعينهم،
عملا بالسنة النبوية وكما اعتادوا ذلك.
أما بخصوص ليالي رمضان بهذه
الربوع فكل ليلة بعد الإفطار يلتقي الرجال والشباب والصبيان دون النساء في
المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، وفي بعض الأحيان بالمنازل وقد أحضر
كل فرد منهم شيئا مما تطيب به نفسه من مأكولات ومشروبات، فيجتمعون في حلقات
صغيرة واضعين ما أتوا به ليشتركوا في تناوله، ويتبادلون الأحاديث الممتعة
وذكريات رمضان ويتسامرون حتى حدود معقولة بحيث لا يسهرون كما في المدن، وهو
الحال نفسه بالنسبة إلى النساء حيث يشاركن في تجمعات صغيرة، و لكن في
البيوت المتقاربة، وبعد ذلك يذهب الجميع إلى النوم مبكرا ولا يستيقظون إلى
السحور وبعد تناولهم وجبته وأدائهم صلاة الفجر لا يعودون إلى النوم بل
يبدءون يوم عملهم مبكرا، وهكذا يظلون في أشغالهم حتى حلول وقت صلاة الظهر
ليلتحق الرجال بالمساجد وتعود النساء إلى البيوت لتحضير وجبة الفطور.
وإذا
كانت المدن مشهورة بتقديم «الحريرة» كوجبة أساسية عند أذان المغرب وسط
مائدة مليئة بما لد وطاب من الأطعمة (تمر وحلوى وبيض وعصير) فإن أهل قرى
سوس تكون مائدتهم متواضعة وأغلبهم لا يتناولون إلا «اسكيف» وهو نوع من
الحساء يحضر إما بالقمح أو الذرة أو الشعير ويحتسي مع التمر ويؤخذ بعده كأس
من القهوة، لان عادة هؤلاء تناول وجبة العشاء مباشرة بعد صلاة المغرب،
وغالبا ما تكون هذه الوجبة عبارة عن «طاجين» من اللحم وبعض الخضر، ويختم
العشاء بتناول كأس من الشاي.
أسواق المنطقة في رمضان تنشط في الصباح
الباكر الى حدود الظهر، لان الغالبية العظمى من الناس تفضل التبضع قبل صلاة
الظهر، البعض يجد متعة في الذهاب إلى السوق بمعية أحد أبنائه أو أصدقائه،
والجميع يستمتعون كثيراً بالتسوق رغم الصيام، فمنظر الخضروات الطازجة
والبضائع المختلفة المرصوفة بعناية فائقة خلف الواجهات الزجاجية للمحلات
التجارية وفضاءاتها يسرق الأبصار خاصة وأن الأسواق ستعج بأصناف جديدة لم
تعتمد العيون على رؤيتها في غير شهر رمضان التي يختلط فيها الجوع بالرغبة
الجامحة في الأكل، بحيث يتم الإقبال بوفرة على المواد رخيصة الثمن التي
تجتذب ذوي الدخل المحدود في المواقع الشعبية دون الالتجاء إلى المواد غالية
الثمن التي لم تعد في متناول الجميع بسبب غلاء الأسعار ومحدودية القدرة
الشرائية للمواطن بهذه المناطق.
أما بالنسبة إلى النساء في بوادي سوس،
فهن أول من يستيقظ ويباشر عمله سواء خارج المنزل بإحضار علف المواشي أو
داخله من خلال القيام بأعبائه من طبخ وكنس وغيرهما، و تكون أعباؤهن تلك
أثقل، فالمرأة تقع على عاتقها مسؤولية تحضير علف الحيوانات، وإطعام
الدواجن، وإحضار الحطب، ورعاية الأطفال ومساعدة الزوج وغيرها من الأعمال
اليومية الخاصة بالأسرة، وفي النهاية يكون عليها بعد صلاة العصر إعداد
الفطور والعشاء على نحو واحد، وسنجد الغالبية العظمى من البيوت السوسية،
تحرص على تحضير بعض الأطباق والأطعمة الأخرى بصورة يومية كأصناف معينة من
الخبز والحساء والطاجين ،فضلاً عن أن جميع الأسر تحرص على أن يتضمن فطورها
الحساء والقهوة.
ومن عادات السوسيين في القرى في هذا الشهر الكريم أن
يولوا عناية كبيرة للنظافة أنفسهم وارتداء الثياب الجديدة وفي الأغلب، أو
أحسن ما هو متوفر منها لديهم، وكذلك التطيب بالعطور، وإشعال البخور في
البيوت، ولا يفضلون السهر ليلا. وعلى مستوى آخر، تتنوع تقاليد رمضان
الإنسانية الإسلامية، ومن مظاهرها زيارات الأقارب والجيران ومساعدتهم،
وقيام ربة الدار قبيل الإفطار بإرسال صحن من طعام «اسكيف» إلى الجيران على
سبيل الإهداء، وقيام بعض الأسر الموسرة أو الأقل مستوى بإرسال وجبة طعام
إفطار إلى المسجد ليفطر المصلون عليها ويقرؤون الفاتحة على أرواح أعزاء
الأسرة الذين رحلوا وهو تقليد لازال مستمراً وراسخاً،وتكرس وتعمم هذه
العادة بالخصوص في ليلة القدر.
ومن تقاليد رمضان الدينية ببوادي سوس
كذلك صلاة التراويح وسماع الدرس الديني بعد صلاة العصر والاحتفال بليلة
القدر في المساجد وإخراج زكاة الفطر من الحبوب والاحتفال بعيد الفطر بشراء
الملابس الجديد للأطفال والنساء .وفي رمضان، بذات المناطق لا ينقطع الناس
عن قراءة القرآن كلما فرغوا من أعمالهم، والبعض يحمل في جيبه نسخاً صغيرة
من المصحف الشريف لتسنى له القراءة أينما حل، وجرت العادة على أن ينتظم
الرجال داخل المساجد في حلقات قراءة قرآنية مصغرة فيعمل أحدهم على القراءة
بعد صلاة الظهر ثم يتناولها آخر، وهكذا إلى أن يأتي الدور على الجميع، أما
الصبيان والشباب فبعد قدومهم من المؤسسات التعليمية يلجؤون إلى لعب بعض
الألعاب الممكنة بقراهم ككرة القدم والدور والأوراق.
تبقى بعض هذه
التقاليد الرمضانية ببوادي سوس في طريقها إلى الزوال بسبب التحول الذي
عرفته هذه المناطق تحت تأثير الحواضر على القرى وعلى سلوكات الناس ووصول
بعض مظاهر الحياة الحضرية إلى السكان في هذه المناطق، من كهرباء ووسائل
إعلام والهاتف الخ، ولكن يمكن القول إجمالا ورغم كل ذلك إن السوسيين
يحافظون على تقاليد رمضان رغم كل المتغيرات.