النظرة النصفية إلى الشيء - أي شيء كان - لا تعكس حقيقة ذلك الشيء ككل، وذلك لأن النصف سيظل نصفاً، ومن هنا فهو ليس مخولا أن يحكم على الكل. بل إن النظرة النصفية قد تجني أحيانا على الكل، وتحول الأمر إلى ضده، فاللوحة الزيتية الجميلة التي رسمتها يد فنان ماهر قد تتحول إلى منظر بشع عندما نغطي نصفها بالمنديل، والطبيب الذي لم يستوعب إلا نصف الطب قد يقع في أخطاء قاتلة تلقي بالذين يراجعونه بين أنياب الموت، ولذلك قيل: "أحيانا يكون الجهل المطلق خيراً من الفهم الناقص".
وعندما نجزئ كلمة "لا إله إلا الله" ونقتصر على المقطع الأول فإن شعار الإيمان هذا يتحول إلى كلمة كفر، وهكذا يكون نصف الشيء ضد ذاته في كثير من الأحيان.
ولقد أصاب القرآن الكريم ما أصاب غيره من "الفهم النصفي" و "النظرات التجزيئية"، فتحول إلى أشلاء مبعثرة ومقاطع متفرقة لا يرتبط أحدها بالآخر، بل ويتناقض بعضها مع البعض الآخر أحياناً.
وماذا يحدث عندما نأخذ الجسم الحي ونحوله تحت ضربات المبضع إلى أجزاء متفرقة؟ ألا يعني ذلك تعطيله عن العمل؟ هذا هو - بالضبط - ما حدث للقرآن الكريم حينما فرقناه شيعاً، وفصلنا بين آياته.
ورغم أن الأئمة الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة السلام) أكدوا على ضرورة الفهم الشمولي للقرآن فقالوا: "إن القرآن يفسر بعضه بعضا." وقالوا كذلك: "يشهد بعضه على بعض، وينطق بعضه ببعض." رغم ذلك فإن البعض أخذوا يفهمون الآيات بشكل مجزأ بعيداً عن الآيات الأخرى، بل - في بعض الأحيان - أخذوا يجزئون الآية الواحدة لكي يستنبطوا منها مفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد تجلى "الفهم التجزيئي" للقرآن في المظاهر التالية: