النصيحة بالرفق واللين

الحمدّ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.
قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنْت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاْعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إنّ الله يحب المتوكلين} (آل عمران 160) وروي في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان أحسن الناس خَلقا وخُلقا".
إنّ بهذا الحديث ونحوه مما روي في شمائل رسول الله يتبين ويظهر ما قالته عائشة رضي الله عنها في وصفه صلى الله عليه وسلم "كان خُلقه القرءان" ومعناه أنّ كلّ خصلة خير أمر الله في كتابه بالتخلق بها كان ذلك خلق رسول الله.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلّما موجّها "إنّ الله يحبّ الرفق في الأمر كله" رواه مسلم والرفق خلاف العنف والله عزّ وجّل يحب لعبده المؤمن أن يأخذ بالرفق في أمره كله فمن أراد أن يكون حاله كذلك فليتتبع أخلاق النبي صلى الله عليه وسلّم حتى يكون متخلقا بما يناسب خلق النبي.

فإذا أمر المؤمن غيره بمعروف فليكن أمره بطريق الرفق لا العنف لأن كثيرا من الناس إذا أمروا بالمعروف بطريق الرفق يكون ذلك جالبا لهم إلى الامتثال للمعروف وأما استعمال العنف معهم فلا يحصل به المقصود في كثير من الأحوال. ومن الرفق أنك إذا أردت أن تأمر شخصا أضاع فريضة من فرائض الله أن تأمره بأداء ذلك الفرض الديني من حيث لا يشعر أنه هو المقصود بهذا الأمر دون غيره من الناس فإنك إذا استعملت هذه الطريقة على هذا الوجه أمنت من أن يعاكسك عنادا، وبالأولى إذا أردت أن تنكر منكرا أي أن تزيل محرما علمت أن شخصا يفعله فإنك إن استعملت طريقة الرفق على هذا الوجه كان ذلك أقرب للإمتثال بنهيك.
ومن الرفق أن تنظر إلى حال الشخص الذي تريد أن تنصحه فإن وجدته يفهم بالإشارة اكتفيت بالإشارة وإلا استعملت الصريح معه لكن بغير الطريق التي لا تنفع لقبول الحق لأن كثيرا من الناس تأخذهم العزة بالإثم أي يمنعهم الكبر عن قبول الحق ولو علموا أنّ ما تقوله حق، وكم من أناس يؤدي بهم النهي بطريق العنف إلى خلاف المقصود، ومن الناس من يكفرون عنادا أو يزدادون فسادا على ما كانوا عليه ولاسيما إذا كانوا من ذوي الجاه كالسلطان وامرأته وولاته وحكامه أو من ذوي اليسار والغنى ولذلك أمثلة كثيرة، منها أنه كان رجل من ذوي الجاه في زمان الخليفة عمر بن الخطاب فأساء الأدب مع مسلم في الطواف فأقيد منه في الحال أي اقتص منه وكان هو قريب عهد بالإسلام وذا جاه وسلطة في بلاده فأنف من ذلك وارتد عن الإسلام لأنه لم يتحمل أن يقتص منه من قبل شخص من آحاد المسلمين ليس من ذوي الجاه.
ومن الأسباب المساعدة في النصيحة أنك إذا علمت أن الشخص الذي تريد أن تنصحه أكبر منك سنا أن تعلم غيرك ممن هو مثله في السن أو له شهرة بين الناس تستعين بذلك الشخص حتى يتولى هو نصحه.
والإنسان يعامل على حسب حاله لا يصال الحق إليه أي يستعمل معه الطريقة الناجعة بحسب حاله.

ثمّ إن من أهم الأمور لمن يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يظهر العلو على ذلك الإنسان فإنه إن شعر بذلك لجأ إلى العناد.
ومن الطرق المهمة في ذلك أن تنصحه فيما بينك وبينه فإن كانت هناك ضرورة يتحتم فيه إبلاغ الحاضرين الذين حضروا ما حصل من المنكر كأن كان ذلك المنكر تغييرا لحكم الشرع مما يؤدي إلى الكفر أو مما دون ذلك فعليك أن تنظر إلى جهة الشخص الذي صدر منه ذلك المنكر وإلى الحاضرين فإن كان الحاضرون يعرفون أن ما أتى به ذلك الشخص منكر وضلال فما عليك إلا إصلاح الشخص الذي قال المنكر من الكفر وما دونه فتكتفي بتفهيمه حتى يرجع عمّا وقع فيه بينك وبينه إن كنت لا تأمن إن كلّمته على مسمع من الحضور أن يقبل النصيحة.
وأما إن كنت تعتقد أن ضرر كلامه يتعدى إلى الحضور فعليك أن تنصح الفريقين وتسلك الطريقة التي أقلّ ضررا إن لم تجد مخلصا لوقوع الضرر بالنسبة لحال الحاضرين. وليس معنى ذلك أنه لا يجوز مجاهرة من يقول المنكر بالإنكار عليه في جميع الأحوال لأن الضرورة والمصلحة الشرعية قد تقتضي مجاهرته بالإنكار على مسمع من الحاضرين كما يشير إلى ذلك أحاديث كثيرة.
وأصعب هذه الأحوال ما كان في جمع حافل كخطيب يتكلم على المنبر بما فيه كفر أو حرام متفق عليه فهنا يجب على المرء الذي ينكر أن يعمل فكره في سلوك الطريق الناجع لمعالجة هذا المنكر وهو يختلف باختلاف الأحوال.

قال الله تعالى إخبارا عن سيدنا هود {أبلّغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين} (الأعراف) وقال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" متفق عليه.

وقال أحد المرشدين العارفين بالله "فإني أوصيكم أن يكون أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر بالرفق ومعنى الرفق استعمال الطريقة التي فيها حكمة لأنّ الله تعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وليكن تكليمكم له (أي لمن تنصحوه) على وجه الإشفاق عليه لا على وجه التهشيم لأن الإنسان قد لا يقبل النصيحة إذا وجهت له على وجه التهشيم ويقبل إذا وجهت على وجه الرفق مع الإشعار بأن القصد من النصيحة الإشفاق عليه، وليكلمه ألينكم جانبا وأقربكم إليه إلفا".