الحمد لله رب العالمين والعافية للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على من شرح الله صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وعلى جميع أنبيائه ورسله.
شرح الصدر من النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة، والمطالب العزيزة، وأسباب السعادة الرئيسة في الدنيا والآخرة.
ولهذا سألها موسى ربه أول ما سأل: "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي"1.
بينما منحها الله عز وجل لخليله محمد صلى الله عليه وسلم من غير سؤال فقال ممتناً عليه بذلك: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"2.
بل جعلها الله عز وجل سبباً رئيساً للهداية فقال: "فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ"3. وقال: "أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ"4.
أما بعد...
فهذا بحث عن الأسباب الرئيسة لإنشراح الصدر الذي يرجوه ويتمناه كل كيس فطن، ويسعى للحصول عليه كل مؤمن تقي.
انشراح5 الصدر أسبابه كثيرة والطرق للوصول إليه عديدة وسنشير إلى أهمها فنقول:
↑
أولاً: تحقيق العبودية الكاملة لله عز وجل
فالإيمان بالله عز وجل وتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته انفع الأسباب لشرح الصدر وكلما حقق المرء عبوديته لربه ومولاه وأخلص فيها كلما ازداد سروراً وانشراحاً وإقبالاً عليه.
وعلى العكس والنقيض فإن الشك والكفر أسباب رئيسة لضيق الصدر والحرج " وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا "6 فالإيمان هو النور الذي يضيء للعبد طريقه.
قال ابن القيم رحمه الله: (فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه)7.
يروى مرفوعاً ومرسلاً: "إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قاالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله"8.
فمن رغب في شرح الصدر فعليه السعي في تحقيق عبوديته الكاملة لربه ولهذا كان الأنبياء أوسع واشرح الناس صدوراً، وأكملهم في هذا الباب وأسعدهم بذلك هو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
↑