أيّ اجتهاد نريد ؟
أمام تعدّد مراتب الاِجتهاد وأوجهه التي أوردها العلماء والفقهاء الأصوليون(17)، لا يسع الباحث إلاَّ أن يطرح هذا السؤال : أي اجتهاد نريد ؟. فلقد انتهينا إلى تحديد الخطوط الرئيسة للإطار العام الذي نتناول الاجتهاد من خلاله، وآن لنا أن نبحث في الدلالة القطعية لمفهوم الاِجتهاد التي تتفق والمقاصدَ التي نرمي إليها.
إنَّ الاجتهاد الذي نريده لعصرنا، حسب ما يذهب إليه الدكتور يوسف القرضاوي، نوعان : انتقائي، وإنشائي :
فالاجتهاد الانتقائي، اختيار أحد الآراء المنقولة في تراثنا الفقهي العريض للفتوى أو القضاء به، ترجيحاً على غيره من الآراء والأقوال الأخرى، وذلك من خلال الموازنة بين الأقوال بعضها وبعض، ومراجعة ما استندت إليه من أدلة نصيّة أو اجتهادية، لنختار في النهاية، ما نراه أقوى حجة وأرجح دليلاً، وفق معايير الترجيح. مع اعتبار ضرورات العصر وحاجاته التي تفرض على الفقيه المعاصر، الاِتجاه إلى مراعاة الواقع والتيسير والتخفيف في الأحكام الفرعية العملية.
أما الاجتهاد الإنشائي، فهو استنباط حكم جديد في مسألة من المسائل لم يقل بها أحدٌ من السابقين، سواء أكانت المسألة قديمة أم جديدة. على أن أكثر ما يكون الاجتهاد الإنشائي في المسائل الجديدة(18).
فالاجتهاد الذي نريده إذن، هو الاِجتهاد الذي تقتضيه ضرورات الحياة المعاصرة وتُمليه علينا، وتدعونا إلى أن نمارسه وننهض بأعبائه ونتحمّل المسؤولية إزاء ه، من دون أن نخضع لضغط الواقع على حساب التفريط في القواعد العامة للشريعة الإسلامية وثوابتها الراسخة.