الصحابة وتابعيهم على أن الحجة في الكتاب والسنة
كذلك الصحابة رضي الله عنهم والأئمة أجمعوا على أن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لا غير، وأن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان. يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله تعالى اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ فإن الله تعالى لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي أيضاً: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد، وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. وقال مالك رحمه الله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، يعني: الدليل، وفي رواية: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول اليوم القول ونرجع عنه غداً، وقال أيضاً: إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي. وقال أحمد رحمه الله: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. وقال أيضاً: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. يقول ابن رجب رحمه الله: فالواجب على كل من بلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظمٍ قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأً. فهذا كله مما يدل على أن كل الحجة في الكتاب والسنة، وأن السيادة المطلقة هي لشرع الله تبارك وتعالى لا غير، فإذا كانت هذه النصوص كلها هي مقولات أئمة الإسلام رضي الله تعالى عنهم، وهي متعلقة باجتهاداتهم في فهم أدلة الشرع، يعني: كل كلام الأئمة الأربعة كما رأينا يدور حول اجتهاداتهم في فهم أدلة الشرع، فهذا الاجتهاد إنما يحوم حول فهم أدلة الشرع، فالمصدر هو أدلة الشرع، وهم أئمة مجتهدون ثقات عدول أجمعت الأمة على قبولهم، وشهدت لهم بما كانوا عليه من ديانة وصيانة، وتحري للحق، واتباع للسنة، ومع ذلك انظر إلى كلامهم في أنه لا منازع أبداً لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم حتى الأئمة الأربعة أنفسهم، فما الظن بجهة أو مجلس قام ابتداء على ادعاء الحق في التشريع المطلق، واطراح كل ما يمت للكتاب والسنة بصلة.