منهم يزيد بن معاوية، وكان يقال له: يزيد الخمور، وبلغه أن مسور بن مخرمة يرميه بشرب الخمر، فكتب إلى عامله بالمدينة: أن يجلد مسوراً حد القذف، ففعل. فقال مسور:
أيشربها صرفاً بطين دنانـهـا
أبو خالدٍ ويضرب الحد مسور
وممن حد في لشراب الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخو عثمان بن عفان لأمه. شهد أهل الكوفة عليه أنه صلى بهم الصبح ثلاث ركعات وهو سكران. ثم التفت إليهم فقال: إن شئتم زذتكم! فجلده علي بن أبي طالب بين يدي عثمان. وفيه يقول الحطيئة، وكان نديمه أبو زبيد الطائي:
شهدت الحطيئة يوم يلقى ربه
أن الوليد أحق بـالـعـذر
نادى وقد تمت صـلاتـهـم
ليزيدهـم خـيراً ولا يدري
ليزيدهم خيراً ولو قـبـلـوا
لقرنت بين الشفع والوتـر
كبحوا عنانك إذ جريت ولـو
تركوا عنانك لم تزل تجري
ومنهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب، شرب بمصر، فحده هناك عمرو بن العاص سراً. فلما قدم إلى عمر جلده حداً آخر علانية. ومنهم العباس بن عبد الله بن عباس، كان ممن شهر بالشراب ومنادمة الأخطل الشاعر. وفيه يقول الأخطل:
ولقد غدوت على التجار بمسمحٍ
هرت عواذله هرير الأكلـب
لباس أردية الملوك تـروقـه
من كل مرتقبٍ عيون الربرب
ومنهم قدامة بن مظعون، من أصحاب رسول الله )، حده عمر بن الخطاب بهشادة علقمة الخصي وغيره، في الشراب. ومنهم عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب المعروف بأبي شحمة، حده أبوه في الشراب، وفي أمر أنكره عليه. ومنهم عبد الله بن عروة بن الزبير، حده هشام بن إسماعيل المخزومي في الشراب. ومنهم عاصم بن عمر بن الخطاب، حده بعض ولاة المدينة في الشراب. ومنهم عبد العزيز بن مروان، حده عمرو الأشدق. وممن فضح بالشراب بلال بن أبي بردة الأشعري، وفيه يقول يحيى ابن نوفل الحميري:
وأمـا بـلال فـذاك الـذي
يميل الشراب به حيث مـالا
يبيت يمص عتيق الـشـراب
كمص الوليد يخاف الفصالا
ويصبح مضطرباً نـاعـسـاً
تخال من السكر فيه احولالاً
ويمشي ضعيفاً كمشي النزيف
تخال به حين يمشي شكـالا
وممن شهر بالشراب عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي، القاضي بالكوفة. وفضح بمنادمة سعد بن هبار. وفيه يقول حارثة بن بدر:
نهاره في قـضـايا غـير عـادلة وليله في هوى سعد بـن هـبـار
ما يسمع الناس أصواتاً لهم عرضت إلا دوياً، دوي النحل في الـغـار
يدين أصحـابـه فـيمـا يدينـهـم كأساً بكأس وتكراراً بـتـكـرار
فأصبح الناس أطلاحاً أضربـهـم حث المطي وما كانوا بـسـفـار
ومنهم أبو محجن الثقفي، وكان مغرماً بالشراب، وقد حده سعد بن أبي وقاص في الخمر مراراً. وشهد القادسية مع سعد، وأبلى فيها بلاء حسناء. وهو القائل:
إذا مت فادفني إلى ظـل كـرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالـفـلاة فـإنـنـي
أخاف إذا مامـت ألا أذوقـهـا
ثم حلف بالقادسية ألا يشرب
خمراً أبداً، وأنشأ يقول
إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت
وحال من دونها الإسلام والحـرج
فقد أباكرها صهـبـاء صـافـيةً
طوراً وأشربها صرفاً وأمـتـزج
وقد تقوم على رأسي مغـنـية
فيها إذا رفعت من صوتها غنج
فتخفض الصوت أحياناً وترفعه
كما يطن ذباب الروضة الهزج
ومنهم عبد الملك بن مروان، وكان يسمى "حمامة المسجد"، لاجتهاده في العبادة قبل الخلافة. فلما أفضت إليه الخلافة شرب الطلاء، وقال له سعيد بن المسيب: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت بعدي الطلاء؟ فقال: إي والله، والدماء! ومنهم الوليد بن يزيد، ذهب به الشراب كل مذهب حتى خلع، وقتل. وهو القائل:
خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم
ثباتاً يساوي ما حييت عقـالا
دعوا لي سلمى والنبيذ وقينة
وكأساً ألا حسبي بذلك مـالا
أبالملك أرجو أن أخلد فيكـم
ألا رب ملك قد أزيل فزالا
وسقى قوم أعرابية مسكراً، فقالت: أيشرب نساؤكم هذا الشراب؟ قالوا: نعم. قالت: فما يدري أحدكم من أبوه! ومنهم إبراهيم بن هرمة، وكان مغرماً بالشراب، وحده عليه جماعة من عمال المدينة؛ فلما ألحوا عليه وضاق ذرعه بهم، دخل إلى المهدي بشعره الذي يقول فيه:
له لحظات عن حفافي سـريره
إذا كرها فيها عقـاب ونـائل
لهم طينة بيضاء من آل هاشـم
إذا اسود من لؤم التراب القبائل
إذا ما أتى شيئاً مضى كالذي أتى
وإن قال إني فاعل فهو فاعـل
فأعجب المهدي بشعره، وقال له: سل حاجتك. قال: تأمر لي بكتاب إلى عامل المدينة أن لا يحدني على شراب. فقال له: ويلك، كيف نأمر بذلك؟ لو سألتني عزل عامل المدينة وتوليتك مكانه لفعلت. قال: يا أمير المؤمنين: ولو عزلت عامل المدينة ووليتني مكانه، أما كنت تعزلني أيضاً وتولي غيري؟ قال: بلى. قال: فكنت أرجع إلى سيرتي الأولى. فقال المهدي لوزرائه: ما تقولون في حاجة ابن هرمة وما عندكم فيها من التلطف؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه يطلب مالا سبيل إليه: إسقاط حد من حدود الله. قال المهدي: إن عندي له حيلةً، إذ أعيتكم الحيل فيه، اكتبوا له إلى عامل المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران فيضرب ابن هرمة ثمانين، ويضرب الذي يأتيك به مائة. فكان ابن هرمة إذا مشى في أزقة المدينة يقول: من يشتري مائه بثمانين؟ وكان بأمج رجل يقال له: حميد، وكان مفتوناً بالخمر، فهجاه ابن عم له، وقال فيه:
حمـيد الـذي أمـــج داره أخو
الخمر ذو الشيبة الأصلع
علاه المشيب على شربـهـا
وكان كريماً، فـمـا ينـزع
ودخل حميد يوماً على عمر بن عبد العزيز، فقال له: من أنت؟ قال: أنا حميد. قال: "حميد الذي "؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما شربت مسكراً منذ عشرين سنة. فصدقه بعض جلسائه فقال له: إنما داعبناك.