10 خـرافـات «يـؤمـن» بـها المـغاربـة
ميسورون يدشنون منازلهم بـ»الذبيحة» وفقراء يكتفون بـ«رشّ الحليب» وقائمة ممنوعات وأساطير توارثها الأجداد وتنكر لها الأبناء
مغاربة لا يمكنهم الاستحمام خلال ساعات متأخرة من اليوم، خوفا من حرق «الجّنونْ» وإثارة غضبهم، وآخرون لا يمكنهم دخول منازلهم الجديدة إلا بتدشينها بالحليب و
ماء الزّهر، حتى يكون المكان «فالَ خير» على أصحابه.. وفئة ثالثة يؤمنون بحكّ أيديهم وتقبيل أصابعهم حتى يأتيّ المال الوفير ويضعون ضمن قائمة الممنوعات الصّفير داخل المنزل ووضع الأحذية مقلوبة أو فتح المظلات داخل البيت، بدعوى أنها دليلُ شؤم قد يجلب الشّر إلى المنازل ويقلب الحياة رأسا على عقب.. «المساء» تسرد 10 خرافات يؤمن بها المغاربة، يُحللها الباحثون الاجتماعيون ويكذبها الطبّ الحديث؟
«حك إيديك تربح»
«كان واقفا أمامه بعينين فاحصتين، قال له: أحكّ يدي اليمنى كثيرا فأجابه، دون أدنى تفكير: ستتقاضى أجرا في أقرب وقت، فقال له، بعدها: أظنني أحكّ يدي اليسرى كذلك.. فأجابه جازما: ستتلقى أمولا لا محالة، فقال له: أحسّ برغبة في حكّ رجلي اليمنى كذلك، فقال له، بعد تفكير وعلامات الاستغراب تعلو تقاسيم وجهه: أظنّ أن هناك عزاء ستحضره، فقال له: لكني أحكّ رجلي اليسرى كذلك، فأجابه: هي دلالة على فرح مقبل أو زفاف قريب، فقال له: أحكّ دائما مقدمة رأسي وظهري.. فأجابه بضجر: «نوضْ مْن حْدايا ألمْجرابْ»..
نكتة يتداولها المغاربة أحيانا لتفنيد الكثير من المعتقدات الشعبية التي يؤمن بها المغاربة وكل الشرور التي تعتقد العامة في كونها مدبَّرة من الآخر، ابتداء من الأسرة التي تفقد أطفالها الصغار أو مصدرَ رزقها، والنساء اللواتي يُجهضن بلا سبب واضح، والفتيات اللواتي لا يتمكنّ من الزواج، وما إلى ذلك من العشاق المهجورين والأحبّة الممنوعين من الوصال، إلى رجال الأعمال الذين توشك مقاولاتهم على الإفلاس.. فكل حركة يمكن أن تدلّ على شر مقبل أو خير مدبر، ابتداء من حكّ اليد اليمنى ونهاية بفتاة ضُربت بـ»مغْرْفة» فهجرها زوج المستقبل إلى أجَل غير مُسمّى..
«المْغرْفة و«التابْعة»..
لا يمكن، في كثير من الأسر المغربية، أن تتجاوز فتاة سن الثلاثين دون أن يعتبر الأمر مَعيبا ومثيرا لعلامات الاستفهام والحيرة في محيط الأسرة والمجتمع.. تظل نظرات التشفي أو الشّفقة تلاحقها، وتفسيرات الوهم والخرافة تطاردها، فمنهم من يعتبرونها ضحية قوى غيبية شريرة، ومنهم من يقولون إنها «مْضروبة بْمغرْفة»، جازما أنها سبب كافٍ لعنوستها وهجرها من طرف أزواج مفترَضين.
وبدورها، تتنكر الفتاة العانس لمنطق العقل في كثير من الأحيان وتتفادى أن يلمسها أحد بـ»مْغرْفة»، متناسية أزمة الزواج القائمة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشلّ دينامية المجتمع وحركيته، تحت ضغط الوسط الأسَري والمجتمعي. بعيدا عن حديث «المْغرْفة»، يؤمن الكثير من المغاربة بما يعرف بـ«التابْعة»، كما يرسم البعض على أبواب الدور والدكاكين يدا بأصابعَ مجتمعة أو متفرّقة، أو يعلق حذوة الحصان على الجدران.. بينما تضع النسوة لبناتهنّ، في سلسلة اليد أو العنق، التميمة المعروفة لدى شعوب المغرب العربي باسم «خْميسة»، المصنوعة من معادنَ رخيصة أو نبيلة. وأشار واعراب إلى أنّ هذه التجليات اليومية، التي تشير كلها إلى أساليب مختلفة للوقاية من «العين الشّريرة»، إنما تكشف درجة اعتقاد المغربي في قدرة نظرات الآخر على إلحاق الأذى بما يملك ويحبّ، أي «إصابته بالعين»..
أقزام بسبب «تنقيزة»
سيرا على خطى الخائفين من «العين» ومن أشخاص معيّنين، كأصحاب النظرات المحدقة، وذوي العيون الغائرة، والنساء بشكل عامّ، والعجائز منهنّ بشكل خاص، واللواتي كانت الأعراف تقضي خلال المناسبات الاحتفالية، كالأعراس مثلا، أن يجري جمعهنّ لوحدهنّ، مع الحرص على أن يتناولن الطعام ويبقين بعيدا عن العرسان.. هناك من يعتقد جازما أنّ من تخطاه وهو نائم سيحُدّ من طوله وسيبقى «قزما» إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. وهو الأمر الذي يجعل الكثير من المغاربة يطلبون من كل شخص تخطـّاهم أن يعيد العملية نفسَها معكوسة، حتى لا تلحقه الأزمة ويتوقف نموه وطوله ويتحول إلى قزم بسبب «تنقيزة»..
خرافة تخطي شخص ما وهو ممدّد أرضا لا تقتصر على الصغار فقط، الذين يرغبون في قامة فارعة وقدّ ممشوق، بل تمتدّ حتى إلى الكبار، الذين يرفضون تخطيهم، مؤمنين بأنّ ذلك ستحدّ من الطول وإن حقنوا بهرمونات النمو..
حذار من الأحذية المقلوبة!
لا مجالَ لأن تطأ رجلاك أحدَ المنازل المغربية وتتخلص سهوا من حذائك وتتركه «مقلوبا» دون أن ينبّهك أحدهم إلى أنّ تركه مقلوبا هو «فألُ شؤم» على البيت وعلى صاحبه.. إذ غالبا ما يُسرع شخص ما -يؤمن بالخرافة- إلى قلب الحذاء ورفع الدعاء بالسّتر «الله يْستر».
وإذا كانت المعتقدات السحرية في المغرب تحفل بكمّ هائل من أساليب الوقاية من أذى العين الشريرة، كالحيوانات التي لها القدرة على الحماية من «العين»، مثل السلحفاة البرّية التي تدجَّن وتترَك لتدور في البيت، والخنزير الوحشي، الذي تعلق أنيابه في أعناق البشر، والخيول.. وغيرها من العناصر الحيوانية التي تستعمَل للوقاية من «نظرات الحسد».. فإنّ «العلاج» الوحيد لترْك الحذاء «مقلوبا» هو إرجاعه إلى وضعه الأصلي، وربما إزاحته جانبا ليختفيّ عن الأنظار ويختفي معه الشّر المُتربّص..
فرطوطو» العجيب
ينبع طابع «القدْسية» الذي يحظى به عالم الخرافة من توق الإنسان الأبدي إلى سبر أغوار عوالم الغيب
واتقاء شرور المستقبل الغامض، لهذا لا يجد الكثيرون حرجا في تفسير أيّ شيء، فدخول فراشة إلى البيت بمحض الصدفة لن يمرّ مرور الكرام، لأنّ الكل سيترقبون حضور ضيف بعيد طال انتظاره.. في حين ستضع أمّ يدها على جبينها وتقبّلها، ربما لسماع خبر جميل، أو لعدم رؤية ضيف ثقيل الظلّ يصعب تحمله أكثرَ من نصف
ساعة..
ذبيحة وحليب وماء زهر
خرافة منتشرة كانتشار النار في الهشيم، لا يمكن دخول سكن جديد أو تدشين محلّ تجاري دون سكب الحليب أو ماء الزّهر، أو ربما ذبح ثور أو بقرة (بالنسبة إلى الميسورين).. فالحدث يقتضي «إكرامَ» المكان وحيطانه حتى ترضى على ساكنه الجديد.. يؤمن الكثير من المغاربة بـ»الذبيحة» قبل أن تطأ أرجلهم سكانا جديدا، أو مقرَّ عمل، أما بالنسبة إلى المُعدَمين والفقراء فنصف لتر حليب وقارورة رخيصة من ماء «الزّهر» كافية لطرد النحس وجلب اليُمن والبرَكات.
حسب مطصفى واعراب، الباحث الاجتماعي، فإنّ طقس الدّم أو «الذبيحة» يتطلب لوحده تحليلا مستفيضا، لكنْ بشكل عام، يبدو أنه لتفسير دلالاته الرمزية، قد نجد سندا في الإشارات التي تحتلها الدراسات الأنثربولوجية حول القوة السحرية لدم القربان ولسكين الذبح، وأهميتها في معتقدات شعوب شمال إفريقيا في طرد الشرّ وجلب البرَكة.
ممنوع الاستحمام ليلا!
لطقوس الاستحمام عند المغاربة نكهة خاصة، فالكثير منهم يخافون دخول الحمّام ليلا، مخافة التقاء «الجّنونْ» أو أرواح شريرة تسكن المكان، وفئة أخرى لا تستطيع حتى غسل الأواني بالماء السّاخن ليلا، مخافة «حرق جنيّ» يسكن البالوعات أو مجاري المياه..
وعكس المعتقـَدات السحرية التي تدعو إلى الاستحمام في ماء البحر بقصد التطهر من سوء الحظ بعد اختراق سبع موجات، والاستحمام الذي يجري في «خلوة»، وهي غرفة صغيرة غالبا ما تكون خلف بعض الأضرحة، لطرد «التابْعة» و»العْكسْ».. فإنّ الاستحمام ليلا غيرُ منصوح به عند الكثير من الأسر المغربية، التي ما زالت تقدّس الخرافات وتجعلها فوق كل
اعتبار.
شكيكو» فالخشبْ
قصص طرد المكروه والابتعاد عن الشرور لا تنتهي، فهناك أكثر من مهووس بأفكار وخرافات تحكي عن طرد الشرور، من بينها لمس الخشب والتلفظ بكلمة من قبيل «شكيكو».. فرغم العولمة وتطور الأجيال ما زال الكثيرون لا يستطيعون أن يسمعوا خبرا يسوؤهم أو قصة حزينة دون أن «يمسكوا الخشب»، لأنها الحركة الوحيدة التي ستمنع إصابتهم بالمكروه نفسه حسب الأسطورة، حتى إنّ طالبة ظلت تركض لمسافة طويلة وهي ترفع يديها المتشابكتين عاليا إلى أن وجدت خشبة تمسك بها.. كان ذلك عندما سمعت خبرَ وفاة عروس ليلة زفافها، وكان الإمساك بالخشب بالنسبة إليها الوصفة السّحرية الوحيدة التي ستحميها من ملاقاة المصيرِ نفسه..
ممنوع الصفير وفتح المظلات!
لا يمكن حصر الخيال الشعبي في الكثير من المنازل المغربية، فنباح الكلب نذير شؤم ليلا، ورؤية الغراب تعني موتَ أحد الأقارب، وفتح المظلة داخل البيت يجلب الشؤم والخراب لأهل البيت، أما الضّحك بكثرة فيعني أنّ اليوم الموالي سيكون مليئا بالأحزان، والصّفير يعني أنّ البيت سيفقد بركاته وخيراته، وسيصبح خاليا في أقرب وقت..
يحتفظ الكثير من المغاربة بمخلـّفات الخرافات في دواخله، غير أنّ معظم شباب اليوم يرفضون أن تتحول تلك المعتقدات البائدة إلى أسلوب في الحياة يُملي على الشخص خياراته ويوجّه سلوكه وتصرّفاته، لهذا لا يجد الكثير من الشباب حرجا في أداء ألحان أغنية بصفيرهم، واللعب بمظلة بفتحها وإغلاقها أكثرَ من مرة داخل المنزل، ضاربين أساطير ابتدعها الخيال الشعبيّ عرض الحائط.
وقال باحث اجتماعي لـ»المساء» إنّ توارث المعتقدات الخرافية ليس حكرا على مجتمع أو حضارة معينة، بل إنه مسألة إنسانية تلتقي عندها جميع الحضارات، حتى إنّ العديد من الخرافات تتكرّر لدى شعوب عدة وليس المغرب فقط.
لا لأكل «خنشوشْ» الخروف ولعق الصحون!
عكس الخرافة القريبة من التشاؤم والسوداوية، كرؤية الغراب وسماع نهيق الحمير.. هناك نوع من الخرافات يدعو إلى التفاؤل والتسلية ويضفي طابعا مميّزا على الحياة، فالكثير من الأسر المغربية ما زالت تمنع بناتها من أكل «خنشوشْ» رأس الخروف مخافة تزامُن عرسهم وفصل الشتاء، في حين تمنع جدّات حفيداتهنّ من لعق الصّحون وما تبقى من طعام، مخافة عرس لا يشبه الأعراس، تمنع فيه الأمطار جو الاحتفال و»تنكد» على الضيوف..
عكس بعض الشباب، لا تمانع الكثير من الفتيات في التشبث بالخرافات الشعبية، إذ ما زالت الفتاة تلحّ على «قرص» صديقتها العروس علها تكون العروسَ التالية!.. لكن ذلك لا يعدو كونـه مجرّد تسلية عند الكثيرات، اللواتي يقبلن بأي شيء إلا ضربهنّ بـ»الشّطابة»!