إن المتتبع للشأن البيئي بالمغرب يجد نفسه في حيرة من أمره أمام الوضع السائد حاليا المتميز بالضبابية على المستوى المؤسساتي للمكلفين بتسيير هذا المرفق الاستراتيجي للبلاد و العباد و كذا على مستوى التعريف الصحيح للبيئة و رهاناتها.
إن البيئة لا تعني فقط المساحات الخضراء و جمع الأزبال و تنظيف الشواطئ و ما شابه ذلك بل تعني الثروات الطبيعية من تربة و ماء و هواء و غابات و ثروات حيوانية برية أو بحرية و ثروات باطنية و وسط طبيعي من منتزهات و جبال و مسالك طبيعية و شلالات، إلخ.
أما تسيير الشأن البيئي فهو يعني تدبير استغلال و الاستفادة من هذه الثروات و المجالات الطبيعية و الحفاظ عليها لينتفع منها الجيل الحالي و الأجيال القادمة. و يمكن هنا استحضار مقولة غاندي حين قال: ” إننا لا نرث الأرض من أجدادنا بل نستلفها من أحفادنا”.
و دون أن ندخل في متاهات الأرقام و الإحصاءات، فكل مواطن مغربي لديه صورة واضحة بشكل أو بآخر حول الوضع البيئي الوطني و التحديات المطروحة و التي تتطلب إجراءات صارمة و عاجلة للخروج من هذه الضبابية و التذبذب و الارتجال الذي يطغى على تسيير الشأن البيئي الوطني.
لقد كان قدر الشأن البيئي أن تكون انطلاقته من داخل وزارة الداخلية أيام قوة هذه الوزارة. تطورت الأمور حتى صارت عندنا وزارة البيئة في سنة 1995 و التي لم تكن إلا ردة فعل لتبعات مؤتمر الأرض حول البيئة و التنمية المستدامة لريو دي جانيرو في سنة 1992 و الذي تميز بترؤس جلالة الملك محمد السادس للوفد المغربي و هو حينها وليا للعهد. و بعد هذه الفترة التي قد نسميها بالذهبية و التي لم تعمر طويلا حيث تم إلحاق قطاع البيئة في سنة 1996 بوزارة الفلاحة و التجهيز و البيئة و من هنا كانت بداية التعثرات. ففي هذه الفترة وقع المغرب على الاتفاقيات البيئية الثلاث الناتجة عن قمة الأرض و هي الاتفاقية الإطار حول التغيرات المناخية حيث احتفظ قطاع البيئة بكونه المؤسسة الحكومية المرجعية للاتفاقية ( Institution Focale)، في حين تم تشتيت الاتفاقية الأممية المتعلقة بالتنوع البيولوجي بين وزارة الخارجية و التعاون و قطاع المياه و الغابات و قطاع البيئة. أما عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فقد تم توزيع السهر على تنفيذها بين وزارة الفلاحة و قطاع المياه و الغابات.
إن ذكر هذه الاتفاقيات الثلاث ليس إلا نموذجا لمجموع الاتفاقيات الدولية البيئية و التي يصل عددها إلى 500 اتفاق. على المستوى الوطني نجد أن عددا من الوزارات أو مؤسسات غير وزارية تسهر على تنفيذ البعض منها مع وجود قطاع حكومي مكلف بالبيئة؛ و ذلك عملا بمنطق الدول المتخلفة الذي يمكن المستيقظ مبكرا من الوصول إلى الحكم. الأمر الذي ينتج عنه هدر للطاقات و تشتيت للموقف الوطني و بالتالي ضياع فرص هائلة متمخضة عن هذه الاتفاقيات الدولية سواء على مستوى تقوية الرصيد المعرفي الوطني و تقوية القدرات و إمكانيات التمويل المالي في إطار التعاون الدولي بشقيه الثنائي أو متعدد الأطراف. فعلى المستوى الجهوي أو القاري أو الدولي، نجد أن هناك مجلس الوزراء العرب المكلفين بالبيئة و نفس الشيء بالنسبة لوزراء البيئة الأفارقة و كذا الوزراء الأوربيين لكن حين يحضر الوزير المغربي المكلف بالبيئة لاجتماعات هذه الإطارات يجد أن غالبية الملفات المتعلقة بالاتفاقيات البيئية ليست ضمن ملفات القطاع الذي يسيره. و بالمقابل، حين تعقد اللقاءات الخاصة بكل اتفاقية بيئية من مؤتمرات أطراف أو جهوية نجد أن غالبية وزراء الدول الأطراف هم وزراء البيئة في حين أن وزير .
هناك مجموعة من الدول القريبة من المغرب فهمت جيدا اللعبة و عملت على مواكبة الركب الدولي بذكاء و جدية ملحوظين و حسمت على المستوى المؤسساتي في أمر السهر على تنفيذ الاتفاقيات البيئية الدولية.