يجوز صبغ الشعر بكل لون غير السواد ، ولا فرق في ذلك بين الشيخ والشاب ، ولا حرج في صبغ الشعر قبل وجود الشيب .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/168) السؤال التالي :
( رأيت بعض الناس يستعملون مواد تغير لون الشعر سواء تجعله أسود أو أحمر، ورأيتهم يستعملون مواد أخرى تجعل الشعر المجعد ناعما، فهل يجوز من ذلك شئ ، وهل الشباب مثل الشيوخ في الحكم ؟
فأجابت اللجنة : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد : تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه ، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد ، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء ، إذا انتفت المضرة وكانت المادة طاهرة مباحة . أما التغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد ".
وبالله التوفيق ) انتهى.
والحديث المذكور رواه مسلم (2102) .
ومما يدل أيضا على المنع من الصبغ بالسواد ، ما رواه أبو داود (4212) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ويدل على جواز الخضاب بالأحمر والأصفر ما رواه أبو داود (4211) عن ابن عباس قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال ما أحسن هذا . قال فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال هذا أحسن من هذا ، ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال هذا أحسن من هذا كل ه" والكلام في هذا الحديث عن تغيير الشيب بلون آخر لا عن مطلق الصبغ ولو من غير شيب .
والحديث قال عنه الألباني في مشكاة المصابيح : جيد.
ثانياً :
ينبغي التنبّه إلى القاعدة العامة في أمر الزينة وغيرها ، أنه يمنع منها ما كان فيه تشبه محرّم ، كالتشبه بالكفار أو الفسقة ، فإنه يحرم لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني .
ولهذا يُحتاج قبل الحكم بجواز صورة من صور الصبغ المسؤول عنها إلى التأكد من كونها ليست تقليداً للكفار أو الفسقة ، أو أحد من يظهرونهم للشباب باعتبارهم قدوات من المغنين واللاعبين ونحوهم .
كما أنه يمنع من الصبغ بما يُعد نوعاً من التميُّع والتشبّه بالنساء لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا التشبّه ولعنه فاعله . (البخاري 5435)
ثالثا :
أما بالنسبة لصبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشعره فقد اختلف في كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب شعره أم لا ، قال ابن القيم رحمه الله : ( واختلف الصحابة في خضابه فقال أنس : لم يخضب ، وقال أبو هريرة : خضب ، وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال : رأيت شعر رسول الله مخضوبا ، قال حماد : وأخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل قال : رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوب .
وقالت طائفة : كان رسول الله مما يكثر الطيبَ قد احمر شعره فكان يُظن مخضوبا ولم يخضب . وقال أبو رِمثة : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن لي فقال أهذا ابنك ؟ قلت نعم أشهد به فقال " لا تجني عليه ولا يجني عليك " قال ورأيت الشيب أحمر ، قال الترمذي : هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسره لأن الروايات الصحيحة أن النبي لم يبلغ الشيب . قال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة أكان في رأس النبي شيب ؟ قال: لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن وأراهنّ الدهن ) انتهى من زاد المعاد 1/169
رابعاً :
أما استحضار التأسي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصبغ مع عدم وجود شيب فقد علمت الخلاف القوي في إثبات صبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثم إن صبغ الشعر الوارد الأمر به في السنة ليس مقصوداً لذاته ، وإنما المقصود منه تغيير الشيب ، ومخالفة اليهود والنصارى في ذلك ، لحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غيّروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود ) رواه النسائي (4986) والترمذي (1674)
وعند مسلم (3924) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى الشيب في شعر والد أبي بكر قال : ( غيّروا هذا بشيء ) ، وعند البخاري (5448) : ( إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم )
وعلى هذا فإن الصبغ من غير وجود شيب لا يُعدّ سنة ولا تأسياً لعدم وجود مقتضيه ولعدم تحقق المصلحة الشرعية الحاصلة بصبغ الشيب