لمحة عن الشاعر الكبير
نعم هو
الشاعر و الأديب العربي اليمني سيدي عبد الرحيم أحمد بن علي البرعي
اليماني. من سكان برع و هو جبل من جبال تهامة من ما يلي اليمن ولد و عاش في
قرية من ذلك الجبل تدعى النيابتين, هي اليوم من محافظة الحديدة. كان يقطن
منطقة برع بطن من حمير ينتسب إليها رجال جلهم من أهل القرنين الثامن و
التاسع كعلي بن أبي شيخ القراء باليمن في زمن الجزري. لم يذكر المؤرخون و
أهل التراجم مولد البرعي و لا طفولته و منشأه و ليس لدينا أي خبر من حياته
إلا ما ذكر الزركلي من أنه أفتى و درس (الأعلام ترجمة البرعي) و يتضح من
شعره انه كان على قدر رفيع في اللغة و السيرة النبوية و أنه كان يميل إلى
التصوف و أصحابه، تتلمذ على الشيخ همر بن محمد العُرابي و مدحه و هذا الشيخ
من أصحاب الخرقة و من السائحين الذين يعتقد فيهم الكرامات. و لا يبدو أن
البرعي كان من أهل السياحة بل لم يكن يحتمل النأي عن وطنه و بنيه الذين كان
شديد العطف عليهم مدح من أهل الفضل و الرياسة بنو مكدش بطن من السمالعة
باليمن منهم الفقيه الإمام محمد بنه وقد دأب على مدح الأفاضل العلماء دون
الأغنياء و العظماء. و جُل جلسائه و أصدقائه من ذوي الفضل، و لعل استنكافه
عن مجالس الأمراء تعفّف منه على أن من الأفاضل الممدوحين من كان يضاهي
الأغنياء في ثرائهم و إسماعيل المكدس (ت 778) و ولده عمر صاحب العلم و
الجاه (ت 840) من هؤلاء و صفهم الزبيدي ببيت الرياسة و العلم في بلادهم.
توفي ببرع بين بنيه و ذويه في تاريخ مختلف فيه إلى حد أنّ بعضهم كأحمد خير
بك في (إزالة الشبهات ) و البابني في ( هدية العارفين) ذهبا إلى انه من
رجال القرن الخامس و هو وهم لا شك. و أما الزركلي فيقدم تاريخا لست أدري
أين وجده وهو على كل أقرب إلى الحق من القول السابق. يقدم الزركلي سنة
803هـ و إنما أتساءل عن مصدره لأن البرعي مدح الشريف حسين الأهدل و هو أحد
رجال بني علي الأهدل شرفاء من أهل المراوعة وزبيد مدحهم البرعي كثيرا إلا
أن الحسين هذا ولد سنة 779 ونزل الرماغة حيث ذووه سنة 795 كما أورد السخاوي
فأنى يمدحه البرعي بقوله:
فهذا و إن كان العقل لا يمنع أن يمدح به شيخ هرم شابا لمّا يبرز بعد فإن
العرف يأباه ثم إن كثيرا من ممدو حيه توفوا سنين بعد 803 كأحمد الأهدل
المتوفى 819 هـ و أحمد بن أبي بكر الرداد المتوفى كما تقدم سنة 821 هـ. و
على كل فقد ذكر المرتضى أن له مقاما عظيما ببلدته و ذرية صالحة. أما ديوانه
فأكثره في المدح النبوي و الابتهالات. و هو عند النقاد يمثل درجة عالية من
هذا الفن. بل إنه يحسب من طبقة البصيري و للصوفية ولع بشعره, و في
موريتانيا يكثر المطربون من الغناء به. يرى كثير من الناس أن في شعره غلو
ومخالفات عقائدية.
قصائده الشعرية من اروع ماقيل في عصره
وإليكم هذه القصيدة كمثال==
تجلتْ لوحدانية ِ الحقِّ أنوارُ== فدلتْ على أنَّ الجحودَ هوَ العارُ
وأغرتْ لبداعي الحقِّ كلَّ موحدٍ== لمقعدِ صدقٍ حبذا الجارُ والدارُ
وأبدتْ معانيَ ذاتهِ بصفاتهِ== فلمْ يحتملْ عقلَ المحبينَ إنكارُ
تراءى لهمْ في الغيبِ جلَّ جلالهُ== عياناً فلمْ يدركهُ سمعٌ وأبصارُ
معانٍ عقلنَ العقلَ والعقلُ ذاهلٌ ==وإقبالهُ في برزخِ البحثِ إدبارُ
إذا همَّ وهمُ الفكرِ إدراكَ ذاتهِ== تعارضَ أوهامٌ عليهِ وأفكارُ
و كيفَ يحيطُ الكيفُ ادراك حدهِ ==وليسَ لهُ في الكيفِ حدٌّ ومقدارُ
وأينَ يحلُّ الأينِ منهُ ولمْ يكنْ== معَ اللهِ غيرَ اللهِ عينٌ وآثارُ
ولا شيءَ معلومٌ ولاَ الكونُ كائنٌ ==ولاَ الرزقُ مقسومٌ ولاَ الخلقُ إفطارُ
ولا الشمسُ بالنورِ المنيرِ مضيئة== ٌ ولا القمرُ الساري ولاَ النجمُ سيارُ
فأنشأَ في سلطانهِ الأرضَ والسما== ليخلقَ منها ما يشاءُ ويختارُ
وزينَ بالكرسيِّ والعرشِ ملكهُ ==فمنْ نورهِ حجبٌ عليهِ وأستارُ
فسبحانَ منْ تعنو الوجوهُ لوجههِ ==ويلقاهُ رهنَ الذلِّ منْ هوَ جبارُ
ومنْ كلِّ شيءٍ خاضعٌ تحتَ قهرهِ== تصرفهُ في الطوعِ والقهرِ أقدارُ
عظيمٌ يهونُ الأعظمونَ لعزهِ ==شديدُ القوى كافٍ لذي القهرِ قهارُ
لطيفٌ بلطفِ الصنعِ فضلنا ==على خلائقَ لا تحصى وذلكَ إيثارُ
يرى َ حركاتِ النمل ِفي ظلمِِ الدجى== ولمْ يخفَ إعلانٌ عليهِ وإسرارُ
و يحصى عديدَ النملِ والقطرِ والحصى== وما اشتملتْ نجدٌ عليهِ وأغوارُ
ووزنَ جبالٍ كمْ مثاقيلَ ذرة ٍ== ذراها وكيلُ البحرِ والبحرُ تيارُ
أضاءتْ قلوبُ العارفينَ بنورهِ== فباحتْ بأحوالِ المحبينَ أسرارُ
وشقَّ علاَ أسمائهمْ منْ علاَ اسمهِ== على الأصلِ فهو البرُ والقومُ أبرارُ
فذاكَ الذي يلجأْ إليهِ توكلاً ==عليهِ ويعصى َ وهوَ بالحلمِ ستارُ
فأدنى للخلق منَ بابَ فضلهِ== لتحمى إساءاتُ وتغفرَ أوزارَ
وضامئة ُ الآمالِ تسعى َ حوائباً ==إلى موردِ استغفارهِ وهو غفارُ
تسبحُ ذراتُ الوجودِ بحمدهِ== ويسجدُ بالتعظيمِ نجمٌ وأشجارُ
و يبكي غمامُ الغيثِ طوعاً لأمرهِ ==فتضحكُ مما يفعلُ الغيثُ أزهارُ
و ينشقُّ وجهُ الأرضِ عنْ معشبِ الثرى َ== وتجري ولا يجري سوى َ الله أنهارُ
وإنْ غردَ القمريُّ شكراً لربهِ ==تجاوبهُ بالسجعِ أيكٌ وأطيارُ
وإنْ نفحتْ هوجُ النسيم ِ تعطرتْ== بهِ خلعُ الأكوانِ فالكونُ معطارُ
تباركَ ربُّ الملكِ والملكوتِ منْ ==عجائبَ يرويهنَّ بدوٌ وحضارُ
فيا نفسُ للإحسانِ عودي فربما== أقلتِ عثاراً فابنُ آدمَ معثارُ
ويا فرنة َ الأحبابِ بالرغمِ لا الرضا ==لعلَّ بلطفِ اللهِ تجمعنا الدارُ
فأصبحَ في الأرضِ البعيدة ِ عهدها== فلا ثمَّ أوطانٌ ولا ثمَّ أقطارُ
وأدركَ منْ ريحانة ِ القلبِ نظرة== ً وراها لصومِ القلبِ عيدٌ وإفطارُ
إلهي أذقني بردَ عفوكَ واهدني ==إليكَ بما يرضيكَ فالدهرُ غرارُ
وصلْ حبلَ أنسي باجتماعِ أحبتي== ففي صرم ِحبلِ الأنسِ يشمتُ غدارُ
وصنْ ماءَ وجهي عنْ مقامِ مذلة ٍ== وحصنهُ منْ جورِ الطغاة ِ إذا جاروا
فإني بتقصيري وفقري وفاقتي== على أملٍ منْ مصرِ جودكَ أمتارُ
خلعتُ عذارى واعتذرتكَ سيدي ==ولمْ يبقَ لي بعدَ اعتذاريَ أعذارُ
فقلْ فزتَ يا عبدَ الرحيمِ برحمتي ==وطبتَ ولا خزيٌ لديكَ ولا عارُ
وأكرمْ لأجلي منْ يليني وأعطنا ==منَ النارِ أمناً يومَ تستعرُ النارُ
وصلِّ على روحِ الحبيبِ محمدٍ ==حميدِ المساعي فهوَ في الخلقِ مختارُ
وأزواجهِ والآل والصحبِ إنهمْ== لهُ ولدينِ الحقِّ بالحقِ أنصارُ