1- عبد الكريم وحق العودة:
كثر السجال والجدل حول مسألة إعادة رفات
الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى وطنه ودفنه في مسقط رأسه، بلدة
أجدير، عاصمة جمهورية الريف المنسية، كانت الفكرة ككل الأفكار النضالية
التي تتحدى السائد من تهميش للريف ولرجالات الريف، طرحت الفكرة وتم تبنيها
من لدن أكثر من طرف، وخاصة من طرف مناضلي القضية الأمازيغية. وقد أصبح
للفكرة/ المطلب موقع أساسي ودائم في بيانات الحركة الأمازيغية بكل مكوناتها
سواء بالريف أو في عموم المغرب...
بعد بداية ما سمي بالعهد الجديد،
وبعد تأسيس "هيأة الإنصاف والمصالحة" طرحت الفكرة في سياق إدماجها في عمل
الهيأة كآلية من آليات المصالحة مع الريف وتاريخه... طبعا هنا بدأت تطرح
الأسئلة وتقرأ السيناريوهات.. خاصة وأن المخزن خبير في المقالب وتمييع
المطالب..
فكان أن بدأ خطاب جديد بشقين: الأول يقول برفض عودة رفات
مولاي موحند إلى الريف في الوقت الراهن حتى تتحقق شروط عدة من بينها تنمية
الريف تنمية حقيقية... والثاني يقول برفض عودة مولاي موحند بصفة نهائية
وتركه ينعم بهدوء مقبرته في مقابر العباسية القاهرية...
طبعا، وبعد خمس
وأربعين سنة من رحيل مولاي موحند، لم يصل بعد المغرب إلى أن يكون في مستوى
طموحات البطل وآماله، ولم يصل الريف وأبناؤه إلى أن يكونوا في مستوى تطلعات
ابن عبد الكريم ورجائه، ولم يستطع الريفيون والأمازيغيون عموما أن يتمثلوا
مقولاته وأفكاره، فلا تنمية في الريف، ولا تعليم ولا حرية، ولا ديمقراطية
في المغرب ولا سيادة للقانون فيه ولا علمانية ولا حداثة... ولا أي شيء مما
كان الزعيم يتوق له سواء في زمن جمهورية الريف، أو في زمن لجنة وجيش تحرير
شمال أفريقيا قبل وبعد الاحتقلال...
إذن في بداية القرن الواحد والعشرين لم نستطع بعد تحقيق الحد الأدنى من تطلعات مؤسس جمهورية الريف في بداية القرن العشرين...
لكن هل هذا كاف للتراجع عن مطلب عودة رفات مولاي موحند ليدفن في مسقط رأسه، بل ورفضه بحجة أو بأخرى؟؟
أعتقد
أنه على العكس هذا ما يدفعنا للتأكيد والإصرار على استعادة مولاي موحند
لوطنه، ليكون قريبا منا يرشدنا ويذكرنا بفكره وعبقريته، يقدم لنا في كل
صباح ومساء من على ربوة أجدير دروس الكفاح والصمود والنضال في وجه
الاسترزاق والانتهازية التي أضحت بديلا لكثير من الريفيين عن قيم المقاومة
والتحدي التي أصلها مولاي موحند في وجدان إريفيين...
لن تكون عودة مولاي
موحند عودة تابوت ليدفن بحضور بضع عشرات من الأشخاص في مقبرة أجدير، بل
يجب أن تكون عودة بمقاييس تليق بمؤسس أول جمهورية أمازيغية وإفريقية
وإسلامية (إسلامية بالمفهوم الجغرافي)، سواء من حيث الاستقبال الذي يجب أن
يكون رسميا وبحضور أعلى السلطات السياسية في المغرب وإسبانيا وفرنسا –كما
اقترح البعض- وأيضا وأساسا باستقبال شعبي جماهيري ضخم تكريما للبطل ومكانته
التاريخية والفكرية كأحد أبرز العباقرة الأمازيغ عبر التاريخ...
ودون
أن تعني هذه العودة إغلاق ملف الحقيقة والإنصاف في الريف، والذي سيبقى
مفتوحا لغاية تحقيق دفتر تحملات في مستوى تضحيات الريف وأبنائه... على جميع
المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...
2- مولاي موحند والقضية الأمازيغية:
من
علامات عبقرية مولاي موحند أنه "جاء في زمن غير زمنه" وإدراكه لهذه
الحقيقة وتأكيده عليها في أقواله... لقد استبق مولاي موحند مطالب الحركة
الأمازيغية المغربية بحوالي قرن من الزمن، عندما درس الأمازيغية في مدارس
مليلية بداية القرن العشرين كما أشار إليه "ميغيل مارتين" وأكده "د. محمد
أوني"...
هذا لا يعني أن مولاي موحند كان يتبنى القضية الأمازيغية وفق
مطالب الحركة الأمازيغية في نهاية القرن العشرين، بل يعني فقط أن تدريس
الأمازيغية لم يكن طابو لدى ابن عبد الكريم ولم يكن يعتبره مساسا باللغة
العربية ولا مقدمة للفتنة والتقسيم كما أصبح ينظر إليه مغاربة "اللطيف"
وبعض مغاربة القرن الواحد والعشرين...
يعتبر مولاي موحند رمزا من رموز
وقادة الشعب الأمازيغي الأساسيين في أدبيات الحركة الأمازيغية بعموم
مكوناتها، وذلك باعتباره واحدا من أبرز المدافعين والمستلهمين للقيم
الأمازيغية عبر التاريخ، خاصة قيمة المقاومة وعدم الخضوع وهي القيمة التي
دفعت إيمازيغن أن يكونوا أول من بدأ وآخر من أنهى المقاومة ضد الاستعمارين
الفرنسي والإسباني بالمغرب وبعموم شمال أفريقيا، في مقابل المهادنين من
سكان المدن الذين تشبعوا بقيم الطاعة والخضوع التي تعد من أبرز قيم الثقافة
العربية الإسلامية...
- عبقرية مولاي موحند وفرادته في التاريخ الأمازيغي الحديث والمعاصر،
- ثقافته الموسوعية واطلاعه على آخر المستجدات العالمية باعتباره أول صحفي ريفي وأمازيغي ومغربي،
- تأسيسه لأول جمهورية أمازيغية ديمقراطية في شمال إفريقيا،
- تطويره لأساليب جديدة في حرب العصابات التي أبدعها عبقري أمازيغي آخر في العصر القديم هو تاكفاريناس،
- تدريسه للأمازيغية في وقت جد جد مبكر،
- تأسيسه لجيش تحرير شمال أفريقيا،
- إعجابه بالتجربة العلمانية التركية في بواكيرها الأولى،
- إعلانه لموقفه الصريح الرافض لدستور الحسن الثاني الممنوح سنة 1962 باعتباره دستورا غير ديمقراطي،
هذه
الملامح وغيرها، كلها جعلت مولاي موحند بطلا ورمزا أمازيغيا كبيرا علينا
جميعا أن نستفيد من تجاربه وفكره وعبقريته، نحن الذين بقينا أيتاما في
مأدبة لئام آخر الزمان...
3- مولاي موحند والديمقراطية:
عرف عن الشعب
الأمازيغي عبر التاريخ، أن مؤسساته مؤسسات ديمقراطية، يشارك الجميع في
بلورتها وتشكيلها، سواء في هياكل القبيلة الأمازيغية باعتبارها وحدة ومؤسسة
سياسية –عكس القبيلة العربية التي تعتبر وحدة سلالية عرقية- أو في
الاتحادات القبلية الكونفدرالية التي تعتبر مؤسسات سياسية أعلى درجة وأكثر
أهمية...
على نفس المنوال –ولكن بدقة أكبر وأفق استراتيجي أوضح- نسج
مولاي موحند بإتقان جمهورية الريف كاتحاد فدرالي بين قبائل الريف، لكل منها
ممثليها في الجمعية الوطنية، التي تنتخب حكومة الجمهورية ورئيسها، وهي
الجمعية التي سنت دستور الجمهورية وأقرته... هذا العمل الديمقراطي الذي
أرسى أسسه محمد بن عبد الكريم الخطابي في زمن جمهورية الريف بداية القرن
العشرين، واصل مولاي موحند الإيمان به إلى غاية آخر يوم في حياته، حيث كان
أول من عبر في حينه عن موقف واضح ورافض للدستور الممنوح من طرف الحسن
الثاني، ودعا إلى دستور ديمقراطي تضعه جمعية تأسيسية، يفصل السلط ويقر
الحقوق الأساسية للمواطنين...
فيما يشبه الخلاصة:
رغم ما كتب عن
مولاي موحند ورغم ما قيل عنه، فإنه ما زال لم يوفى حقه في الدراسة
الموضوعية، باعتباره هرما أمازيغيا حقيقيا في مستواه الفكري والسياسي
والعسكري، وهي الخصائص التي قلما اجتمعت في شخص واحد عبر التاريخ، غير أنها
اجتمعت في مولاي موحند الذي كان بذلك شخصية القرن العشرين ومدرسة الثورة
والقيم النبيلة...
* هذه فقط خواطر سنحت في ذكرى رحيل عبقري عظيم من
عباقرة شمال أفريقيا الأمازيغي، لن تفي البطل حقه... هي فقط مساهمة بسيطة
في أسبوع التدوين حول مولاي موحند الذي أقره اتحاد المدونين الأمازيغ..