لا بد أن جدتي أشفقت لحالي وأعطتني لغزا ينسيني هم البطالة والمشاكل والوساوس الشيطانية...
(لقد عاشت هي عمرها والآن تريد أن تخرب عمري بهذه التفاهات، حتى تمنيت أن أصير صوصا.. يا لغبائي).
توجهت
إلى مقهى الحي وجلست هناك وحيدا على طاولة لا يرافقني فيها إلا كأس شاي
صغير، كنت مسافرا إلى أبعد من المكان هائما على وجهي وكأن نفسي لم ترضى
بهزيمتي أمام لغز جدتي.
وفجأة.. دخل مجموعة من الرجال يمسكون بأيدي بعضهم البعض ويضحكون ضحكات غير بريئة، بل كان كل منهم يتمسح بالآخر كأنه صعيد طيب.
إنهم
معروفون هنا، الكل يعرفهم (سي بوشرّة) (وكارلوس) (الحاج بلاش) (كاميكاز)
إنهم بمثابة شيوخ العرش في قريتنا، إنهم الذين يدافعون عن مصالح حينا...
من المفروض أنهم تسعة ولكنهم صاروا أربعة...
كان الدكتور عبدو واحدا منهم فأبعدوه بحجة أنه يسأل كثيرا ويحب أن يفهم.
أما
بومدين فاستقال لأنهم فرضوا عليه الجزية مقابل السجائر التي يبيعها، رشيد
السايح تزوج وهرب منهم بعد أن خاف على أسرته الصغيرة، سمير اتهموه بالزنا
وهددوه بأن أربعتهم سيشهدون ضده إن هو تدخل في مصالح المواطنين...
الفرد
التاسع كان رئيسهم وكبيرهم (أخي مارق) والذي أعطاهم وكالة حصرية ليتصرفوا
على هواهم كيفما شاءوا وذهب هو ليعمل في المديرية الولائية.
(كالعادة يا قهواجي) هكذا صاح سي بوشرة في ساقي المقهى.
(حفظتها من ثلاث سنوات يا سي بوشرة) وهكذا رد عليه.
كان كل واحد منهم يطعم الآخر بيديه، ويقول : (بالعافية عليك أخي).
سبحان الله هذا هو حالهم منذ أن صاروا أربعة، منذ ثلاث سنوات، دائما مع بعضهم البعض، لا ينكر أحد منهم على الآخر ولا يعارضه...
لا أصدق أنهم متفقون على كل شيء وفي كل شيء طوال هذه السنوات...
أخيرا صرت صوصا في المقهى وسمعت حكاية الدجاجة وعرفت القاقة الخامسة...
وعرفت لماذا كانت اللعنة في الكذب والغضب في الصدق... إنها النفاق.. النفاق.......