بسم الله الرحمان الرحيم

ها هي تركب القطار وقد أظلم الليل عليها كالعادة ,فهي
تعمل طول النهار دون توقف لتلبي حاجيات لاترحم. و لما ركبت القطار, كانت
جالسة أمام رجل

كلما مر القطار بمصباح ينعكس الضوء على وجهه, فتقول في
سرها: هذه العيون ليست بغريبة علي. و بعد محاولات عصرت فيها ذاكرتها
للتذكر, أخيرا:

هْهْه ,أيعقل أن يكون هو ?أما هو فلم يشك بتاتا أنها هي,
لأن الزمان محى الكثير من علامات جمالها, و لأن عيونها اللتي كانت تترقرق
بكلماته الغزلية

صارت كوردة ذبلة, و لم يبقى في عنفوان الشباب سوى النظرات المتسائلة .فسرحت في الماضي يوم استيقظت صباحا ,و لم تجد سوى مكانه ,و ظلت

تنتظر عودته أياما ,و شهورا, ثم أعواما ,لكن بلا جدوى.
بل و أكثر ما المها أنها غدت سيرة الجيران, و قصتهم المفضلة اللتي اللتي
صارت كعكا يشرب

مع القهوة و الشاي. تركها لأسئلة تطاردها لا تجد أجوبة
تسكتها و صبي يجلدها كل يوم بصوت يقول: أين أبي ?اه ,كم احتملت من جراء فقد
حبيب

رفضت الكل لأجله ,و دافعت بكل قواها لنيله ,ثم تركها
مشفيا غليل أعدائها .و ها هو اليوم رمته الصدفة أمامها ,ها هما تلتقي
أعينهما من جديد ,

لكن لسانها عاجز عن التأكد, خوفا أن يكون هو ,ربما لأنها
في تلك الحالة ,لن تعرف أي سؤال بالضبط ستسأله ,من بين المئة سؤال الدائرة
في ذهنها ,

أو ربما تخاف أن يرد بجواب يفقدها صوابها فتخنقه .و فجأة ,توقف القطار و سمعت أقداما تسرع نحوهما, ثم أضاء مصباح يحمله شرطي برفقته

اخرين اتجاهه: أخيرا وجدناك أيها المجرم عزيز, فاصفر هو و
لم يجد مفرا ,و قبض عليه ليلقي بها و هي مذهولة, مشلولة اللسان ,لأسئلة
أقسى

لا يعلم جوابها إلا الله سبحانه و تعالى .