تم
الري بالتنقيط بوساطة أنابيب مثقبة لتأمين رطوبة دائمة متحدية جفاف المناخ
ونفوذية التربة. وكلما كانت نفوذية التربة قوية، دُفنت في مكان توقع
انتشار الجذور كراتٌ أليفة الماء (هيدروفيلية) قادرة على امتصاص بضع مئات
وزنها من الماء الذي تعيده ببطء فيما بعد. كما استخدم موضب آخر لمنع التبخر
النهاري لسطح التربة وللإقلال من هدر الماء وتركيز الأملاح وذلك بنشر
مستحلب من المواد البلاستيكية الكارهة للماء (هيدروفوب) على سطح التربة
[انظر الشكل 5].
غالبا ما تروى هذه الأراضي المنتزعة من
الصحراء بالري الدوراني الذي يوزع الماء على دفوف ممتدة بضع مئات من
الأمتار بعيدا عن موقع وصول المياه الجوفية. يجب أن تُحمى هذه الزراعات
المهدَّدة بشدة التبخر من الإرمال ومن الانجراف أثناء عراء التربة. فإذا
سمحت مردودية الزراعات عُدِّلت أبعاد أجزاء التربة لتجمع في جموع تتجاوز
أقطارها المليمتر قادرة على مقاومة الانجراف بالرياح: وفيما يلي طريقة
توضيب أخرى لتجميع الأجزاء الناعمة للتربة.
تسمح هذه
التقانة اليدوية المستخدمة لمواد بلاستيكية مستعملة بتكوين موضبات مانعة
لانجراف التربة وقابلة للتفكك البيولوجي. يكفي تسخين البلاستيك المستعمل
دونما تنقية إلى أكثر من 80 درجة سيلزية حتى يتحول إلى قوام عجيني. ثم تضرب
العجينة البلاستيكية بعد ذلك بماء حار مع كمية صغيرة من مواد مساعدة على
تحويل الخليط إلى مستحلب. تمكننا هذه الوصفة من التخلص من النفايات
البلاستيكية المتزايدة بتزايد توسع المدن وتوسع الزراعة ضمن الدفيئات. وقد
استعملت هذه المنتجات بصورة تجريبية مبدئية في كل من مصر وتونس.
الدفيئات هي الواحات المرتقبة
قلما
تتلاءم النباتات مع الزراعة المكشوفة في المناطق الصحراوية وذلك لتعرُّضها
إلى تغيرات كبيرة في ارتفاع درجات الحرارة وكمية الرطوبة وشدة الرياح. ففي
الواحات التقليدية تتحقق حماية النبات بإقامة حزام مرتفع من النخيل تتدرج
تحته نُطُق من زراعات مختلفة. ولكن بعض الأشجار كالمشمش تفضل الأوساط
المكشوفة المشمسة وتأبى النمو في ظلال أيكات النخيل لكونها شجرة متطلبة
للضوء ولا تتأثر ببرودة الشتاء لأنها ساقطة الأوراق. كما أن محاصيل الحبوب
والنباتات الرعوية قادرة على تحمل القسوة المناخية في حين أن محاصيل الخضر
لا تستطيع الحياة دونما دفيئات تحميها من شدة التبخر الذي يرفع معدل
الاستهلاك المائي نتيجة تباين درجات الحرارة، كما تحميها من طلقات رُشَاش
حبات الرمل المنقولة مع الرياح.
تمسك الدفيئة في جنوب
المغرب ما بين 70 و 90 في المئة من الرطوبة التي تتطلبها زراعة الخضر
والأشجار المثمرة. ومفعول الدفيئة الذي تنشده أوروبا والمتمثل برفع الحرارة
داخل الدفيئة غير ملائم بل يجب تجنبه في المناطق الصحراوية إما بالتهوية
الجيدة للدفيئة، أو بمضاعفة غلفها أو بتعريض الهواء الداخل إلى الدفيئة إلى
حاجز مبخر للماء بهدف تبريده. وعلى الرغم من كل هذه التدابير فإن الحرارة
المرتفعة فوق 30 درجة تؤدي إلى إيقاف الزراعة ضمن الدفيئات خلال أعلى شهرين
حرارة في السنة.
6.إحلال الدفيئات محل الواحات في
زراعة الأوساط الصحراوية (في اليسار)، ففي القبلي بتونس تؤمن التدفئة شتاء
باستخدام المياه الجوفية التي تُحوَّل بعد تبريدها إلى الري بالتنقيط (في
اليمين).
وبالمقابل يجب رفع حرارة الدفيئة في شمال
الصحراء حيث يكثر الصقيع، ففي القبلي بتونس تستخدم الطاقة الحرارية الأرضية
المجانية الصادرة عن الماء الساخن المنطلق من بئر ارتوازية للتدفئة شتاء
أو لتحقيق عملية تحفيز النبات على الإزهار، ثم تستخدم المياه بعد ذلك للري
بالتنقيط [انظر الشكل 6].
تسمح الدفيئة، بالرغم من صنعية
تربتها وهوائها، بتوفير أكثر من 50% من المياه التي تتطلبها زراعة الواحات،
كما يزيد مردودها، وتسهُل فيها مراقبة الأمراض الجرثومية والطفيليات، كما
تتطلب زراعة الدفيئات رأس المال والتسويق السريع واستمرارية الإنتاج.
لقد
عدَّلت التقنيات الحديثة من مفهوم الدفيئة التقليدي، بالاستعاضة عن
المأطورات (البيوت) الزجاجية منذ أعوام 1950 بأقمشة مرنة من مواد بلاستيكية
خففت وزن الهيكل وبسَّطته وخفضت تكاليفه على الرغم من أن عمر الأقمشة
البلاستيكية أقصر من عمر الزجاج، كما أنها قابلة للاحتراق والتمزق
بالعواصف، وصعبة الإقامة لتمددها وتقلصها بالتغيرات الحرارية. فضلا عن ذلك
فإن مخلفاتها أصبحت، أخيرا، مصدرا ملوِّثا لا يمكن التغاضي عن مساوئه.
وبالرغم من هذه الصعوبات فقد اتسعت مساحة الدفيئات في الجنوب التونسي من
1.3 إلى 87 هكتارا ما بين الأعوام 1985-1994، كما يتوقع أن تصل هذه المساحة
إلى 500 هكتار عام 2000. إن تقنية الدفيئات تتقرب بشدة من مفهوم التنمية
المستدامة، وعلى الرغم من أن كل مكوناتها مصنعة فإن كل ما في الدفيئة قابل
للمراقبة أو الاستبدال.
الموارد المائية
يستدعي
التوسع في هذه الزراعة الجديدة ازدياد الحاجة إلى الموارد المائية. فقد
تضاعف استخراج المياه الجوفية في تونس ما بين 1980-1985، وزاد بنسبة 36% في
الفترة ما بين 1985-1990. وارتفعت نسبة استثمار المياه الجوفية في الجنوب
التونسي حتى وصلت إلى نضح 96% من مخزون المياه الجوفية الموزعة على 000
13بئر. وستصل مستودعات سدود المياه والآبار الارتوازية إلى حدود إنتاجيتها
القصوى على المدى الطويل. وستطرح مسألة التنمية المستدامة للموارد المائية
لا محالة بعد طرح مسألة التنمية المستدامة للتربة.
لقد سمحت
سدود التخزين الكبرى بنشر الزراعات المروية ودعمت زيادة مردودها، وأبطلت
مفعول فصل الجفاف الطويل وتردد السنوات العجاف، كما قدَّمت المياه الشروبة
(الصالحة للشرب) للمدن والسياحة بكل إمكانياتها. تتزايد تكاليف إقامة هذه
السدود كلما قربت من المناطق القاحلة بسبب زيادة أبعادها، وذلك لتتمكن من
استيعاب حصيلة عدة سنوات تقررها عدم نظامية أمطار المناطق القريبة من
الصحراء، إضافة إلى قصر أجلها بسبب تراكم وَحْل المنحدرات المتصحرة المحيطة
بها. ويتراوح تناقص سعة هذه السدود في الجزائر والمغرب ما بين 2 و 3 في
المئة سنويا، وهكذا يطفح السد بعد بضعة عقود: إن ديمومة أعمال صيانة
منحدرات الأحواض وارتفاع تكاليفها تمثل عقبات يصعب تجاوزها.
تبدد
هذه السدود جزءا مهما من مخزونها المائي: فكلما اتسع سطح المستودع زادت
كمية المياه المبددة. ففي سد أسوان المقام في مناخ شديد القحولة يتجاوز حجم
المياه المبددة في حدوده القصوى أكثر من عُشْر حصيلة النيل. وقد اتخذت
إجراءات مختلفة لتجنب تبديد المياه مثل نشر غشاوة وحيدة الجزيء بين الماء
والهواء كدريئة للتبخر، ولكن فعالية هذه الإجراءات مازالت تتطلب التوضيح.
وللحد
من كلفة بناء السدود وكمية المياه المخزونة تقام بحيرات جبلية فوق وديان
صغيرة تتجمع فيها الأمطار خلال بضعة أشهر فقط في مستودع يروي قطاعا صغيرا.
إن إقامة مثل هذه الدكوك digue الترابية تقع ضمن طاقة السكان المحليين في
أغلب الأحيان، كما أنها لا تغمر مساحات واسعة من الأراضي الطميية الصالحة
للزراعة.
تخزين المياه في باطن الأرض
إن الإكثار من
سطوح المياه الحرة ولو فصليا لا يفضي إلى حل مشكلة تبديد المياه بالتبخر،
لذا وجب التوصل إلى أشكال جديدة لتخزين المياه في أسفل الحوض في مستوى
المياه الجوفية للتربة اللحقية بمعزل عن التبخر بدلا من إقامة السدود في
الأعلى وبتماس مع الهواء الطلق. يكبح سد عولوز، في أعلى وادي سوس بالمغرب،
الفيضانات موجها الماء إلى التسرب في التربة ومحتفظا بكمية أخرى منه لتتسرب
تدريجيا في المياه الجوفية للتربة اللحقية في سهل سوس. والأمر الذي يؤسف
له في هذا المجال هو تعذر استعمال هذه المخزونات المائية اعتمادا على عوامل
الثقالة: بل يجب ضخ المياه، الأمر الذي يزيد التكاليف. يتطلب هذا المدد
الصنعي للمياه الجوفية وجود حجوم مناسبة من التربة اللحقية، ولكنه يعوض
الإفراط في استثمار تلك المياه ويجنب ضياع المياه بالتبخر خلف السدود أو في
الأحواض التي تخلِّف فيها المياه أملاحها.
تبقى مسألة بناء
سدود التخزين أساسية من أجل كبح الفيضانات وتوليد الكهرباء وتزويد المدن
بالمياه الشروبة. وهكذا يتطلب الاستصلاح المثالي الربط بين إقامة الحواجز
المضادة للانجراف في أعلى المنحدرات وبين سدود تخزين المياه وسدود ضخ
المياه الجوفية حسب الشروط المحلية [انظر الشكل 7].
7.تعدد
أساليب إدارة الموارد المائية (في الوسط): من مساوئ إقامة سدود تخزين
المياه وتوليد الكهرباء تكوُّن الوحل الناتج من انجراف تربة الهضاب، وفقدان
كميات كبيرة من المياه بالتبخر (السهم الأحمر). تقام المدرجات لتخفيف شدة
المنحدرات وتُزرع الأشجار لتخفيف الانجراف وتعتبر سدود الروابي أو التلال
المقامة في أعلى الوديان أقل كلفة وأسهل صيانة. ويقاوم التبخر بحفظ المياه
داخل التربة بإقامة دكوك كابحة للسيل وداعمة لارتشاح الماء الذي يُضخ بعد
ذلك بطريقة آلية لري المزروعات (الأخضر). وتُستخدم المياه الجوفية في
الصحراء الصرفة لري الزراعات فوق الرمال في دفوف أو مساطب دورانية كبرى.
وتتحقق التنمية المستدامة للموارد المائية بنشر معامل نزع ملوحة ماء البحر
ومعامل إعادة معالجة الماء الأجاج.
يقدم السبر
الهيدرولوجي للأعماق موردا مهما آخر لمياه الري، ممثلا بالمياه الجوفية
التي لا ترتبط كمياتها بالتغيرات السنوية لكميات الأمطار. ففي جنوب المغرب
قلما، أو نادرا ما، يتحقق تجدد المياه الجوفية، الأمر الذي يستدعي
استثمارها كمورد منجمي معرَّضٍ للنضوب خلال بضعة عقود أو في الحالات القصوى
خلال قرن، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الضخ كلما تقدم الاستثمار الذي يؤدي
إلى الانخفاض التدريجي لمستوى المياه الجوفية. إن مثل هذه المياه الجوفية
نافعة بصورة مؤقتة في مقاومة التصحر.
الري بمياه البحر
هناك
تقنيات أخرى تحقق التزود بالمياه: فالسقاية المتكررة والغزيرة بماء أجاج
تغسل الأملاح بطريقة تمنع صعود الأملاح بالآلية الشعرية. كما أوضحت التجارب
في المغرب ثم في مصر وتونس بأن الري بملوحة من مستوى 105 مليغرام في اللتر
رفع حتى المردود في بعض شروط التربة شديدة النفاذ، فالتسرب السريع للمياه
نحو الأعماق يجرف الأملاح الأكثر قابلية للانحلال، كما يسمح بتهوية الجذور
بين فترات السقاية. وتتوضع الأملاح مغشية حبات الرمل في حين تمتص الجذور
الماء العذب الناتج من الندى المتكثف مباشرة عن التبخر ضمن التربة، كما أن
الإلمام بمعرفة آلية التوازن بين الأملاح المختلفة وبصورة خاصة بالعلاقة
بين الصوديوم والبوتاسيوم يسمح من ناحية أخرى بتصحيح الآثار الضارة لبعض
الأملاح باستخدام أملاح أخرى أكثر إيجابية. ففي بعض الترب الرملية العالية
النفوذية، تروى الزراعة فوق الكثبان الرملية حتى بماء البحر وذلك بصورة
خاصة في فلسطين وبعض دول الخليج. كما أن الأبحاث الجارية حول الجينات
(المورثات) الخاصة بالتعرق ومقاومة الأملاح إضافة إلى ما تقدم، تفتح الأمل
أمام تحسين تحمل النبات للملوحة.