الحجاب قناعة أم قناع...؟
"الحجاب في القلب وفي الأعمال والتصرفات وليس في اللباس أوالزي"، هكذا عبرت "منى" ذات الأربعة وعشرين سنة وهي طالبة جامعية وليست محتجبة إذ تؤكد صحة رأيها قائلة: "لم أتجرأ بعد على ارتداء الحجاب رغم أن أغلب صديقاتي محتجبات، وأفكر أن أرتديه قريبا، وإنما ليس بالشكل الذي ترتديه بعض الفتيات اللواتي يضعن مساحيق التجميل وأحمر الشفاه بحيث يكن نصف محتجبات ونصف متبرجات"، وتتخوف "منى" من أن تعمد إلى ارتداء الحجاب وعدم القدرة على الالتزام به أو الإخلال بشروط صحته وبالتالي قد تتلقى زمرة من الانتقادات من المجتمع أو من محيطها البيئي، وهي لذلك مترددة في ارتدائه ولا ترى أنه قد يغير في سلوكها وتصرفاتها بنت شفة طالما أنها مقتنعة بتربيتها المحافظة وراضية على نفسها وعلى تكوينها الديني وثقافتها الاجتماعية.
مقال
Email this
Print this
PDF version
فاس: حنان الطيبي
الحجاب فريضة من فرائض الدين الإسلامي واجبة على المرأة المسلمة المتدينة اهتماما بها وحفاظا على قيمتها في الأسرة والمجتمع باعتبارها كائن جميل ومخلوق لطيف خلقه الله على مفاتن مثيرة من رأسه إلى أخمص قدميه، ولذلك فرضه المولى عز وجل حين أوحى لنبيه محمد (ص) أن يأمر بناته ونساء المسلمين بأن يدنين عليهن من جلابيبهن وأن يضربن بخمورهن على صدورهن لأن في ذلك خير وإكرام لهن.
والغرض من ارتداء المرأة للحجاب بالدرجة الأولى هو حجب الأعين والأنظار عن ملاحقتها والتأمل في جسدها بحيث يفرض هذا الحجاب ضرورة الفضفضة والألوان الغامقة، وهو عكس ما نراه في وقتنا الحاضر حيث أصبح الحجاب يتماشى وآخر صيحات الموضة بتصاميم وألوان زاهية تتغير مع عروض أزياء موسمية و"ديفليهات" تقام خصيصا لذلك، بل والأكثر من هذا فهناك بعض الفتيات اللواتي نراهن في الشارع يضعن فوق رؤسهن المنديل كناية على تحجبهن ويلبسن من تحت سراويل "الجينز" التي تكشف عن أدق تفاصيل أجسادهن.
حاولت "المغرب الملاحظ" من خلال تطرقها لهذا الموضوع الاقتراب من بعض الشهادات والاستماع إلى نبض الشارع في قراءة اجتماعية لنظرة المرأة المغربية للحجاب "بكل أنواعه".
تضارب مفهوم الحجاب:
"الحجاب في القلب وفي الأعمال والتصرفات وليس في اللباس أوالزي"، هكذا عبرت "منى" ذات الأربعة وعشرين سنة وهي طالبة جامعية وليست محتجبة إذ تؤكد صحة رأيها قائلة: "لم أتجرأ بعد على ارتداء الحجاب رغم أن أغلب صديقاتي محتجبات، وأفكر أن أرتديه قريبا، وإنما ليس بالشكل الذي ترتديه بعض الفتيات اللواتي يضعن مساحيق التجميل وأحمر الشفاه بحيث يكن نصف محتجبات ونصف متبرجات"، وتتخوف "منى" من أن تعمد إلى ارتداء الحجاب وعدم القدرة على الالتزام به أو الإخلال بشروط صحته وبالتالي قد تتلقى زمرة من الانتقادات من المجتمع أو من محيطها البيئي، وهي لذلك مترددة في ارتدائه ولا ترى أنه قد يغير في سلوكها وتصرفاتها بنت شفة طالما أنها مقتنعة بتربيتها المحافظة وراضية على نفسها وعلى تكوينها الديني وثقافتها الاجتماعية.
أما فاطمة أم علي التي تجاوزت عقدها الثالث بست سنوات وهي صاحبة مكتبة بحي الليدو فقد وجدت راحة نفسية بالغة ومتعة كبيرة في ارتداء الحجاب حيث تقول: " قبل أن أرتدي الحجاب كنت أحس بالكثير من الارتباك حين أتعرض لنظرات بعضهم الثاقبة ممن لا يعرفون غض البصر خاصة وأن أغلب زبائني من الرجال "، وترى فاطمة أن بارتدائها الحجاب قد زادها ذلك قوة وعزيمة وثقة بالنفس ونشاطا وحماسا وكذا مردودا جيد في العمل، وهي التي لقيت رفضا ومعارضة من طرف صديقاتها لما أقدمت عليه حيث تقول بنبرة لا تخلو من فخر وقوة إرادة:" عندما ارتديت الحجاب قبل عشر سنوات لم تستسغ الكثير من صديقاتي هذه المبادرة والتي هي في الواقع فريضة وواجب، حيث رأين أنني أسرعت في الإقدام على ذلك بحكم أنني مازلت شابة وأملك شعرا طويلا وناعما وجسما جميلا، ولأجل هذه الأسباب وعلى عكس صديقاتي فقد ارتديت الحجاب، وليس كون المرأة ليست على درجة من الجمال أو كونها صاحبة مرض جلدي مقزز ك"البرص" مثلا دافع لوضع الحجاب، بل على العكس من ذلك كلما كانت المرأة جميلة إلا وتوجب ارتداؤها للحجاب باعتبارها فتنة وسبب للإغراء".
وتعتقد نسرين البالغة من العمر عقدها الثالث والتي تحضر رسالة الماستر في علوم الاجتماع أن الحجاب طبعا ضروري بالنسبة للمرأة المسلمة باعتبارها فريضة أكثر منها قناعة دينية ونفسية، إلا أنها لا تحبذ النقاب أو الخمار حيث تقول: " ربما لست على ثقافة كبيرة من الدين إلا أني أرى أن الحجاب ضروري للمرأة إنما النقاب فهو مبالغ فيه..بحيث أن المرأة أثناء تأدية فريضة الحج والطواف بالكعبة إلى جانب الرجل يبقى وجهها عاريا ويديها مكشوفتين.."، كما تعتقد نسرين أن بعض الفتيات المنقبات أو المحتجبات يغلون في تصرفاتهن كرفضهن مثلا مصافحة الرجال أو حتى الجلوس إلى جانبهم، وهن بذالك، على رأيها، يعزلن أنفسهن عن المجتمع، "كما أنهن، وخاصة المنقبات، يولين اهتماما وقيمة كبيرتين للذات والجسد بتغطيته كليا دون نسيان فتحة للتنفس، شأنهن في ذلك شأن الفتيات المعجبات بأجسادهن التي يعطينها بدورهن قيمة كبيرة فيكشفن عن مفاتنهن..".
الحجاب قناعة أم تعود:
فتيات ارتدين الحجاب عن قناعة كبيرة وأحسسن بعمق أنه من أهم أسس تكوين شخصية سليمة وقويمة شرط أن يتم ذلك عن طيب خاطر ومن دون ضغط من الأب أو الأسرة، ويرين أنه يلبس عن قناعة وليس كقناع للتستر عن أفعال مشينة، خاصة وأن هناك حالات كثيرة لفتيات ارتدينه لإرضاء أولياء أمورهن وسرعان ما خلعنه لأنهن لم يكن مقتنعات به، كما هو الشأن لأخريات لبسن الحجاب تحت ضغط آبائهن ونجحن ببراعة في إيهامهم بالتمسك به ولكن سرعان ما يخلعنه في أي فرصة أتيحت لهن في حالة تأهب لابسات تحت تلك الملابس المحتشمة أخرى مثيرة غير آبهات لانتقادات المجتمع أو الشارع، وهو ما يؤكده عبد الرحمان سائق سيارة أجرة صغيرة في قوله: "بعض الفتيات يركبن معي في التاكسي مرتديات الحجاب أو الجلباب وما إن أشغل العداد حتى يشرعن في وضع "الماكياج" والتبرج، كما يباشرن في خلع ملابسهن التي يرتدين تحتها ملابس منافية تماما للباس المحتشم الذي ركبن به أول مرة..".
كما ترى بعض الفتيات أن الحجاب هو مسألة تعود ليس إلا، وخاصة إذا ما تم ارتداؤه في الصغر وقبل أن تبلغ الفتاة سن الرشد، حيث تتعود عليه إلى درجة أنها لا تستطيع خلعه مهما كلفها الأمر. وهو ما لا تتفق معه ثريا الأم لطفلة حيث تؤكد بقولها: "من غير المعقول أن نحرم الأطفال من حريتهم وطفولتهم، وأن نشحنهم بمعلومات دينية فوق طاقتهم الاستيعابية وقدراتهم الفكرية وخاصة الإناث..بل يجب تمهيدهم على المستوى النفسي وتبسيط الدين لهم فالدين ترغيب وليس ترهيب..".
ورغم تضارب الآراء حول مفهوم الحجاب وطريقة التعامل معه والنظر إليه، فإنه يبقى اختيارا شخصيا يهم الفتاة بالدرجة الأولى نابعا عن اقتناع راسخ والتزام عميق واحترام وتقدير لهذا "الزي" الذي هو في الواقع فريضة إسلامية قبل كل شيء، وليس مجرد هندام أو "فولار" يغطى به الرأس وتكشف به ممارسات لا أخلاقية إن في السر أو في العلن يحجبها الحجاب الذي لا يعني الالتزام بالنسبة للكثيرات من اللواتي اتخذنه موضة يسايرن بها العصر ويكشفن عن مفاتنهن فيما يشبه خلطة الزيت والماء الغير مجانسة.
[strike]