الناس/ خاص
بين ليلة وضحاها، يفاجأ الوالدان بان طفلهما الصغير أخذ يدانيهما في الطول، وعادة يبث هذا التغير الفرح في نفوس الوالدين مع متابعة التغيرات التي تطرأ على كلا الجنسين في المظهر والتي تكون عادة سريعة جدا.

ومن ناحية أخرى تطرأ تغيرات في السلوك قد تثير قلق الوالدين وتجعلهما في حيرة من امرهما وهما يبحثان عن الطريقة المثلى للتصرف مع المراهق او المراهقة دون ان يتسببا في احداث شرخ في العلاقة بينهما. في الغالب يلقي التربويون الكرة في سلة الاهالي كونهم لا يدركون اهمية التغير الحاصل في بنية المراهق مظهرا وجوهرا بل يستمرون في معاملته كطفل، بينما يلقي المراهقون بالتهم على الابوين في كل مايصادفهما من مشاكل سواء في حياتهما الدراسية او العائلية، فكيف يمكن التوصل الى اسلوب للتعامل مع المراهقين؟

ماهي المراهقة؟
ترجع كلمة "المراهقة" إلى الفعل العربي "راهق" الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.
أما المراهقة في علم النفس فتعني "الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي". وتعليقا على هذا التعريف تقول الدكتورة فوزية الخليل/ استاذة علم النفس التربوي في معهد الدراسات العربية إن " المقصود في التعريف هو الاقتراب من النضج لكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات.

وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني اكتمال الوظائف الجنسية عنده وهو جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة، ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة، ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه".

ومن هذا المنطلق تعلل الدكتورة فوزية سبب الخلافات بين المراهقين واهاليهم "كون الاهالي يظنون ان ظهور شعيرات الشارب لدى الشاب دلالة على اكتمال الرجولة مما يستوجب تصرف المراهق كرجل وان يبتعد عن تصرفات الطفولة والخلافات مع اخوته او اللعب في الشارع مع اصدقائه بينما في الحقيقة ان المراهق مازال لم يجتز مرحلة الطفولة ما يجعل من حقه ممارسة بعض التصرفات الطفولية، وينطبق الامر على الفتيات اللواتي وإن نضجت اجسادهن وتكورت الا ان في داخل كل منهن تبقى بذرة طفولة تظهر بين الفينة والاخرى، وهذا ما لا يقدره الاهالي في الغالب".

ابني سبّب لي جلطة!
(ام رعد) حلمت بان ترى ابنها رجلا، كونها انجبت قبله فتاتين، وما أن صار رعد على ابواب سنته الثالثة عشرة حتى تغير سلوكه تماما. تقول : "كان تلميذا مجدا في المرحلة الابتدائية، وحصل على قبول في مدرسة المتميزين، وفجأة تردى مستواه الدراسي حتى اخرجته المدرسة بعد اكمال الصف الاول، وفي البيت يصب جام غضبه على اختيه، هما اكبر منه سنا لكنه يضربهما كونه صار اضخم منهما حجما. استخدمت كل الأسالبب معه من ضرب وتانيب ونصائح دون جدوى، حتى اصابتني جلطة اثر ضربه لاخته بالكوب، لم احتمل منظر الدماء تتفجر من يد اخته، هل ربيت مجرما؟ وماذا سيكون مصيره عندما يكبر؟ لقد قدمت له كل ما يحتاجه من ملابس ومال وعناية وحب وحنان.. فلماذا يتصرف بهذا الشكل؟".
وتشكو السيدة ام عمر من ان ابنها عمر لا يسمع كلامها وينصاع فقط لوالده الذي يخشاه، وانه وجه اهتمامه للعناية بمظهره وتسريح شعره بتسريحات غريبة بالجل ويلبس ملابس ضيقة وقضاء الوقت بلعب كرة القدم خارج البيت والسهر في الشارع مع اصدقائه حتى اثار حفيظة والده فطرده من البيت في احدى المرات، وذهب عند اهلي مما سبب مشكلة بيني وبين والده، وبصراحة انا متعبة ومشغولة دائما بعملي ولا املك الوقت والقدرة على تحمل تصرفاته".

لا أصدّق إنّها ابنتي!
ام سرى لم تنجب سوى سرى كونها اصيبت بمرض اثناء حملها ابنتها، فبذلت كل ما في وسعها لتربيتها بافضل ما تستطيع ولم تبخل عليها باغلى الاشياء كونها وزوجها يعيشان في بحبوحة، وسرى كما تقول والدتها "نشأت هادئة مطيعة بريئة لا يكاد يسمع لها صوت بين الاطفال، وما أن صارت في المرحلة المتوسطة حتى تردى مستواها الدراسي وصارت تقضي وقتها في متابعة التلفاز والحديث مع صديقتها في الهاتف والفيس بوك، وكنت اقول انها فترة مراهقة واغض الطرف حتى اكتشفت انها تتسلم رسائل من شاب وفيها كلام غزل جريء وعلمت انها التقته في بيت احدى صديقاتها. جن جنوني وضربتها حتى كادت تموت بين يدي، ولم اجرؤ على اخبار والدها طبعا لكنه استغرب تعاملي معها بهذا الشكل، وعللت تصرفي على انه بسبب رسوبها. اشعر اني فقدت ابنتي الوحيدة ولا اعرف كيف استعيدها؟!".

الوعي والصبر .. مفتاح الحل
يمكن تلخيص نمو المراهق بأنه من النوع البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً، ومن الخارج والداخل معاً عضوياً، هذا ما اشارت اليه الدكتورة فوزية، والمشكلة هي قلة وعي الوالدين كما اسلفنا، فمن اكبر الاخطاء هو معاملة الشاب او الشابة في الثالثة عشر من العمر على انه نضج ويجب ان يتصرف كالراشدين، او ان يلتزم بالتعليمات والتوجيهات التي كان يتلقاها منذ طفولته، ذلك لان الشاب او الشابة في فترة المراهقة يميلان الى الاستقلالية ما يجلعهما يصغيان الى كل ما هو جديد خارج البيت من تأثيرات الاصدقاء والتلفاز والانترنت، واحيانا وفي حالة غياب رقابة الوالدين او قلة تأثيرهما على اولادهما ينجرف المراهق ويتخذ سلوكيات اخلاقية بعيدة عن تقاليد عائلته وطريقة تربيتها له، وغالبا ما يكون سبب ذلك هو حرمانه من العاطفة والحب، فالام والاب عندما يكبر اولادهما ينسيان التعامل معهم بحنان وتدليل فتلغى الكثير من علامات الحب مثل الاحتضان والتقبيل وكلمات التدليل، ما يدفع المراهق ليبحث عن الحب اما مع الاصدقاء او في علاقات حب خيالية او فاشلة.

اما العنف الذي تشكو منه بعض الامهات فسببه محاولة المراهق اثبات الذات خصوصا في حالة كونه اخا لفتيات فيحاول تقليد الاب في ان يكون هو سيد البيت ويفرض على اخواته طاعته. ومن ناحية يحاول تحدي سلطة الوالد واثبات رجولته امامه وفرض استقلاليته على والده وربما يكون ذلك بطريقة مغلوطة، مثل الاستقلالية في اللبس والسلوك واهمال الدراسة كتعبير عن التمرد".
وتجد الدكتورة فوزية ان الحل لمشكلة العلاقة بين المراهق او المراهقة واهاليهم هي مسؤولية الاهل فقط في هذه المرحلة، وعليهم تثقيف انفسهم وادراك نوع التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تصاحب فترة المراهقة والموازنة في التعامل مع المراهق بين الطفولة والنضج، أي اشباع رغبات الطفولة التي مازالت لم تكتمل لديه من خلال توفير الالعاب وافساح المجال له لتفريغ شحناته باللعب مع الاصدقاء او تسجيله في نواد او مسابح، وعدم فرض الدراسة عليه وترهيبه كما هو الحال في المدرسة الابتدائية، بل افهامه بان المدرسة اصبحت مسؤوليته وحده فقط، وان اهمالها يعني ضياعه كرجل او كفتاة وانه سيكون نكرة في حالة فشله، أي توضيح الحقائق له وجعله يواجه الواقع من خلال مشاهدات وتجارب الاخرين. وفي النهاية فان الحب والحنان والوعي مفاتيح التعامل مع المراهق فضلا على الصبر الذي يجب ان يتحلى به الاهالي لاجتياز هذه المرحلة".