حكم المال الحرام ..
رجل اشترى بيتا من مال الحرام والان والده يسكن فيه .كيف يتصرف بهذا البيت مع العلم ان اباه لايمكن بحال من الاحوال ان يتنازل عن هذا البيت افيدونا ماجورين ..؟
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله:
إن المال الحرام إما أن يكون التحريم فيه راجعا إلى تعدٍّ على حق من حقوق الله، وإما أن يكون راجعا إلى تعدٍّ على حق من حقوق العباد.
أولا: إذا كان المال ترجع حرمته إلى حق الله، كمال الربا والمال المستفاد من بيع الخمور، وأجرة الزنا والرقص ونحو ذلك، فيجوز لأبيه الإبقاء عليه، والأدلة على ذلك كثيرة:
1. إن الإثم متعلق بالمشتري الذي كسب المال من حرام لا بأبيه الساكن فيه، لقوله تعالى ﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾.
2. إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع اليهود في المدينة ويقبل هداياهم ومعظم أموالهم من الربا فقبل صلى الله عليه وسلم هدية المرأة اليهودية التي أهدت له شاة مسمومة، وقبل كذلك الهدايا من أكيدردومة وفروة بن نفاثة والمقوقس وغيرهم.
3. أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزية من ثمن خمور أهل الذمة، روى أبو عبيد في الأموال ص 126، أن بلالا قال لعمر بن الخطاب: إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج، فقال: (لا تأخذوها منهم، ولكن ولّوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن)، تحقيق محمد عمارة، طبعة دار الشروق، القاهرة بيروت، 1989م، ورواه عبد الرزاق في المصنف، 8/82 طبعة دار إحياء التراث العربي 2002،.
4. جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: "إن لي جاراً يأكل الربا وإنه لا يزال يدعوني"، فقال: "مَهْنَأُُهُ لك وإثمه عليه" رواه عبد الرزاق 8/64.
5. وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: "إذا كان لك صديق عامل، أو جار عامل، أو ذو قرابة عامل، فأهدى لك هدية أو دعاك إلى طعام، فاقبله، فإن مهنأه لك وإثمه عليه". نفس المصدر والصفحة.
6. وسئل الحسن أيؤكل طعام الصيارفة، فقال: (قد أخبركم الله عن اليهود والنصارى أنهم يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم). نفس المصدر والصفحة.
7. فعن منصور بن المعتمر قال: قلت لإبراهيم- النخعي -
نزلت بعامل فنزلني وأجازني قال اقبل قلت فصاحب ربا قال اقبل ما لم تأمره أو تعينه) رواه عبد الرزاق 8/65.
فهذه أحاديث وآثار صريحة في الباب، وجب المصير إليها، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 29/265: "وهذا ثابت عن عمر، وهو مذهب الأئمة" . اهـ، فاستنتجنا من هذا أن " المال الحرام لا يتعلق بذمتين" في المال الحرام المتعلق بحق الله، ونجد هذا جليا في ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة وأنس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بلحم تُصُدِّقَ به على بريرة فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية). فالنبي صلى الله عليه وسلم وآله الأطهار لا يأكلون من مال الصدقة، ولكن اللحم أهدي إلى بريرة، فصارت مالكة له بذلك، ثم أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان حلالا له بعد ذلك.
ثانيا: إذا كان المال ترجع حرمته إلى حق العباد، كمال السرقة والغصب والغلول من الغنائم ونحو ذلك، فلا يجوز لأبيه الإبقاء عليه إن علم أصحاب هذا المال، إلا أن يعلموا ويرضوا ببقائه في البيت، وإلا لزمه رد المال لأصحابه أو لورثته، للأدلة التالية:
1. روى البخاري تعليقا، ومسلم في صحيحه واللفظ له عن ابن عمر : "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقةً من غلول".
2. وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء) رواه البخاري.
فيكون الأمر تحت هذا الأصل، أن المال المسروق أو المغصوب لا يجوز لا يجوز للأب الإبقاء عليه، لأن ابنه ناقص الملكية، فليس هو المالك في الحقيقة، وإنما صاحب المال (الذي غُصب أو سُرق ماله ) هو المالك الحقيقي، أما إن علم المالك بذلك، وأذِن وسامح برضاه، فللأب الإبقاء على البيت.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين