من الأهوال العظيمة التي تحصل يوم القيامة أن يحشر الله -عز وجل- المتكبرين على هيئة الذر؛ جزاء وفاقا لما كانوا عليه في الدنيا من التكبر والترفع والطغيان على غيرهم من البشر.
روى الإمام أحمد وغيره عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: ) يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، فَتَعْلُوَهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ (.
قال الشيخ المباركفوري في شرحه لهذا الحديث ناقلا عن الطيبي:
قوله: "أمثال الذر" تشبيه لهم بالذر ولا بد من بيان وجه الشبه لأنه يحتمل أن يكون وجه الشبه الصغر في الجثة وأن يكون الحقارة والصغار. فقوله: "في صور الرجال" بيان للوجه ودفع وهم من يتوهم خلافه. وأما قوله: "إن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء" فليس فيه أن لا تعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر، لأنه تعالى قادر عليه وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين وعلى هذه الحقارة ملزوم هذا التركيب فلا ينافي إرادة الجثة مع الحقارة.
قلت: الظاهر هو الحمل على الحقيقة ولا مخالفة بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا.
قال القاري: التحقيق أن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة تحقيقا لوصف الإعادة على وجه الكمال ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة وتذليلا لهم، جزاء وفاقا أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب وظهور أثر العقوبة السلطانية التي لو وضعت على الجبال لصارت هباء منثورا. انتهى.