تاريخ الدولة العلوية
المغرب في القرن 12هـ/18م
التطور السياسي والاجتماعي
عرف المجتمع المغربي خلال هذه الفترة سلسلة من الأحداث التي تمخضت عن الأزمات الباطنية للسلطة المركزية، إلى أن تمكن السلطان محمد بن عبد الله من القبض على زمام الأمور من جديد. ولم تكن الزوايا قادرة على أن تلعب دورا تاريخيا جديدا مثلما لعبته في القرون السابقة. وفي الوقت الذي تمكنت فيه كثير من القبائل الجبلية من النزول نحو السهول، تعرضت أغلب القبائل المغربية للفقر والمجاعات.
وصاحب هذه التطورات نمو متزايد للمصالح التجارية للدول الأوربية، التي استمرت خلال هذا القرن في حصار موارد المغرب الخارجية وجلبها لصالحها، لتنتقل بعد ذلك إلى تصريف بعض بضائعها المصنعة داخل البلاد، غير أن المخزن كان يحاول جاهدا التحكم في العلاقات التجارية مع أوربا وتوجيهها حسب رغباته.
اهتزاز دعائم السلطة المركزية بعد وفاة المولى إسماعيل:
- أهم مظاهر الأزمة:
* استبداد جيش البخاري بالسلطة وتحكمه في اختيار وخلع الملوك:
ولم تكن لهذا الجيش الإفريقي عاطفة وطنية ولا أية خطة إصلاحية أو تنظيمية في حين كان لوضعيته المادية المزرية أثر فعال في تحركاته ومؤامراته ضد النظام الحاكم بعد وفاة مؤسسه المولى إسماعيل، حيث أن السلطان كان يجمع بين يديه مختلف السلط في البلاد، فإن الجيش تحول بمجرد وفاته إلى عامل تفكك للسلطة المخزنية عوض تقويتها، ولمدة ثلاثين سنة أصبح الجيش يتدخل في الشؤون السياسية إذ كان يقوم بخلع وتنصيب عدد كبير من السلاطين من أبناء المولى إسماعيل رغبة في الهدايا والهبات التي تقدم لهم. ولعل ما يفسر تمرد العبيد أنهم كانوا يعيشون من مدخولات الضرائب والكلف المفروضة على القبائل والمدن، إلا انه مع وفاة المولى إسماعيل انقطعت كثير من تلك المداخيل عنه، فتاه العبيد في المدن والقرى للتكسب، وتخلوا بذلك عن القصبات، ثم لجأت نسبة كبيرة منهم إلى مكناس حيث أصبحوا يعيشون من المنافسات على السلطة بين أبناء المولى إسماعيل.
وأدت تصرفات العبيد تجاه المدن والقرى التي كانوا يقومون بنهبها وفرض الغرامات على أهلها والإستيلاء على مخازن الحبوب بها، إلى ثورة القبائل والمدن ضد هذه التصرفات، فتقلصت بذلك رقعة المناطق الخاضعة للسلطة المركزية وقلت معها مداخيل بيت المال، ولم تعد تجارة القوافل تتوفر على الضمانات اللازمة لوصولها للمدن الكبرى والموانئ، الشيء الذي أدى إلى إيقاف كثير من مداخيل المخزن من مكوس وأعشار.
* تعنت الجباة:
من ناحية أخرى فإن الجباة المسؤولين على استخلاص الضرائب لم يكونوا يفرقون بين السكان القائمين على حماية الثغور وبين غيرهم من سكان القبائل والمدن داخل البلاد، فكان هذا التعسف في جمع الضرائب والكلف من بين العوامل التي أثقلت كاهل السكان، لذا وبمجرد وفاة المولى إسماعيل رفضت هذه المدن والبوادي تأدية الضرائب والمكوس.
هذا بالإضافة إلى تضرر التجار بسبب مهاجمة ثرواتهم وبضائعهم وفرض المغارم الثقيلة عليهم، فطالبوا من جديد بالإستقلال الذاتي للمدن التي يقطنون بها.
* عدم وجود وحدة في الرأي والتساند داخل الأسرة العلوية حول شخص واحد من بين الأمراء تتوفر فيه كل المؤهلات التي يرتضيها المغاربة في المسؤول الأعلى، كما أنه لا يوجد أي نظام للترشيح يتخذ كمبدأ ويفتح الباب للإختيار والتعويض داخل الأسرة نفسها.
* الإستغناء عن خدمات الأطر الإدارية والسياسية الرئيسية التي اعتمد عليها المولى إسماعيل وتعويضها بأطر أقل كفاءة وتجاوبا مع متطلبا الأمة.
- استغلال القبائل الجبلية للوضعية التي تعرفها البلاد في تكثيف تحركاتها نحو السهول:
إذ عرفت هذه الحقبة نزولا مكثفا للقبائل الجبلية المقيمة بالأطلسين المتوسط والكبير والريف نحو السهول الخصبة الداخلية والساحلية، وساعدها على ذلك تفكك جيش العبيد الذي تخلى عن القصبات المرابط بها، واتسمت هذه الدفعات الجبلية بالتشتت وبالمنافسات بين فروع القبائل النازلة من الجبال، فطغى التسابق والتدافع نحو السهول الخصبة ونحو الإتصال بالبحر للإحتكاك والإستفادة من مداخيل التجارة الخارجية، ولم يتمكن جيش العبيد من الحيلولة دون مزيد من تسربات هذه القبائل التي أصبحت فيما بعد تتحكم في تجارة بعض الموانئ الأطلنتية.
- قام السلطان المولى عبد الله بالمحاولات الأولى لترميم الجهاز المخزني:
في هذا الجو المغمور بالصراعات على السلطة بايع جيش الأوداية المولى عبد الله بن إسماعيل حيث كانت والدته من أصل الأوداية، فتحولت منذ إذن النزاعات إلى صراع داخلي بين القبائل لمواجهة جيش الأوداية من جهة، وعبيد البخاري من جهة أخرى، وقد استطاع السلطان أن يفرض نفسه على البواخر بالتفاوض والهبات تارة، وباستعمال العنف تارة أخرى، حيث تمكن من خلق توازن عسكري لصالح المخزن واخضع مجموعة من القبائل الثائرة وأخمد تمردات جيش العبيد.