الحرية هي قضية الإنسان منذ بدء وعيه وهي من طبيعته و«صراعه في الحياة متحدياً ومناضلاً في كل المحاولات الفاعلة لمصيره. يتناوب فيها أو يتلاعب بها، دون أن يمارسها كما يجب أن تكون ويرتد عنها مطالباً بها في إطار أسبابها الموجبة باسم القيم الإنسانية كذلك كان التاريخ حافلاً بالتناقض في هذا الصراع بين الإنسان بفرديته وبين واقعه الاجتماعي محاولاً كشف الحقيقة بفهم الوجود بين ذاتيته ومجتمعه.
الحرية يدرك حقيقتها إنسان المجتمع المنصهر كلياً في تجسيد مبادئ الحق والخير والجمال ويمارسها من ذوبان أنانيته وغرائزه. وهي عبء ثقيل ومسؤولية لمن يعي ويهتم بكل ما يعترض مسيرة الحياة. وإن أكثر النظريات تختلف بتحديد مفهوم الحرية بين آراء وفلاسفة الغرب والشرق. ونظرية الغرب تقوم على إزالة العوائق من طريق الإنسان ليفعل ما يشاء. ومفهوم آخر يدعو إلى الالتزام بفعل ما يتوجب على الشخص فعله. أرسطو وروسو وهيغل يدعون إلى أن الإنسان يكون حراً عندما يحقق ما يتوجب عليه تحقيقه. لوز وميل يقولان إن الإنسان حر ما دام طليقاً من القيود والحرية هي شرط أساسي للفضيلة وليست منفصلة عنها. في الأناجيل اعتبرت خدمة الله هي الحرية المطلقة، وحسب التعبير الديني هي تحرير الروح من قيود الجسد وبتعبير أدق هي تحرير الإنسان العاقل من قيود العواطف. أرسطو والأكويني يعتبران النظام متساوياً مع الحرية. والقانون هو أكثر مدى لمحاسبة الحرية لأهميته المطلقة يقول هيغل «إن الحرية تبلغ كمالها في الدولة وعلينا الاهتمام بالحرية على صعيد المفهوم والقيمة. ولا شك في أن المعرفة تولد قوة للعقل في فهم ارتباط الإنسان بوجوده في محيطه وتفكيره بالعالم الإنساني بالتفاعل والمشاركة. وللأدب والفنون والعلوم إعطاء لحركة معرفة المجتمع ـ فالمجتمع معرفة حقيقية دائمة وليس تخيلاً أو ابتداعاً. إن واقع الأمم بوجودها هو واقع مجتمعات إذ إن المفاهيم والدساتير التي تحدد علاقات الإنسان بمحيطه لها تأثير على التطور الذي ينقل هذا الإنسان من مفهوم الفردية إلى المجتمعية.
ويتضح له فهم الحرية من خلال تأدية الواجب. لقد تداعت النفوس لأسباب تيار المادة الجارف الذي أعمى البصائر واجتاح الأخلاق وطغى على الطبائع الإنسانية. وكثير من الناس لم يتقيدوا بالمبادئ وسقطوا وراء أهوائهم إرضاء لمصالحهم ومنافعهم الذاتية. لذا من منطلق الواجب خلق الوعي لدى هؤلاء الذين غشيت أبصارهم عن معالم الحقيقة، ومن الأهم لأبناء الأمة الملتزمين بمصلحة مجتمع الأمة الذي هو جوهر الحقيقة لنهضة الوطن العليا. هم المسؤولون في كل الأزمات أن يدركوا معنى وجودهم وأن يبرهنوا عن زهدهم بذوبان أنانيتهم لينالوا مكاناً ومحبة. فمن خضع للجوهر فقد سما. ومن يخدم الحق تحترمه النفوس وينل ما يستحق من التقدير، ويصل إلى ما يتمنى من مفهوم الحرية وراحة الضمير وبذلك يكون أداء الواجب بطوعية وإدراك هو كل الحرية وبهذه الممارسات يكون الشخص قوياً في محاربة شهواته ويصبح إنسان المجتمع بحق.
يقول سعاده: «إما أن نحيا أحراراً أو نموت أحراراً. وإذا كان لا بد من هلاكنا فعلينا أن نموت كما يليق بالأحرار، وإذا لم تكونوا أحراراً من أمة حرة فحريات العالم عار عليكم» فهو يوضح لنا أن الحرية لا يفهمها إلا أصحاب النفوس الكبيرة الذين يرون الحياة حرية وعزة. وأن دماءهم رهن لحرية أمتهم وسيادتها. فالحرية عند سعاده ليست حرية العدم. بل هي حرية الوجود. والوجود حركة صراع العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل. وكل أمة تريد أن تحيا حياة حرة مستقلة تبلغ فيها المثل العليا يجب أن تكون ذات وحدة روحية متينة.