منذ عهد قريب إعتقد العديد من الناس أن المذنبات نذير شؤم او إشارة لحدث سيئ على وشك أن يحدث، لم يكن يعرف البشر الية حركة الأجسام في السماء، لذا فمشاهدة مذنب لابد وأنه كان يسبب القلق، وهناك العديد من السجلات التاريخية والقطعة الفنية التي تسجل ظهور المذنبات وربطهم بأحداث فظيعة اصابتهم مثل الحروب أو الثورات.
ومع تقدم العلوم اصبحنا نعرف أن تلك المذنبات ما هي إلا كتل من الثلج والغبار التي تعبر مركز النظام الشمسي بشكل دوري من مكان ما في دوراتها الخارجية، وبعض المذنبات تكرر زياراتها، وعندما تقترب المذنبات بما فيه الكفاية من الشمس، تبدأ حرارة الشمس في تبخير المذنبات، مما يجعلها مرئية بفضل الغبار الناتج عن عملية التبخير وذيل الغاز الذي احيانا ما يكون بطول ملايين الكيلومترات.
خارج النظام الشمسي أو بعيدا عن الشمس تبقى المذنبات في حالة تجمد لكونها بعيدة عن تأثير حرارتها، لذلك فإن رؤيتهم من الأرض تكون صعبة جدا أو مستحيلة بسبب صغر الحجم. ومع أنه بوجود تلسكوب هابل قد تم إحصاء عدد من نوى المذنبات الخاملة في حزام كيوبر ، لكن هذه الإحصاءات لم تؤكد بشكل مستقل للكثير منها إلى الآن.
بين عامي 1985-1986 زارت المركبة الفضائية جيتو Giotto المذنب المشهور هالي في أخر زيارة لهالي إلى النظام الشمسي الداخلي، في عام 1994 أصبح مذنب شوماكر ليفي محصورا بجاذبية المشتري وهبط وتحطم في المشتري.
في 1996 و 1997 شاهدنا مذنب هياكوتاك Hyakutake ومذنب هال بوب Hal-Bopp، وقد كان مذنب هال بوب أحد ألمع المذنبات التي شوهدت من الأرض، مذنب لينر Linear إكتشف في عام 1999 وأقترب من الشمس في يوليو 2000. مركبة الفضاء ستاردست Stardust تتبعت هذا المذنب في يناير 2004 وجمعت عينات من المذنب للعودة بها إلى الأرض.
إن أحدث مهمة للمذنبات هي روزيتا Rosetta وستهبط على سطح مذنب يسمى تشريموف-جيراسمينكو Churyumov Gerasimenko .
تركيب المذنب
يتكون المذنب من جزئين رئيسيين هما النواة وهو الجزء المركزي وتحيط به غيمة أو هالة من الغبار والغاز وكذلك ذيل طويل أيضا من الغاز والغبار.
نواة المذنب
هي الجزء المركزي الرئيسي للمذنب، وهو الجزء الصلب منه، مكون من نوع خاص من الغبار الذي يطلق علية الغبار المنفوش، لأنه يمكن أن يكون ذو وزن خفيف وملئ بالفتحات كالإسفنج، وفتحات الإسفنج هذه مملوئة بالثلوج في الغالب من الماء وثاني أكسيد الكربون (الثلج الجاف) وأول أكسيد الكربون.
أمدت دراسة نواة كلا من المذنب هال بوب والمذنب هيكوتيك العلماء بأفكار جديدة حول تركيب وتطور المذنب، ولكنهم ما زالوا لا يعرفون هل النواة صلبة جدا مثل الأرض الصلبة أم ناعمة وقابلة للكسر مثل كرة الثلج، نأمل ان تمدنا مهمة روزيتا القادمة وهبوطها على سطح المذنب بمعلومات لإكتشاف كم مدى صلابته.
نواة مذنب تيمبل 1 Tempel
وعندما يقترب اي مذنب من الشمس، يبدأ بالتبخير وتشكيل غيمة وذيل بشكل مدهش، توضح الصورة الملتقطة للمذنبات بأن التبخير قد يحدث فقط في أماكن معينة في النواة، وهذه البقع من التبخير تدعو "النفاثات"، مذنب هالي كان له ثلاث نفاثات متميزة على سطحه عندما إقترب من الشمس في عام 1986.
الهالة والذيل
عند دخول المذنب النظام الشمسي الداخلي، يسبب إشعاع الشمس تبخير المواد الخفيفة التي يحويها المذنب وتخرجها خارج النواة، وتكون محملة بالغبار. هذا الغبار والغاز الذي يحيط بالمذنب ينتشر حوله بشكل كبير مسببا يتشكل غلاف جوي ضعيف جدا حول المذنب يسمى الهاله أو الغيمة، أما القوة التي تقع على تلك الغيمة (الهالة) من ضغط الإشعاع والرياح الشمسية تسببان في تكون ذيل طويل وهائل، والذي يكون ممتدا خلف المذنب وبعيدا عن الشمس.
عندما مرور المذنب من خلال النظام الشمسي الداخلي تسبب الشمس لمعان كلا من الهالة والذيل ويصبح المذنب مرئي بسهولة من على الأرض، حيث أن الغبار يعكس ضوء الشمس مباشرة والغازات تتوهج بسبب التأين.
الفرق بين الذيل الغازي وذيل الغبار
Image Credit : University of Hong Kong
قد تكون أكثر المذنبات ضعيفة جدا ولا تري بالعين المجردة وتحتاج في هذه الحالة إلى مساعدة منظار لنتمكن من رؤيتهم، لكن في بعض الحالات قد يظهر مذنب عندما يكون أقرب من مداره أو أكبر في حجمه ويصبح لامعا يكفي لرؤيتة بالعين المجردة، أو قد يتعرض المذنب إلى إنفجار ضخم ومفاجئ يتسبب في زيادة حجم الهاله بشكل مؤقت نتمكن خلالها من رؤيته بسهولة، مثلما حدث مع مذنب هولمز Holmes في عام 2007.
علاقة المذنبات بزخات الشهب
تترك المذنبات أثرها خلال مرورها داخل النظام الشمسي نتيجة لتناثر الغبار من خلال الذيل، وإذا مر طريق المذنب بمدار الأرض، فإن في تلك الحالة ستكون هناك زخات من ذلك الغبار تجذبه الارض خلال مرورها من ذلك القطاع. مثل شهب الجوزاء Orion التي تحدث في اكتوبر كل عام والتي اصلها مذنب هالي.
تصنيف المذنبات
اغلب المذنبات لها مدارات إهليليجية والذي يأخذهم في جزء من مدارهم قريبا من الشمس، وتصنف المذنبات في أغلب الأحيان طبقا لطول فتراتهم المدارية، فكلما كانت الفترة أطول كلما إستطال المدار الاهليجي أكثر.
مذنبات الفترة القصيرة
وهي مذنبات لها فترات مدارية أقل من 200 سنة، ويدورون في مدارات في نفس الإتجاه مثل الكواكب، وتمتد مدارات تلك المذنبات إلى منطقة الكواكب الخارجية (المشتري وما بعده)، مثل مذنب هالي الذي يتخذ مدارا يبعده قليلا بعد مدار كوكب نيبتون، ومذنب إنكي Encke الذي له مدار لا يبعد كثيرا عن المشتري.
وتقسم مذنبات الفترة القصيرة إلى قسمين:-
- عائلة المشتري: والتي لها فترات أقل من 20 عام.
- عائلة هــــــالي : والتي لها فترات بين 20 و 200 عام.
مذنبات الفترة الطويلة
وهي مذنبات مرتبطة بالقوة الجذبية للشمس ولكن لها مدارات شاذة جدا، وتتراوح فتراتهم من 200 سنة إلى الآف أو ملايين الاعوام. وتكون مداراتهم عادة أبعد بكثير من مدار الكواكب الخارجية.
مذنبات الزيارة الواحدة
وهي تشبه مذنبات الفترة الطويلة، لكن له مدار إهليجي عندما يدخل في النظام الشمسي الداخلي. وقد يؤثر الجذب من احد الكواكب العملاقة في تغير مداراتهم، وعندما تخرج إلى النظام الشمسي الخارجي تكون مداراتهم إهليليجية جدا تأخذهم وراء سحابة أوورت Oort Cloud.
ومن الممكن للمذنبات ذات المدارات الاهليجية الحادة أن تعود إلى النظام الشمسي لبعض الفترات المدارية فقط، وقد تمتد تلك الفترات إلى مئات الالوف أو ملايين الأعوام قبل أن تبدأ تلك المذنبات في إتخاذ طريقها للخروج من مجال الشمس المغناطيسي عندما تدخل في المنطقة الغير مستقرة من المجال المغناطيسي. ومن المعروف أن مجال جذب الشمس له حد أقصى وغير مستقر وهو 230,000 وحدة فلكية -أي 3.6 سنة ضوئية-.
إنتهاء عمر المذنب
مما يميز مذنبات عائلة المشتري ومذنبات الفترة الطويلة أنها تتبع قوانين مختلفة في التلاشي، ففي مذنبات عائلة المشتري تكون المذنبات نشطة خلال حياتها الذي قد يمتد إلى حوالي 10,000 سنة، بينما مذنبات الفترة الطويلة تتلاشى أسرع بكثير. وفي نهاية عمر المذنب تكون أغلب المادة الخفيفة في نواته تكون قد تبخرت، ويصبح المذنب كتلة خامدة مظلمة من الصخر أو البقايا والتي يمكن أن تشبه الكويكب.
تفكك المذنب
قد تتعرض المذنبات لحوادث قد تسبب في تفكك المذنب إلى أجزاء، ويرجع سبب تفكك المذنب إلى القوة الجذبية سواء من الشمس أو من كوكب كبير، وقد يحدذ نتيجة إنفجار للمادة الخفيفة أو قد تكون لأسباب أخرى لم تتضح لنا بعد.
ومثال على ذلك ما حدث للمذنب شواسمان-واتشمان3 بي73 Schwassmann Wachmann3 في عام 1995.
تفكك المذنب إلى أجزاء في عام 1995
تحطم المذنبات
قد تلقي بعض المذنبات مصيرا أخر، وهو الاصطدام والتحطم، أما بالسقوط داخل الشمس، أو بالإصطدام مع كوكب أو جسم آخر.
تلك الإصطدامات بين المذنبات والكواكب أو الأقمار كانت سمة عامة في بداية تكون النظام الشمسي، فنجد العديد من الحفر على سطح القمر، قد يكون بعضها نتيجة تحطم مذنبات سقطت على سطحه، ومثال حديث شاهده العالم عند إصطدام مذنب شوماخر ليفي9 عام 1994 مع كوكب المشتري، عندها حدث له تفكك إلى عدة أجزاء قبل أن يصطدم بالمشتري ويتحطم.
تحطم مذنب ليفي شوماخر 9
وطبقا للعلماء فإن الارض وخلال مراحلها الاولي تعرضت لفترات من القصف العظيم بالعديد من المذنبات والكويكبات، كما يعتقد العديد من العلماء- مع انه إفتراض لم يحسم بعد- بأن فترة القصف العظيم والتي حدثت قبل 4 بليون عام تقريبا جلبت كميات كبيرة من الماء الذي ملء محيطات الأرض، أو على الأقل نسبة هامة منها. كما قاد كشف جزيئات عضوية في المذنبات بعض العلماء إلى إعتقاد أن تلك المذنبات أو النيازك لربما جلبت بوادر الحياة إلى الأرض، وهناك إعتقاد ايضا بأن الحجر الزجاجي الموجود على الارض هو نتيجة تحطم الشهب والنيازك على