أولا: المذنبات
كلمة مذنب في الانكليزية (Comet) مشتقة من اللاتينية والتي تعني "شعر"، أي أن الثقافة الغربية رأت في المذنبات نجوما ً طائرة مع ذيل من الشعر، وفي ثقافات أخرى كان ينظر إلى المذنبات وكأنها نجوم وخلفها مكنسة .
كان الناس يخافون المذنبات قديما قبل أن يعرفوا ما هي، وكان الفلكي آدموند هالي قد شرح ظهور المذنبات، فأعتقد هالي أن المذنبات قد تكون هي أيضا جزءا من النظام الشمسي، وتتحرك في مسارات ثابتة حول الشمس، وبدأ بالأطلاع على كل ما يمكن إيجاده من المدونات عن المذنبات التي ظهرت سابقا، فأكتشف إن المذنب الذي شوهد عام 1682م، هو نفسه الذي شوهد في عامي 1531م، 1607م وإنطلاقا من هذا تنبأ هالي أن المذنب الذي يدعى بإسمه الآن سيظهر ثانية في عام 1758م، وكان آدموند هالي على حق حيث ظهر مذنبه في موعده. لكن هالي لم يكن على قيد الحياة وقتها ليشاهده، وقد ظهر لآخر مرة عام 1986م، وسيظهر مرة أخرى بعد 76 عاما، وإذا كان المذنب يظهر على فترات منتظمة فهذا يدل على أنه يسير بمسار بيضاوي منتظم حول الشمس. لقد كان آدموند هالي أول من قرر أن المذنبات أعضاء في النظام الشمسي تسبح في مدارات على هيئة قطع ناقص، ويوجد في منظومتنا الشمسية أكثر من مائة ألف مليون مذنب تدور حول الشمس بصفة مستمرة على مسافات بعيدة لا تقل عن 18 ألف مليون كيلو متر.
والمذنبات أجرام سماوية غير منتظمة الشكل، تتكون من كتلٍ من الجليد والصخور والغازات، وقد اقترح الفلكي فرد ويبل (Fred Whipple) عام 1950م وصفاً يدل على أن المذنبات كرات جليدية متسخة "dirty snowballs" لأنها في معظمها تتكون من الجليد المخلوط بالغازات وبعض الأتربة والصخور، وهي تختلف في خصائصها عن الكواكب فعدا عن أشكالها غير المنتظمة مقارنة مع الكواكب كروية الشكل بشكل عام، فان مداراتها شديدة الاستطالة بحيث يتفاوت موقعها بالنسبة للشمس بشكل كبير جداً من حيث القرب والبعد مقارنة مع مدارات الكواكب الإهليليجية أو الشبه دائرية، وتنقسم المذنبات إلى قسمين حسب طول دورة كل منها حول الشمس وهما:
· مذنبات طويلة الدورة : تستغرق مدة دورانها حول الشمس فترة زمنية أكثر من 200 سنة، ومن هذا النوع مذنب هيل _ بوب (Hale_Bopp) والذي مر في سماء الأردن عام 1997م حيث يتم دورة واحدة حول الشمس في 2400 سنة.
· مذنبات قصيرة الدورة: تستغرق مدة دورانها حول الشمس فترة زمنية أقل من 200 سنة، ومن هذا النوع مذنب هالي (Halley) الذي يتم دورة واحدة حول الشمس خلال 76 سنة.
ولا ترى المذنبات عند وجودها في مدارها بعيداً عن الشمس لأنـها أجسام معتمة وغير مضيئة بذاتها، ولكن مع اقترابها من الشمس تبــدأ مادة هذه الكتلة المظلمة بالتبخر والتفكك والتسامي. وتُـكنس هذه المادة خلف جسم المذنب بفعـــــل الرياح الشمسية فتشكل ذيلاً طويلاً جداً يمتـــد خلف نواة المذنب حيث تعمل هذه المادة على عكس أشعة الشمس الساقطة عليها فنراه، ويكون اتجاه هذا الذيل دائما معاكساً للشمس، ومع دوران المذنب وابتعاده عن الشمس يبدأ الذيل بالاختفاء تدريجيا أيضا، وقد يتكون للمذنب أكثر من ذيل.
تركيب المذنبات
يتكون المذنب من ثلاثة أقسام رئيسية نواة (كتلة صخرية) وذؤابة وهي السّحابة الّتي تحيط بالنّواة, و يعقبهما ذيل طويل من الغبار والغازات. والمذنب يتكون من جليد الماء والغبار والمواد العضوية، والنواة صخر غير متجانس الشكل فمثلا وجد أن نواة مذنب هالي كان لها شكل حبة البطاطا وطولها لا يتجاوز التسعة أميال وعرضها خمسة أميال فقط، والمذنبات موجودة في صقيع الفضاء مثل كرات الثلج على أطراف النظام الشمسي، وعند اقترابها من الشمس ترتفع حرارتها ويبدأ الجليد بالتبخر فتتكون الهالة وتنفلت المواد التي يتكون منها سطح المذنب في الفضاء حيث تدفعها الرياح الشمسية إلى الخلف فيتشكل الذيل الذي يميز المذنب وهناك عدد هائل من المذنبات تقع في أقاصي النظام الشمسي ويعود عمرها إلى بداية تكوين النظام الشمسي.
ومع مرور الوقت وأثناء دوران الشمس ومجموعتها الشمسية حول قلب المجرة تتأثر هذه المذنبات بجاذبية بعض النجوم القريبة فيتغير مسارها وتتجه إلى قلب النظام الشمسي (حيث تسخن وتكوّن الذيل ). وبعض المذنبات الأخرى تتجه إلى خارج النظام الشمسي حيث تهيم في الفضاء السحيق، وأهم ما يلفت النظر في المذنب هو الذيل نفسه, والمذنب في بعض الأحيان يكون له ذيلان وربما أحدهما مكون من غبار والآخر من غاز وقد يكون الذيل في بعض الحالات طويلا جدا, فمثلا المذنب الذي ظهر في عام 1843م كان له ذيل يبلغ في طوله المسافة ما بين الشمس والمريخ والتي تقدر بـــ 228 مليون كيلو مترا لكن عندما يبتعد المذنب عن المجموعة الشمسية فهذا الذنب يتلاشى.
· الذيل الأيوني _ الغازي Plasma Tail
يتكون هذا الذيل من غازات متأينة والكترونات ويكون لونه مائلاً إلى الأزرق بسبب تأين أول أكسيد الكربون الذي يعطي اللون الأزرق الحاد ويمتد هذا الذيل بشكل مستقيم إلى مسافات كبيرة جداً تقارب الوحدة الفلكية أي ما يعادل 150 مليون كم خلف نواة المذنب باتجاه معاكس للشمس.
· الذيل الغباري Dust Tail
يمثل هذا الذيل حبيبات الغبار التي تم كنسها بفعل الرياح الشمسية خلف المذنب، لذا يكون لونه مائلاً إلى البياض أو الصفرة، ويتميّز هذا الذيل الغباري بكونه أعرض وأقصر من الذيل الأيوني وينحرف عنه على شكل قوس لأن جسيمات الغبار أثقل من الغاز المتأين.
وتبقى جسيمات الغبار هذه خلف المذنب مكونة نهراً من الحبيبات والأتربة والجليد وغيرها من المواد التي تسامت أو تبخرت بفعل اقتراب المذنب من الشمس، ويسير هذا النهر من الجسيمات حول الشمس في مدار المذنب نفسه.
ويحرر المذنب في كل زيارة له بالقرب من الشمس الكثير من الغاز والغبار في مداره. ومع مرور الزمن وبعد عدة زيارات تنتشر هذه المادة في مدار المذنب نفسه وتمر بعدة مراحل من التطورات تنتهي فيها بمدار عريض وقليل الكثافة.
وتعبر الأرض هذا المدار في أثناء حركتها حول الشمس في مدارها، وعملية العبور هذه هي التي تولد ظاهرة زخات الشهب.
يدرس فريق "ديب امباكت" للأبحاث الفضائية طريقة تكون المذنبات، معتمدين على طبقات الجليد التي تلفها، وأرسل الفريق العلمي الأمريكي قذيفة وزنها 370 كيلوغراما لترتطم بمذنب "تمبل 1"، ثم درسوا ما خلفته الصدمة من ركام.
ويقول أعضاء الفريق التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا أن الصور التي التقطت للصدمة أظهرت وجود عدة طبقات جليدية تكسو المذنب. وقال أحد أعضاء الفريق، مايك بيلتون، في ندوة علمية بهيوستن في ولاية تكساس أن هذه الطبقات تبرهن على أن المذنب كان اصغر بكثير مما هو عليه الآن، قبل أن يتراكم عليه الجليد. وشبه بيلتون العملية بكرة ثلجية يزداد حجمها كلما تدحرجت. ويعتقد خبراء "ديب امباكت" أن المذنبات تحمل معلومات قيمة عن العمليات التي دخلت في تكوين المجموعة الشمسية.
من أين تأتي المذنبات ؟
في عام 1951 اقترح الفلكي جيرارد كيوبر (Gerard Kuiper) أن المذنبات المنتظمة ذوات القترة القصيرة لابد وأن تكون قد أتت من منطقة أو مكان ما بعد كوكب (نبتون)، واقترح أن هناك ركام وبقايا من النظام الشمسي ما زالت هناك.هذه الفكرة تعززت بإدراك العلماء بأنه ولابد من تواجد مجموعة منفصلة من المذنبات (أطلق عليها مسمى عائلة المشتري) هذه المجموعة تتصرف بنحو مختلف عن تلك المذنبات التي تأتي من المسافات البعيدة جدا لغيمة أورت (Oort)، كما أنها تدور حول الشمس في فترة تكون أقل من عشرون عاما (مقابل 200 مليون عاما لما في سحابة أورت)، وبسبب أن مداراتهم تقع قرب مدار الأرض حول الشمس، وبالإضافة إلى أن كل تلك المذنّبات تدور حول الشمس وفي نفس الاتجاه مثل باقي كواكب المجموعة الشمسية.
وتأكدت فرضية كيوبر في أوائل الثمانينات عندما استخدم الحاسوب في أعمال محاكاة تشكل النظام الشمسي، وطبقا لهذه المحاكاة فإن هناك قرص من الحطام يمكن أن يتشكل طبيعيا حول حافة النظام الشمسي، وطبقا لهذا السيناريو فإن الكواكب تتكتل بسرعة في المنطقة الداخلية من المحيط النجمي للشمس، والحطام المتبقي سوف يبعد ويتجمع بتأثير جاذبية الشمس، وبذلك فإن المنطقة التي ما بعد نبتون (آخر العمالقة الغازية) يجب أن تكون هي حقل الحطام للأجسام المبعثرة والمتجمدة التي لم تلتئم لتشكيل كواكب.
ظل حزام كيوبر نظرية صحيحة نظريا دون وجود دليل مادي يدعمها حتى عام 1992م عند تم كشف جسم يبلغ قطره 240 كيلومتر ( سمى 1992QB1 ) في منطقة الحزام المشكوك فيها، تبع ذلك اكتشاف عدة أجسام بأحجام مماثلة لتؤكد وجود هذا الحزام، وبسرعة أصبحت النظرية حقيقية صحيحة.
لهذا فإن حزام كيوبر هو منطقة في الفضاء على هيئة قرص تقع بعد مدار نبتون وعلى بعد حوالي 50 وحدة فلكية، وتحتوي على الآلاف من الأجسام المتجمدة الصغيرة، وهو يعتبر مصدر مذنبات الفترة القصيرة.
ويعتبر حزام كيوبر مهما لدراسة النظام الشمسي حيث أنه من المحتمل أن تكون هذه الأجسام هي بقايا بدائية جدا من المراحل المبكرة لتكون النظام الشمسي، كما يعتقد على نحو واسع بأنه مصدر مذنبات الفترة القصيرة، ويعتبر كمخزن لهذه الأجسام.
ويعتقد بعض العلماء بأن تريتون وبلوتو مع قمره كارون مجرد أمثلة لأجسام من هذا الحزام، وطبقا للدراسات فيتوقع وجود ما يزيد عن مئة ألف جسم في هذا الحزام يتعدى قطرها الخمسون كيلومتر علاوة علي بلايين المذنبات التي تدور هناك، وقدر العلماء كتلة الحزام بعشر مرات كتلة الأرض.
والحزام يتكون من جزء داخلي على بعد حوالي 50 وحدة فلكية وجزء ثان خارجي تتوزع أجسامه علي بعد 100 وحدة فلكية.
ويعتقد العلماء أن أجسام الحزام تتكوّن من جليد الماء والصخور وبعض المواد العضوية والمعقّدة، ولونها يتدرّج من الرمادي والأحمر وأسطحها غامقة تماماً، وتعكس من ٣ ـ ٢٥% من كميّة الضوء الذي يقع عليها، ودرجة الحرارة ـ ٢٢٠ درجة مئوية ولا تتعدى الصڧر المطلق.
المذنبات في الماضي
انه لمنظر مهيب حقا منظر المذنب الضخم ذي الرأس المتألق والذيل المضيء الممتد بعيدا عبر السماء من السهل أن نفهم كيف أن المذنبات من هذا النوع قد نشرت الرعب في الأزمنة القديمة، حيث كانت المذنبات تعتبر دائما نذيره شؤم، ولم يزل الرعب الذي تثيره في القلوب حيا عند بعض المجتمعات البدائية .
ومما ورد في الوثائق التاريخية الأثرية القديمة ما وجد في التاريخ الصيني من تسجيل يتحدث عن ظهور مذنب هالي في سماء الصين عام 1057 قبل الميلاد .
وكذلك ورد في الوثائق التاريخية القديمة إنه في عام 66م ظهر في سماء القدس جرم معلق في السماء يسطع نوراً وله شكل السيف، وظل يرى لمدة عام كامل وكانوا يعتقدوا إنه يشير إلى غضب الرب مما يرتكبه البشر من ذنوب.