تعود قضية جزيرة تورة Tuṛa الأمازيغية المغربية إلى الواجهة، من حين
لآخر، حاملة معها ثقلا سياسيا وأيديولوجيا وتاريخيا يستمد وزنه من تراكم
قضايا احتلال إسبانيا للأراضي الأمازيغية المغربية.
توجد على الأقل 10 "مساحات جغرافية" تحتلها إسبانيا ويطالب بها المغرب
وهي: مدينة مليلية (مريتش Mřič حسب النطق الأمازيغي المحلي)، ومدينة سبتة،
وجزر إشفّارن الثلاث (قرب ساحل إقليم الناظور)، وشبه جزيرة باديس بالحسيمة،
وجزر الحسيمة الثلاث، وجزيرة البوراني (Alborán بالإسبانية). ثم هناك قضية
الصحراء المغربية الجنوبية التي هي من المشاكل التي خلفها الإستعمار
الإسباني أيضا.
والملاحظ هو الإصرار العجيب للسياسيين والمثقفين والنشطاء ووسائل
الإعلام المغربية المطبوعة منها والتلفزيونية والإلكترونية على استخدام
الإسم المغلوط والمزيف "ليلى" عوض الإسم التاريخي الأمازيغي الأصيل "تورا"
Tuṛa.
الإسم المزيف "ليلى" لا أصل له في تاريخ المنطقة ولا وجود له في كتب
التاريخ الأمازيغية ولا العربية ولا الأندلسية ولا الأوروبية. وهو على
الأرجح نطق مشوه للكلمة الإسبانية La isla بحذف حرف S. وكل المراجع
التاريخية الأمازيغية المغربية والأندلسية تتحدث عن الجزيرة باسمها
الأمازيغي Tuṛa "تورة". أما الإسبان فقد اخترعوا اسما للجزيرة خاصا بهم وهو
La isla de Perejil.
المؤرخ الأندلسي أبو عبيد البكري: جزيرة تورة
ذكر المؤرخ الأندلسي أبو عبيد البكري (1014م-1094م) جزيرة تورة في
كتابه "المسالك والممالك" في باب "ذكر طنجة" كما نقرأه في المقتطف المختصر
التالي:
"أما (مدينة) طنجة فهي مساكن صنهاجة. وطريق الساحل من مدينة سبتة إلى
طنجة تخرج من المدينة في بسيط تعمره نحو ميل ثم تدخل في حد بني سمغرة وهم
أهل جبل مرسى موسى. (...) إذا خرج الخارج من طنجة إلى سبتة في البحر فإنه
يأخذ إلى جانب الشرق (...) ويليه مرسى جزيرة تورة وفي بره قرية تعرف بـ
تورة. فنسبت الجزيرة والمرسى إليها. وهي جزيرة في البحر كهيئة جبل منقطعة
من البر يقابلها في البر على شاطئ البحر أجراف عالية، والمرسى بينها وبين
تلك الأجراف، ثم مرسى بليونش. وبليونش قرية كبيرة آهلة كثيرة الفواكه،
وبغربيها نهر يريق في البحر عليه الأرحاء، وبينه وبين مرسى جزيرة تورة في
البر خمسة أميال، ثم موضع يعرف بالقصر (...) ثم مدينة سبتة (...) ثم إلى
مدينة تيطّاوان. (...) في الطريق من مدينة سبتة إلى مدينة تيقيساس (...) ثم
تدخل أرض غمارة (...) على وادي لاو وهو نهر كبير تجري فيه السفن."
معظم أسماء الأعلام المذكورة في هذا المقتطف من كتاب "المسالك
والممالك" مازالت حية ومعروفة في منطقة تطوان طنجة وموجودة على خرائط
Google. ويدخل ضمنها: جبل موسى، منطقة بليونش، القصر، غمارة، واد لاو.
الملك محمد السادس: جزيرة تورة
بعد الإعتداء العسكري الإسباني على جزيرة تورة عام 2002 واعتقال الجنود
المغاربة من طرف الجيش الإسباني وإنزالهم المهين في باب سبتة كأنهم
مهاجرون سريون. وجه الملك محمد السادس خطاب العرش إلى الشعب ذكر ضمنه
الموقف الرسمي للدولة المغربية من النزاع حول الجزيرة، حيث ذكرها باسمها
الأمازيغي التاريخي الأصيل "تورة" Tuṛa، رغم أن أجهزة الإعلام المغربي
الحكومي والحزبي والمستقل كانت (ومازالت) تردد صباح مساء اسم "جزيرة ليلى"،
متسببة بذلك في إعطاء معلومات مغلوطة للشعب.
وهذا مقتطف من خطاب العرش في 30 يوليوز 2002:
"لذلك رفضنا ما قامت به الحكومة الإسبانية من
اعتداء عسكري على جزيرة تورة التي تؤكد الحقائق التاريخية والجغرافية
والمستندات القانونية أنها ظلت دوما جزءا من التراب الوطني تابعا لسيادة
المملكة المغربية" (الملك محمد السادس).
الخطابات الملكية تخضع لتدقيق صارم لغويا وتاريخيا وبلاغيا وسياسيا
وأيديولوجيا، كلمة كلمة، وحرفا حرفا، قبل أن يقرّها الملك ويقرأها أمام
الشعب لتصبح جزءا من السياسة الرسمية للدولة. وتدقيق أسماء المناطق
الجغرافية للبلاد يدخل في صلب هذه العملية. فالأمر جد لا هزل فيه. والسيادة
الوطنية على المحك. ولذلك فالمصادر التي تعتمد عليها الخطابات الملكية
لضبط أسماء المدن والقرى والجزر هي المصادر التاريخية والأكاديمية وليس
وسائل الإعلام ومقالات الجرائد. لهذا استخدم الملك محمد السادس الإسم
"تورة" Tuṛa كاسم رسمي وحيد للجزيرة. أما الإسم "جزيرة ليلى" فقد تم خزنه
في مكانه الطبيعي: سلة المهملات، رغم الضجيج الإعلامي العارم الذي تسبب في
انتشار اسم "جزيرة ليلى" بين الناس كالنار في الهشيم.
وما ينطبق على جزيرة تورة ينطبق على أسماء المدن والقرى والجبال والجزر
المغربية التي يجري طمس أمازيغيتها عمدا أو سهوا وتشويهها وتعريبها
وفرنستها بمناسبة وبغير مناسبة. وبدل أن يلعب الإعلام دور المدقق والمصحح
الرصين، أصبحت وسائل الإعلام تنفخ في الأغلاط أو تتهاون معها إلى أن تصبح
الأغلاط "حقائق لا غبار عليها" في أذهان الناس.
ونحن نلاحظ ما يقع اليوم من نزاع بين اليابان والصين حول جزر بحر الصين
الشرقي ونلاحظ حرص كل طرف على استخدام الأسماء التاريخية للجزر حسب لغته
الوطنية (Senkaku باليابانية وDiaoyu بالصينية)، حيث يحاول كل طرف إثبات
كونها يابانية أو صينية على أساس تاريخية الأسماء.
ولا توجد قصة أكثر سخافة من دفاع شعب عن جزره ومدنه أشد ما يكون الدفاع
بينما لا يستطيع حتى ضبط أسمائها التاريخية الأصلية. فنحن نعلم أنه حينما
تتقاضى الدول لدى محكمة دولية حول منطقة متنازع حولها، فالوثائق والمستندات
والمراجع والمصطلحات التاريخية الدقيقة تلعب دورا حاسما في ترجيح كفة طرف
على طرف آخر. وإذا لم يضبط أحد الأطراف أسماءه ومصطلحاته ووثائقه وتاريخه
وهويته فإن مآله الهزيمة وبئس المصير.