لقد أظهرت دراسة حديثة حول النمو في المغرب، أن ارتباط التراجع الشديد للخصوبة بتراجع سن الزواج سواء لدى الرجال أو النساء على حد سواء، يؤشر إلى تحولات عميقة تعرفها منظومة القيم والسلوكيات المجتمعية ومن أبرز علاماتها ظاهرة الهجرة ، كما أن المراقبة المتزايدة للخصوبة، التي تعكس اختيارات للزوجين، قطيعة مع قيم المجتمع التقليدي. وبهذا فإن الانخفاض الشديد للخصوبة يشكل في هذا الجانب مؤشرا على بروز نزعة فردية في المجتمع مع ما لها من تداعيات اقتصادية ومجتمعية بل وسياسية أيضا.
هل يؤدي تراجع النمو الديمغرافي إلى شيخوخة الجتمع المغربي؟؟؟؟
وفي تعليق على هذه النقطة قال سعيد أزمام، عن المندوبية السامية للتخطيط في تصريح لدويتشه فيله، إن انخفاض مستوى الخصوبة سبب رئيسي في تراجع النمو الديموغرافي حيث أظهرت نتائج أحد البحوث أن مغربية واحدة كانت تنجب في بداية الستينات 7.2 من الأطفال في حياتها، أما اليوم فان هذا العدد لا يزيد عن 2.19 من الولادات الحية أي 5 أطفال اقل عما كان عليه الحال منذ خمسين سنة.
هل سيواجه المغرب معظلة الشيخوخة؟
ويستنتج خبراء المندوبية السامية للتخطيط في المغرب بأن هذه المعطيات ستقود حتما إلى شيخوخة الهرم السكاني. الأمر الذي يؤكده كذلك عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد الاجتماعي، موضحا أن الأمر له بعد اجتماعي آخر مرتبط بالضمان الاجتماعي، لأنه إذا كثرت نسبة المتقاعدين فيجب أن توازيها نسبة الفئة النشيطة حتى تعوض بدخلها الضمان الاجتماعي. وأوضح"إذا وقع نقص في عدد السكان النشيطين لن يكون دخلهم كاف من أجل تغطية الضمان الاجتماعي للسكان المتقاعدين" وبالتالي، يضيف الكتاني فالأمر ليس بهذه البساطة التي تتناولها السياسة الاقتصادية الرسمية بالمغرب. خاصة وأن النمو الديمغرافي وصل "مستوى خطيرا"، فالأسرة صارت لا تلد أكثر من اثنين وفي بعض الأحيان تكتفي بواحد فقط ولذلك فهي لا تعوض حتى نفسها حسب نفس المصدر.
ويؤكد عمر الكتاني أن الدول القوية مستقبلا هي التي يكون عدد سكانها كبيرا كالصين والهند. وبالتالي فالفكرة التي تقول أن مقولة تخفيض عدد السكان هو في صالح الاقتصاد "نظرية خاطئة"، وأضاف:"نسبة العباقرة في كل مجتمع تقدر بعشرة في المائة. إذا كان عدد السكان كبيرا وبالتالي فنسبتهم تكون أكبر وبالتالي فالابتكار العلمي والتكنولوجي يكون أكثر". لكن الكتاني يستطرد موضحا أن تشجيع النمو السكاني يجب أن يكون بموازاة مع التعليم والبحث العلمي، وبالتالي فإذا كان تزايد السكان هو كمي وليس نوعي فهو سلبي.، مشيرا في هذا السياق إلى مثال "ماليزيا التي ابتدأت منذ 1980 سياسة تنمية بشرية حقيقية وليس كما يقع في بعض الأحيان بالمغرب"، على حد قول عمر الكتاني.
وناهيك عن النتائج الايجابية لاستراتيجية التنمية البشرية التي اعتمدها المغرب منذ سنوات، في مجال التحكم في النمو الديمغرافي، يطرح خبراء المندوبية السامية للتخطيط عوامل ظرفية قد تكون مؤثرة في معادلة النمو الديمغرافي والتحديات الاجتماعية. إذ يقول خبراء مندوبية التخطيط إن تنامي ظاهرة الهجرة في العالم، ساعدت إلى حد الآن على التخفيف من الضغط على سوق العمل المحلي، لكن من المحتمل أن تعرف تراجعا تحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية. وهم يقترحون "تعبئة أكبر للادخار من أجل الاستثمار باعتبارها السبيل الوحيد لرفع التحديات الحالية بالمغرب".