[img]http://www.mojtamai.com/env/images/stories/am877.gif[/img]
في سياق تأثير التغيرات المناخية على الأمن والإستقرار الدوليين ،عمد مجلس الأمن إلى عقد جلسة خاصة ، بمبادرة من بريطانيا ، وتم عقد هذا الإجتماع بعد تقرير صدر عن أحد أكبر المراكز المتخصصة في الدراسات المناخية ، وقف هذا التقرير على حقائق عدة ، مفادها أن ظاهرة الإحتباس الحراري هي تهديد محدق بالأمن العالمي ، بالإضافة إلى احتمالات أخرى كبيرة تطرحها الظاهرة ،أول مظاهرها زعزعة الإستقرار ، وتفاقم التهديدات ، في مناطق متفرقة من العالم .
وهو تقرير أبان أن الاهتمام بالمناخ أضحى العنوان البارز في جل الدراسات المهتمة بعلاقة الإنسان بالطبيعة ، بل كان مرسم ندوات مختلفة ناقشت كمحاور لها تبعات التغيرات المناخية على الأمن القومي للدول ، وبمقابله السلام العالمي .
أزمة دارفور تعتبر مثالا حيا على مدى تأثير التغيرات المناخية على الأمن ، ومدى ما تشكله من تهديد حقيقي على الإستقرار والسلام الدوليين ، فرغم تعمد الإعلام الغربي على السقوط في تعويم متعمد يجانب الحقيقة ، ويخندق هذا الصراع في بؤرة توتر عرقي يتحدد في تصنيف عنصري يقحم القبائل العربية في سيرورة الصراع ، في مواجهة القبائل ذات الأصول الإفريقية ، لكن الحقيقة ، حسب مراقبين ، أن جوهر الصراع يتجاوز هذا التوصيف ، الذي يصفونه بغير الدقيق ، والبعيد عن التشخيص الموضوعي .
فاستحضار المعطى المناخي ، هو التعبير الصحيح ، فالصراع يتفاقم ، والمنازعات تستفحل ، كلما حدثت تغيرات مناخية تأخذ منحى سلبيا في كل لحظة وحين ، وبمقاييس تتجاوز تحكم البشر ، لكن إفرازاتها تمتلئ تهديدا للكينونة الإنسانية بشكل عام ، وتحديدا في رقعة جغرافية معينة ، ولو بتحديد زمني ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبرمجة الناجزة ميدانيا للحد من المخلفات البيئية المنفرزة عبر استعمال التقانة الحديثة ، غالبا ما تتسم بكونها ناسفة للوجود البشري ، كمقذوفات المصانع ، أو غيرها من أدوات الإستعمال الفتاكة ، أو كنفايات المطارح النووية بخاصة ، والتي غالبا ما تختار الدول الفقيرة هدفا لها لدفنها .
وإذا كان إقليم دارفور يتسم بنظام مناخي خاص مختلف على الغالب عن باقي مناطق السودان ، حيث يتسيد فيه فصل مطير يمتد ما بين شهري يونيو إلى غاية سبتمبر ، ميزته الأساس على مدار شهور السنة المتبقية هو الجفاف واليباس ، فإن الخيط الناظم فيه هو استدماج الزراعة كأكثر الأنشطة الإقتصادية حيوية لسكان الإقليم ، حيث يتشكل منها نمط العيش ، مضافا إليها الرعي الموسمي ، فهم يربطون كل ذلك بإمرة دورة المطر ، ويؤكدون أن ازدواجية النظام المعيشي هاته بين الزراعة ، والرعي ، لطالما ساهمت في نشوب نزاعات على مر التاريخ بين المزارعين والرعاة من البدو الر حل ، لكنها كانت تعرف حلا بإعمال التحكيم الذي كان يمارسه شيوخ القبائل .
إلا أن هذا النظام الإجتماعي الموسوم بالتقليدي ، أصيب بنكسة ، إنطلاقا من منتصف الثمانينات جراء الإنتشار المكثف لظاهرة الجفاف ، وما أنتجته من انعكاسات سلبية على السكان من مجاعة ، وتفجر نزاعات مسلحة جراء المنافسة الشديدة حول مصادر المياه .
وهكذا تطور الصراع ، إلى أن وصل إلى مستواه الحالي بفعل هذا الإضطراب السنوي ، وتفاقم ندرة الأمطار ، هكذا ساهمت التغيرات المناخية ، وظاهرة الإحتباس الحراري في أحد أكبر المآسي الإنسانية أزمة دارفور ، وهي فقط انعكاس وصفي لأمثلة أخرى مشابهة في مختلف مناطق العالم ، كما هو الأمر في بعض دول آسيا الوسطى .