أسباب اضطرابات النطق :
تعرفنا علي الأجهزة التي تشترك في عملية النطق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ولقد اتضح مدي تعقد عملية النطق وتأثرها بالعديد من العوامل والمتغيرات ولقد انعكس ذلك علي تعقد وتعدد الأسباب المؤثرة في اضطرابات النطق وهذا يفسر لنا اختلاف تلك الأسباب من شخص إلي أخر بل قد يؤدي السبب الواحد إلي اضطرابات متنوعة لدي عدد من الأفراد ومنا هنا يصعب حصر كافة الأسباب والعوامل المؤثرة في اضطرابات النطق .
وعلي الرغم من تعدد الأسباب المسئولة عن اضطرابات النطق إلا إنه يمكن إجمالها في مجموعتين رئيسيتين من الأسباب هما اللذين يقفا وراء إصابة الطفل باضطراب النطق بشكل عام , وهما :
أولاً : الأسباب العضوية
تتضمن الأسباب العضوية العوامل التالية :
أ - خلل أجهزة النطق :
تعد أجهزة النطق من أهم الأجزاء الرئيسية في إخراج الكلام , ومن ثم فإن أي خلل يحدث بها يؤدي إلي اضطراب النطق , وذلك علي النحو التالي :
1- الحنك المشقوق Cleft Palate
والحنك هو سقف التجويف الفمي وأرضية التجويف الأنفي ويمتد من أصول الثنايا العليا إلي اللهاة , حيث تقع مع نهاية التجويف الفمي والأنفي ويبدأ التجويف الحلقي وينقسم الحنك إلي قسمين :
أولاً : الحنك الصلب :والذي يقع في مقدمة التجويف الفمي إذ يمتد من اللثة إلي نهاية الغار ,وهي المنقطة المقعرة من الحنك .
الثاني : الحنك الرخو :والذي يقع في مؤخرة التجويف الفمي وينتهي باللهاة.
ولا يلعب الحنك دوراً حيوياً في العديد من الأصوات ولذلك فإن حدوث أي خلل فيه يؤدي إلي اضطراب النطق , ويعد الحنك المشقوق هو أبرز أوجه الخلل التي يمكن أن تصيب هذا الجزء من أجزاء جهاز النطق .
إن اضطراب النطق الذي يظهر لدي الأطفال ذوي الحنك المشقوق يرجع إلي خلل أو عيوب تكوينية تحدث بسبب عدم التئام عظام أو أنسجة الحنك , ومعظمنا لا يدرك أننا جميعاً في فترة ما من الزمن يكون لدينا الحنك المشقوق خلال الثلاثة شهور الأولي من الحمل ولكن بنمو الجنين بشكل طبيعي تلتئم هذه الأنسجة معا لتشكل الحنك واللهاة ولو لم يحدث هذا الالتئام يولد الطفل بشق في سقف الفم ولأن الحنك المشقوق يترك فتحة داخل الفم فإن الهواء يندفع عبر الأنف مما يخلق نغمة أنفية في الكلام .
ولذا يظهر ذوي الحنك المشقوق أصواتاً أنفية مرتفعة, وعيوب نطق فريدة إلي حد ما بالرغم من أنه في بعض الشقوق الصغيرة أو الشقوق المعالجة ربما لا تؤدي إلي وجود مشكلات في النطق , غير إنه إذا وجدت أخطاء في النطق لدي ذوي الحنك المشقوق فإنها تبدو فيما يلي :-
إنتاج ضعيف للأصوات الساكنة المضغوطة .
الأصوات الاحتكاكية البلعومية .
الوقفات الحنجرية والبلعومية .
نطق صوت /ل/ البلعومية .
يرتبط النطق المنحرف باستخدام أصوات نصل إلي اللسان بدلا من أصوات طرف اللسان .
ويبدو أن الحنك المشقوق يحدث بسبب مجموعة من الظروف : كالاستعداد الوراثي المصحوب بمشكلات بيئية أثناء حمل الأم للطفل مثل التعرض للإشعاع أو امتناع وصول الأكسجين مبكراً في فترة الحمل , أو قد يحدث نتيجة نقص الكالسيوم أو أسباب أخرى كدخول جسم غريب حاد بالفم .
ومن الآثار السلبية التي تتركها تلك الحالة حدوث صعوبة في بلع الطعام والشراب مما قد يؤدي إلي اختناق الطفل وصعوبة التنفس وصعوبات حادة في النطق والكلام نتيجة إصابة الأنسجة الدقيقة المكونة للأوتار الصوتية وقد تصل إصابة شق الحنك للأذن الوسطي مما يؤدي إلي فقدان السمع أحياناً .
وهناك طريقتين رئيستين يمكن عن طريقهما غلق الشق أو الفتحة إحداهما : جراحة لالتئام الأنسجة معاً , والأخرى : هي إجراء عملية لتركيب حنك صناعي يثبت في المكان الشاغر والغرض من عملية الإصلاح الجراحي أو استخدام هذا الجهاز منع مرور الهواء إلي الأنف وإنتاج أصوات عادية , إذ يقوم جراح الفم والأسنان بتصميم جهاز البلاتوجرافي palatography وهو يتألف من سدادة أو غطاء من البلاستيك يسد الفجوة الموجودة في شق الحلق .
2- شق الشفاه Lip palate
الشفتان عضوان مهمان في عملية التأثير علي صفة الصوت ونوعه , وذلك لما يتمتعان به من مرونة تمكنهما من اتخاذ أوضاع وأشكال مختلفة الانفراج والإغلاق لفتحة الفم والاستدارة والانبساط والانطباق وفي الغالب فإن الإصابة بشق الشفة يكون ثانويا يصاحبه إصابات رئيسية مثل إصابة القلب أو تشوهات الوجه والأطراف وتعتبر الوراثة عاملاً رئيسياً للإصابة بهذه الحالة وتحدث حينما لا يتم نمو أجزاء الوجه بشكل سليم في الأشهر الأولي من حياة الجنين وقد تحدث الإصابة لشفة واحدة أو لكليهما وقد تكون الشفة في هذه الحالة مزدوجة بشق الشفة والحنك معاً .
وتؤدي هذه الحالة إلي عدم احتباس الهواء عند نطق الحروف الاحتباسية كصوت /ب/ , كما يصعب علي الفرد نطق الأصوات التي تشترك فيها الشفتان مثل /و/ , /م/, /ف/ .
3- مشكلات اللسان :
يحتل اللسان جزءا كبيراً من التجويف الفمي والتجويف الحلقي إذ يمتد من خلف الثنايا إلي أعلي التجويف الحلقي إلي وسط التجويف الحلقي وهو متصل بالفك السفلي ومرتبط بحركته أي انخفاض الفك السفلي أو ارتفاعه يؤديان إلي انخفاض اللسان أو ارتفاعه علي التوالي .
ويعتبر اللسان بصفة عامة أهم عضو نطق في إنتاج الكلام وحركات اللسان أثناء إنتاج الكلام تتضمن رفع طرفه وأخدوده وبروزه ويكون اللسان قصيرا نسبيا عند الميلاد ويصبح أطول وأدق عند طرفه مع تقدم العمر .
ومن بين المشكلات التي تحدث للسان وتؤثر علي النطق ما يلي :
أ- عقدة اللسان :
يتصل اللسان بمؤخرة قاع الفم بمجموعة من الأربطة العضلية فإذا كانت هذه الأربطة قصيرا أكثر من اللازم فإن ذلك يعوق سهولة حركة اللسان , ويتأثر تبعاً لذلك نطق بعض الأصوات التي تحتاج لاستعمال طرف اللسان ومقدمته كأصوات /ت/ , /د/ , /ط/ , أو الأصوات التكرارية كصوت /ر/ .
غير أنه مما يجدر الإشارة إليه أن عقدة اللسان قد لا تكون سببا مباشراً للنطق الخاطئ لبعض الأصوات وذلك عندما نتأكد من أن اللسان يقوم بحركته الاعتيادية ويمتد إلي أسفل وإلي أعلي وبين الأسنان وتجاه اللثة وسقف الحلق دون أي صعوبة تذكر .
ولقد عرض (Bernthal , J.& Bankson, N. 1998) للتجربة التي قام فيها ماك إيرني McEnery بفحص (1000) مريض من ذوي اضطرابات الكلام حيث وجد أن بينهم أربعة أشخاص ذوي أربطة قصيرة للسان وكانت أكثر الحالات تطرفاً هي حالة طفل عمره 10 سنوات والذي كان خطأ نطقه يبدو في إبدال صوت / و/ بصوت / ر/ , وقد تم تصحيح الخطأ عقب تعليم الكلام.
وقد أوصي الأطباء بعدم إجراء جراحة لفك عقدة اللسان بسبب إمكانية حدوث تقرحات وعدوي الأغشية وقد استنتجوا من البيانات المطروحة لديهم الأربطة القصيرة في اللسان نادراً ما تكون وحدها سبباً في حدوث مشكلة النطق .
ب- اختلاف حجم اللسان :
قد يؤدي اختلاف حجم اللسان إلي اضطرابات النطق فقد يكون حجم اللسان صغيراً جداً أو كبيرا جداً , مما يعوق عملية تشكيل أصوات الكلام .
ويعد الأطفال المصابين بعرض داون من أوضح الحالات التي يكون فيها اللسان كبيرا مما يجعله يتدلي خارج الفم مما يعوق عملية النطق في حين يعاني أطفال آخرون من قصر في اللسان بدرجة ملحوظة مما يؤثر علي نطق الأصوات البين أسنانية وهي الأصوات التي تخرج من بين الثنايا العليا وهي: / ث / , / ذ /, / ظ / .
وبالرغم من أن اللسان الكبير الزائد عن الحد واللسان القصير جدا يمكن أن يؤثرا في مهارات النطق إلا إن هناك علاقة ضعيفة بين حجم اللسان والنطق إذ أن اللسان مركب عضلي قادر علي التغيير كثيراً في طوله وعرضه وهكذا فبصرف النظر عن حجمه يكون قادرا علي الحركة الضرورية له للإنتاجات الصحيحة للصوت .
ج- أورام اللسان :
إن أي تضخم غير عادي للسان يعوق سهولة حركته ودقته وتكون النتيجة عموماً هي ضخامة الصوت وخشونته وعدم وضوحه وتتأثر تبعا لذلك الأصوات التي تحتاج لطرف اللسان في نطقها حيث يكون من الصعب علي الشخص نطقها .
د- اندفاع اللسان :
في تلك الحالة يحدث اندفاع للثقل الأمامي من اللسان تجاه الأسنان العليا والقواطع أثناء البلع مما يؤدي إلي تشويه بعض الأصوات فهناك أطفال يركزون علي الحركة الأمامية للسان فيما يؤثر علي البلع وكذلك النطق .
4- عدم تناسق الأسنان :
لا تقل أهمية الأسنان عن بقية أعضاء النطق , لما تمتلكه من خاصية القدرة علي التأثير في صفة الصوت ونوعه وكذلك في الكمية الاندفاعية لهواء الرئتين , حيث تخضع إلي نسب متفاوتة من الانسياب أو التوقف أو الحد من حركته بمساعدة اللسان.
فعلى الرغم من ثبات الأسنان فإنها تقوم بدور مهم في بناء معالم البنية الصوتية وتحديد أشكالها خصوصا في بعض الأصوات التي يتكئ اللسان عليها في صيغتها النهائية كصوت / د / , / ث / , أو في إنتاج الأصوات التي تضغط فيها الأسنان العليا علي الشفة السفلي كصوت / ف / .
إن الأسنان الصحيحة البناء والتركيب لها ضرورة قصوى في إخراج الأصوات اللغوية إخراجا نطقياً سليماً فعندما تكون الأسنان مشوهه وغير طبيعية التركيب والبنية , يتوقع حدوث نطق غير سليم لهذه الأصوات .
فمن الجدير بالذكر أن الأسنان تشترك مع أعضاء النطق الأخرى في إصدار مجموعة الأصوات الاحتكاكية مثل / س / , / ش / , / ص / وتحتاج هذه الأصوات إلي فتحات سنية غير مشوهه وإلي تركيب فكي متزن لاختفاء صفة الاحتكاك أو الصفير في الأصوات الساكنة .
ومن المشكلات الأكثر خطورة في هذا الصدد وجود ضعف شديد بعظام الفك العلوي مما يؤخر عملية نمو الأسنان أو تشوه شكلها كما يعوق حركة اللسان وقد يجتاز الطفل هنا عملية تقويم تتضمن وضع دعامات الأسنان بالفك العلوي مما قد يؤثر في حركة اللسان مرة أخرى ومن ثم تؤدي إلي مزيد من اضطرابات النطق .
5- عدم تطابق الفكين :
يلعب الفكين دورا هاما في عملية إطباق الأسنان بصورة كاملة ولذا فإن حركة الفكين تتحكم في حجم التجويف الفمي ومن ثم تتمكن أعضاء النطق من أداء عملها عند إنتاج الأصوات ولذا فإن أي خلل في الفكين سوف يؤثر تأثيرا واضحا علي وضوح الصوت وجودته ومن بين الاضطرابات التي تصيب الفكين :
بروز أحد الفكين عن الآخر مما يؤدي لحدوث خلل في عملية إطباق الأسنان إذ قد يتقدم الفك السفلي علي العلوي أو العكس .
عدم القدرة علي التحكم في حركة الفك وخاصة السفلي نتيجة الإصابة بمشكلة ما , كأن يصاب الشخص بالشلل مثلا, مما يعوقه عن ممارسة النطق والكلام بصورة طبيعية .
ب- خلل الجهاز العصبي :
تعد الأسباب المرتبطة بالجهاز العصبي هي أحد الأسباب التي تقف وراء ما يعانيه الأطفال من اضطرابات في النطق فما يصيب ذلك الجهاز من تلف أو إصابة ما قبل أو أثناء أو بعد الولادة هو المسئول في كثير من الأحيان عما ينجم من مشكلات في اللغة والنطق .
وفيما يلي بعض الإعاقات التي تنجم عن إصابة ما في الجهاز العصبي , وما يترتب عليها من اضطرابات في النطق :
ب- الإعاقة العقليةMental Retardation
سبق أن تكلمنا - في اضطرابات اللغة – عن أسباب التخلف العقلي لدي الأطفال وتصنيفاته ، لذلك سوف يكون التركيز هنا على أشكال اضطرابات النطق لديهم .
اضطرابات النطق لدي المتخلفين عقلياً:
يعاني المتخلفين عقليا من انتشار اضطرابات النطق لديهم بصورة أكبر مما لدي العاديين وإن كانت تختلف هذه النسبة لدي المتخلفين عقلياً باختلاف العمر الزمني وشدة الإعاقة .
وفي الدراسة التي قام بها عبد العزيز الشخص (1996) بهدف تحديد نسبة اضطرابات النطق لدي المعوقين عقلياً وسمعياً ومدي اختلافها باختلاف نوع الإعاقة ودرجتها وكذلك نوع الاضطراب في كل إعاقة فقد شملت عينة الدراسة (68) طفلا وطفلة (38 ذكراً, 30 أنثي) من المعوقين عقلياًَ ممن تتراوح أعمارهم ما بين 8- 15 سنة من فئتي الإعاقة البسيطة (وتراوحت نسبة ذكائهم ما بين 75- 60 ) والمتوسطة ( وتراوحت نسب ذكائهم ما بين 55- 45) .
وقد تم إجراء دراسة حالة لأفراد العينة بعد تقرير المعلمين بأنهم يعانون من مشكلات في الكلام وذلك من خلال إجراءات تشخيص اضطرابات النطق مع أخذ تسجيلات صوتية لهم وكذلك تقارير مستوفاة عن حالتهم وخلفيتهم .
وقد أوضحت تقارير دراسة الحالة أن معظم الأطفال المعوقين عقليا بدرجة بسيطة يمارسون كلاما مفهوما يمكنهم من التواصل بوضوح إلي حد كبير مع الآخرين ورغم أن بعض هؤلاء الأطفال قد يعاني من اضطراب الصوت إلا إنها من الدرجة البسيطة سواء في الطبقة (أجش مثلا) أو الرنين (الألفية) وهذا عكس الأطفال المعوقين بدرجة متوسطة , حيث تزداد اضطرابات النطق وخاصة الإبدال والحذف التي تشمل كثير من الحروف مما يجعل كلامهم يميل إلي الكلام الطفلي وهو كلام يصعب فهمه كما تنتشر بينهم اضطرابات الصوت وخاصة في طبقة الصوت , حيث يتحدث الطفل بطبقة منخفضة ، وشدة مرتفعة ، وعلي وتيرة واحدة مما يجعل كلامه غير مريح , وغير واضح هذا فضلا عن زيادة تدفق الهواء أثناء الكلام لدي بعض الأطفال بينما يبذل البعض الأخر جهدا كبيرا أثناء الكلام ولعل ذلك يوضح التأثير الكبير للإعاقة العقلية علي كلام الطفل .
وهذا ما أكده هاتيوم Hattum, R. (1980) من أن هناك ثلاثة مستويات لاضطرابات النطق تنتشر بين مجتمع المتخلفين عقلياً وهي :
اضطرابات النطق المحددة , والتي تؤثر في فونيمات معينة .
اضطرابات نطق كلية (شاملة ) وهي تؤثر في الوضوح العام .
الغياب الكامل لإنتاج الصوت الكلامي .
إذ أنه بشكل عام يمكن القول بأن حدة اضطراب النطق تتناسب طرديا مع حدة التخلف العقلي فكلما زادت حدة التخلف كلما كانت هناك فرصة أكبر لظهور اضطرابات أكبر في النطق , إذ أن بعض حالات التخلف العقلي يصاحبها إعاقات حركية مما يمكن أن يكون له عواقب خطيرة علي إنتاج الصوت الكلامي .
ولقد قام إنجالس Ingalls , R (1987) بتحليل عدد كبير من الدراسات التي اهتمت بالتعرف علي اضطرابات اللغة والنطق لدي المتخلفين عقلياً وقد توصل إلي عدد من الحقائق والتي كان من أهمها ما يلي :
أن اضطرابات النطق هي الأكثر شيوعا بين مجتمع المتخلفين عقلياً يليها اضطرابات الصوت التي تأتي في المرتبة الثانية .
أن نسبة انتشار اضطرابات التواصل بين المتخلفين عقلياً أعلي من المستوي الطبيعي .
لا يوجد نوع محدد من اضطرابات النطق يمكن أن نميز به فئة من فئات التخلف العقلي عن الأخرى بمعني انه ليس هناك نمطا فريداً لمشكلات الكلام يمكن أن نميز من خلالها بين فئات التخلف العقلي .
ولقد قام فيتزجارلد وآخرون Vitzgarld et al. بدراسة للتعرف علي تطور القدرة علي النطق لدي الأطفال المتخلفين عقلياً من مستويات ذكاء مختلفة حيث أخضع (22) طفلا لبرنامج تدريبي لنطق الأصوات بعد أن قام بتقسيمها إلي مجموعتين باستخدام مقياس ستانفورد – بينيه الأولي بنسبة ذكائها أقل من 50 , والمجموعة الثانية نسبة ذكائها بين 50 - 70 .
وقد أظهرت النتائج أن أطفال المجموعة الأولي بحاجة إلي تدريب أطول مقارنة بالمجموعة الثانية كي يتمكنوا من اكتساب القدرة علي نطق أصوات معينة , إذ احتاج أطفال المجموعة الأولي إلي فترة ما بين 82 - 154 يوماً بينما احتاج أطفال المجموعة الثانية إلي فترة ما بين 24 - 69 يوماً لإتقان نطق نفس الأصوات وهذا يدل علي ارتباط صعوبات النطق بنسبة الذكاء .
ج- خلل جهاز السمع :
سبق أن تكلمنا أيضاً - في اضطرابات اللغة – عن أسباب الإعاقة السمعية وتصنيفاتها ، لذلك سوف يكون التركيز هنا على أشكال اضطرابات النطق لديهم .
اضطرابات النطق لدي المعاقين سمعياً :
إن العلاقة بين حاسة السمع واكتساب اللغة وسلامة النطق تتأثر بعاملين هما :
1- حدة الفقد السمعي :
من المعلوم أن هناك علاقة بين شدة الفقدان السمعي واضطرابات النطق فكلما زادت درجة الفقدان زادت معها شدة اضطرابات النطق .
2- العمر الذي وقع عنده الفقد السمعي :
والعمر الذي اكتشف فيه : فإذا كان الفقد السمعي حاد منذ الميلاد يكون اكتساب اللغة أمرا صعباً بما فيها الجوانب الفونولوجية والتركيبية والخاصة بالمعاني وفي هذه الحالة لابد من وجود تعليم متخصص لتطوير الكلام واللغة , وتعتمد طريقة تعليمة علي الإشارات البصرية واللمسية والحس حركية بالإضافة إلي استغلال البقايا السمعية لديه .
وعادة ما يحتفظ الأطفال والراشدين الذين يعانون من فقدان سمعي شديد جداً بعد اكتسابهم اللغة بنماذجهم في النطق لبعض الوقت ، إلا أن هذه المهارات لا تلبث أن تتدهور تدريجياً .
ولقد أوضح الباحثون أثر الفقد السمعي علي إنتاجات الصوت , حيث لاحظوا الخصائص التالية للصوت المتحرك لدي الأفراد المعوقين سمعياً .
عدد الإبدالات في الأصوات المتحركة (العلة) مثل إبدال الأصوات المتحركة المتوترة بالرخوة .
إبدال الأصوات المدغمة بأصوات معلولة , والأصوات المعلولة بالمدغمة .
حدوث حذف في الصوت المعلول أو المدغوم .
وذكر كل من موراي وتاي Tye – Murray(1991) أن بعض المتحدثين الصم استخدموا حركة مفرطة للفك لتأسيس أشكال متحركة مختلفة بدلا من الحركة الملائمة للسان فالحركة قليلة المرونة للسان تقلل من تكوين المكونات الصوتية المتحركة السمعية -خاصة المكون الثاني الضرورية - لتمييز الأصوات المتحركة .
ويبدو أن هناك اتفاق عام أن بعض أخطاء الأصوات المتحركة تعكس صعوبات في التمييز بين ما هو مجهور وغير مجهور , وإبدالات المجهور وغير المجهور والأنفي والاحتكاكي والوقفي وحذف الأصوات الساكنة في بداية الكلام وآخرها والتشويهات والأنفية غير الملائمة للأصوات الساكنة والحذف الأخير للصوت الساكن.
وبصفة عامة -يمكن القول أن - ذوي الإعاقة السمعية يتحدثون بمعدل أبطأ من المتحدثين ذوي السمع العادي بسبب طول الأصوات الساكنة والمتحركة معاً وكذلك نجدهم يستخدمون سكتات متكررة أكثر ويستخدمون انتقالا أبطأ في النطق وتميل نماذج الضغط stress ( ضغط أول أو وسط أو آخر الكلمة ) إلي أن تكون غير ملائمة حيث لا يميز كثير من الذين يتحدثون من ذوي الإعاقة السمعية طول الفترة بين المقاطع المضغوطة وغير المضغوطة ويستخدمون هذا إلي جانب أنهم يستخدمون نغمة صوت عالية جدا أو منخفضة جدا بشكل زائد عن الحد ويستخدمون نماذج تصريفية غير ملائمة ويستخدمون نوعية صوت أجش أو تنفيس بالإضافة إلي أن أصواتهم الأنفية إما أنها منخفضة أو مرتفعة .
كما سجل كالفيرت Calvert (1982) أن أخطاء النطق الشائعة لدي الأطفال الصم ليست مقيدة بإنتاجات الفونيمات الفردية , بل تقع الأخطاء كذلك بسبب السياق الصوتي المتضمنة فيه الأصوات وأوضح أن الأخطاء الشائعة للنطق في كلام الصم ممن يعانون من درجة فقد (52 ديسبل) والذين يستحيل عليهم التواصل السمعي اليومي أو ما إلي ذلك هي علي النحو التالي :
1- أخطاء الحذف :
حذف الـ / س/ في كل السياقات .
حذف الأصوات الساكنة التي تأتي في أخر الكلمة .
حذف الأصوات الساكنة التي تأتي في بداية الكلمة .
2- أخطاء الإبدال :
إبدال الأصوات الساكنة المجهورة بالمهموسة .
إبدال الأصوات الساكنة الأنفية بالفمية .
إبدال الأصوات ذات التغذية الراجعة الحس حركية واللمسية المدركة بسهولة بتلك الأصوات ذات التغذية الراجعة الأقل مثل إبدال / و / بـ / ر/ .
3- أخطاء التحريف :
درجة القوة عادة تنتج الأصوات الساكنة (الاحتباسية) والاحتكاكية إما بقوة كبيرة جداً زائدة أو بقوة ضعيفة زائدة عن الحد .
تقترن الأصوات الأنفية بإنتاجات الصوت المتحرك .
ج- عدم دقة وعدم تحديد نطق الصوت المتحرك .
د- طول الأصوات المتحركة (حيث يميل المتحدثون الصم إلي إنتاج الأصوات المتحركة في مدة غير متمايزة عادة في اتجاه مدة زمنية زائدة ).
4- أخطاء الإضافة :
إقحام صوت متحرك زائد بين الأصوات الساكنة .
الانفلات غير الضروري لأصوات ساكنة وقفية ختامية .
ج- إدغام الأصوات المتحركة .
وقد أجري موسون Moson (1983) دراسة علي عشرة مراهقين ذوي إعاقات سمعية وأسفرت نتائج دراسة عن أن :
الأفراد استخدموا جملا بسيطة ذات مجموعات ساكنة قليلة وبها كلمات قليلة ذات مقاطع عديدة , وكانوا أكثر وضوحا عند استخدام التراكيب الأقل تعقيداً منه عند استخدام جملا أكثر تعقيداً .
فهم المستمعون المتمرسون أكثر مما فهم المستمعون غير المتمرسين .
كانت الجمل المعروضة داخل سياق لفظي أكثر وضوحا من تلك المعروضة خارج السياق .
كانت الجمل التي يسمع فيها المتحدث ويري مفهومة أكثر من تلك التي يسمع فيها المتحدث فقط .
وليس هناك تطابق تام بين مستوي ونوع الفقد السمعي ونماذج النطق الخاطئ لكن بصفة عامة , كلما كان الفقد أقل حدة كلما قل تأثير الكلام واللغة وحيث أن الأصوات الساكنة خاصة تلك الأصوات عالية التردد (مثل الأصوات الصفيرية كصوت / س / , / ذ / , / ص/ تكون ذات حدة كافية أقل في إنتاجها من الأصوات المتحركة فإن الأصوات الساكنة تميل إلي أن تكون أكثر تكراراً في إساءة نطقها .
ثانياً : الأسباب الوظيفية
تتضمن الأسباب البيئية ما يلي :
أ- عمر الوالدين :
يلعب عمر الوالدين دوراً حيوياً في اكتساب الطفل للغة وسلامة النطق, وربما تكون هناك عوامل انفعالية معينة هي المؤثرة في تطور الكلام , ولقد أوضح van Riper, C. (1982) حالتين توضحان هذه العلاقة : الحالة الأولي لأحد الأطفال كان يبلغ من العمر سبع سنوات في الوقت الذي كان فيه عمر والدته 22 عاماً ووالده 24 عاما أي أن عمريهما وقت ميلاد الطفل 15 , 17 عاماً على التوالي وقد كان الطفل غير مرغوب فيه من قبل أبويه , ومهمل وغير مستثار وغير مدرب, ولذلك كان من السهل فهم الخلفية التي تستند عليها المشكلات التي كان يعاني منها في نطقه . أما الحالة الثانية فكانت لطفلة عمر والدها 48 عاما وأمها 45 عاما حين مولدها , فقد أدي الاهتمام الزائد بها , ومطالبتها بمعايير كلام الراشدين إلي إقحام الطفلة مبكرا جدا في حالة من السلبية جعلتها ترفض تصحيحها للأصوات الساكنة ودأبت علي الاستمرار في أخطائها , ومن هذين المثالين يتضح لنا أن عمر الوالدين يجب وضعه في الاعتبار عند تشخيص حالة الأطفال ذوي اضطرابات النطق .
ب- الجو الأسري :
إن معرفة الأحوال المنزلية وسرعة إيقاع الحياة واتجاهات الأفراد فيها يعد أمرا حيوياً لفهم مشكلة الطفل فالبيت غير السعيد يجعل تصحيحنا للنطق صعباً .
ويمكن أن تعطينا قائمة المشكلات الانفعالية في تاريخ حالة الأطفال مضطربي النطق إشارة لرد فعل الطفل تجاه ما يحدث في المنزل . وعلي أخصائي التخاطب الانتباه للأطفال مضطربي النطق الذين يتعاركون دوما أو يؤذوا الحيوانات الأليفة أو يشعلوا النيران ,أو يؤدوا أفعالا عدوانية مختلفة, وفي المقابل كذلك هؤلاء الأطفال الذين ينسحبون من العلاقات الاجتماعية وينعزلوا عن الآخرين ومع كل هؤلاء الأطفال لابد من التعرف علي الجو الأسري وما به من خلافات ومشاحنات بين الوالدين وكذلك أسلوب تعامل الوالدين مع الطفل من قسوة أو رفض أو إهمال أو حماية زائدة أو تدليل وغيرها من الأساليب التي يمكن بدورها أن تتسبب في اضطرابات النطق لدي هؤلاء الأبناء هذا إلي جانب التفرقة في المعاملة بين الأبناء وكذلك الغيرة التي يخلقها قدوم الطفل الجديد للأسرة .
ويمكن أن ينجم عن إصابة الطفل ببعض الأمراض أو إعاقة ما زيادة اهتمام الوالدين بالطفل فنجدهما ربما يتوقعان أن الطفل يفترض نتيجة لحالته أن يتحدث متأخرا نسبياً ويجد الوالدين من الصعب تصحيح كلام الطفل المريض .
فلو وقع المرض خلال السنوات الأولي من حياته وظلت معاملة الوالدين علي هذا النحو فقد يجد الطفل في اضطرابه بعض المكاسب التي يحققها أو إنه يشبع بعض رغباته من خلال طريقة كلامه غير الصحيحة , كأن يلفت الطفل بواسطة اضطرابه اهتمام الآخرين له وكسب رعايتهم بعد رفض ونبذ , والشعور بالإحباط والنقص , فبإمكان الطفل مثلاً أن يخفف من حدة غيرته من أخيه الصغير عن طريق اضطرابه الذي يصبح مركز اهتمام الأسرة ومن الطبيعي أن مثل هذا السلوك فيه خطورة علي الطفل إذ قد يعتاد علي هذا الأسلوب ويصبح طريقته في الكلام بشكل مستمر وشبه ثابت .
ج- التقليد والمحاكاة :
إن التقليد غالباً ما يكون أحد العوامل المسببة لاضطرابات النطق , فلو كانت الأم صماء وكان الأب يعاني من اضطرابات النطق أو كانت الأم مصابة بفرط إفراز الغدة الدرقية فتكون عصبية جداً . غير مستقرة لدرجة أنها تصرخ عندما يصدر الأطفال أي ضوضاء أو يخطئون في نطق كلمة ما فكل هذه النماذج يمكن أن يقلدها الطفل فعند دراسة حالة خمسة أطفال لديهم لعثمة أنفية يعيشون في مزرعة معزولة , وبتتبع حالتهم وجد أن الأم كانت تعاني من الحنك المشقوق Cleft Palate بالرغم من أنهم كانوا لا يعانون من مثل هذه الحالة وهكذا نجد أن الأطفال يقلدون من حولهم عند تعلمهم لأصوات الكلام .
وكثيرا ما يحدث التقليد الخاطئ نتيجة للمناغاة ومحاكاة نطق الطفل في سنوات عمره الأولي مما يرسخ في ذهن الطفل أن ما يسمعه من الكبار هو النطق الصحيح للصوت اللغوي, فمثلا يلفظ الطفل كلمة "لاجل" أو "دبنة" بدلا من النطق الصحيح "راجل " أو "جبنة" وعندما يردد أحد أفراد الأسرة علي مسامع الطفل ذلك النطق الخاطئ يؤكد للطفل أن لفظه صحيح فيستمر الطفل في إبدال نطق صوت /ر/ إلي /ل/ وصوت /ج/ إلي /د/ لوقت طويل .
د- دور المدرسة :
تعد المدرسة أحد المصادر ال