إن
المتتبع للسياسة الداخلية في المغرب منذ تولي جلالة الملك محمد السادس
العرش في 23 يوليوز 1999، يمكنه أن يقف على ملاحظتين أساسيتين،تتمثل
الأولى في تعاظم الإرادة السياسية والتعبوية لدى كل الملك والوزير
الأول،بهدف تأهيل المغرب لتحديات المستقبل.في حين تتلخص الثانية في انتقال
العمل الحكومي برئاسة الوزير الأول إلى طور الديناميكية في التعامل مع
المصالح الشعبية عقلانيا وواقعيا منذ أن حظي بدعم جلالته في
أول خطاب للعرش بتاريخ 30 يوليوز 1999 ،مع العلم أن هذه القضية تهم الشعب
المغربي قاطبة والمتشبث بالوحدة الترابية والسيادة الكاملة على الأقاليم
الجنوبية المغربية.
فقد
عرف ملف الصحراء المغربية انبعاث ديناميكية جديدة ،عبرت عنها العديد من
المبادرات الملكية،التي تؤشر على بداية مقاربة جديدة لحل هذه القضية.
وتقوم
السياسة الجديدة التي أصبح ينهجها المغرب على الشفافية والواقعية
والموضوعية لمعرفة المشاكل الحقيقية لسكان الصحراء ورفعها مباشرة إلى
الملك محمد السادس.وهذا ما يؤشر إلى بلورة مقاربة جديدة لمعالجة قضايا
التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية،تتوجه مباشرة إلى
الأغلبية الساحقة من المواطنين وليس إلى الأقلية،وتنطلق هذه المقاربة
الجديدة من محاربة الامتيازات التي منحت للأقلية،والقيام بعدد من المنجزات
التنموية بالأقاليم الجنوبية تنفيذا لتعليمات جلالة الملك محمد السادس،
الذي طلب من الوزراء أثناء اجتماع إحدى المجالس الوزارية أن يزوروا
الأقاليم الجنوبية لمعاينة تطور الأوراش التي تندرج ضمن اختصاصاتهم،ولتفقد
أحوال المواطنين وحاجياتهم
وترى بعض الدراسات أن الإستراتيجية الوطنية الجديدة لمعالجة ملف الصحراء المغربية،تقوم على بعض الأسس منها:
ضرورة
إخراج ملف الصحراء المغربية من إطار المقاربة الأمنية إلى المقاربة
السياسية القائمة على إشراك كل الفاعلين السياسيين في تدبير الملف .
تطوير إستراتيجية التواصل مع الأقاليم الجنوبية.
فمنذ
وصول العاهل المغربي محمد السادس إلى العرش كان المغرب يتهيأ تدريجيا
للانخراط بشكل إيجابي في هذه الدينامكية الأممية. ويمكن القول بكل موضوعية
أن ملف الصحراء كان من الملفات التي سجلت نوعا من القطيعة في التعاطي
الدبلوماسي المغربي مع ملف وحدته الترابية. فمن مقاربة هيمنت عليها رؤية
وزارة الداخلية الأخطبوطية، تمت معانقة مقاربة أكثر انفتاحا على تعقيدات
هذه القضية تمكن من فتح آفاق لها. فمن جهة تم رد الاعتبار للطابع الوطني
للقضية من خلال فتح مشاورات مع القوى السياسية في ما يتعلق بهذا المشروع
المقترح. بل أكثر من ذلك يمكن أن نلاحظ أن المناخ الديمقراطي الذي يعرفه
المغرب، سمح ربما لأول مرة بفتح نقاش واسع حول تدبير هذا الملف الذي
أصبح مزمنا، امتد إلى الأصوات المنادية بحل مغاير. فقد خرجنا من ذلك
الإجماع الجامد إلى إجماع حول جملة من الثوابت، لكنه منفتح
أكثر على تنوع أبعاد القضية الصحراوية. في نفس السياق كان لامناص من
الانفتاح على السكان الصحراويين أنفسهم، وذلك من خلال إشراك أكثر فعالية
لهم، والاستماع بشكل أحسن إلى هواجسهم.
ستبدو
بعض معالم التغيير في تعامل الملك الجديدة مع هذه القضية دون أن تشكل
قطيعة واضحة مع الأسلوب الذي تم به معالجة هذا الملف .فإقالة وزير
الداخلية السابق السيد إدريس البصري الذي كان قد احتكر تدبير هذا الملف
كان يعني افتراضيا تبني مقاربة جديدة في التعامل مع معطيات الصحراء.وهكذا
فقد أقدم الملك محمد السادس على إقالة العامل المنسق مع المينورسو،وتعويضه
بسفير سابق من وزارة الخارجية وكذلك إحداث لجنة ملكية لمتابعة
شؤون الصحراء مكونة من شخصيات مدنية وعسكرية،علاوة على إعادة تنظيم المجلس
الاستشاري للشؤون الصحراوية.
ومن
الواضح أن الإعلان عن هذه اللجنة يعد تعبيرا عن بداية مقاربة جديدة لهذا
الموضوع، ذلك أن المبادرة الملكية تسعى إلى توسيع دائرة التشاور وإشراك كل
الفاعلين الذين لهم علاقة بالموضوع.
وتكمن
أهمية هذه المبادرة الملكية في أنها تستجيب لمطلب طالما عبرت عن العديد من
القوى السياسية،التي اعتبرت من الأفيد توسيع التشاور بشأن قضايا
الصحراء،كما تؤكد هذه المبادرة الواضحة أن هناك إرادة ملكية في التخلص من
مقاربة ملف الصحراء من طابعها الأمني الإداري الضيق الأفق،وأن تنفتح على
نوع من التشاور الجماعي بمشاركة أبناء الأقاليم الجنوبية وممثلي السكان.
وقد
ترأس جلالة الملك محمد السادس أول اجتماع لهذه اللجنة يوم 25 أكتوبر
1999،وأعطى تعليماته بتخصيص غلاف مالي لمعالجة مشاكل البطالة في الأقاليم
الجنوبية،ومعالجة مشاكل النقل التي يعاني منها الطلبة المنحدرون من
الأقاليم الجنوبية.
وقد دعا
الملك محمد السادس أبناء الأقاليم الجنوبية، إلى الانكباب على التفكير
الجاد والعميق، بخصوص تصوراتهم لمشروع نظام حكم ذاتي، في إطار سيادة
المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية.
وقال
الملك محمد السادس في خطاب وجهه إلى الأمة من مدينة العيون يوم 25 مارس
2006 إنه "وسيرا على نهجنا في التشاور مع كل القوى الحية، وتعميقا
للممارسة الديمقراطية التي ارتضيناها دون رجعة، أعلنا في خطابنا بمناسبة
الذكرى الثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة عن قرارنا بإجراء
استشارات واسعة للأحزاب السياسية وكذا لأبناء المنطقة المعنيين.
وبعد
أن أكد العاهل المغربي أن استشارة الأحزاب السياسية بهذا الخصوص قد قطعت
أشواطا هامة، أعرب جلالته عن إيمانه بأن هذه الاستشارة الديمقراطية
المزدوجة، على الصعيدين الوطني والمحلي، حول موضوع حيوي بالنسبة للشعب
المغربي، في جو من الإجماع والتعبئة، من شأنها أن تفضي، في أنسب الآجال،
إلى بلورة منظور وطني متجانس وواقعي لحكم ذاتي يضمن لجميع سكان الصحراء
إمكانية تدبير شؤونهم الجهوية، في ظل الديمقراطية وسيادة القانون.
وقال
العاهل المغربي بهذا الخصوص "وإننا لنؤكد لكم أنكم ستجدون في خديم المغرب
الأول، بصفتنا الضامن لوحدة الأمة وسيادتها، الأذن الصاغية لآرائكم
ومقترحاتكم، والساهر على توفير كل الشروط والوسائل الكفيلة بجعلكم تنهضون
بمهامكم، على الوجه الأكمل".
و أن "قضيتنا الأولى تعرف تطورات ومستجدات، على الصعيد الدولي، منذ أن
تأكدت للأمم المتحدة استحالة تطبيق مخطط التسوية الأممي. وبدلا من ذلك،
برزت ضرورة حل سياسي متفاوض بشأنه، ومقبول من جميع الأطراف".
وقال
الملك محمد السادس: إنه "وتجاوبا مع هذا التوجه، الذي يحظى بتأييد المجتمع
الدولي والأمم المتحدة، ما فتئت بلادنا تبدي استعدادها لإيجاد حل سياسي،
يضمن لسكان المنطقة تدبير شؤونهم الجهوية. وذلكم في إطار السيادة الوطنية
والترابية، غير القابلة للتصرف كتسوية عادلة للنزاع المفتعل في المنطقة،
وكمساهمة في بناء مغرب عربي يعمه التعاون والازدهار، وفضاء جهوي يسوده
السلم والاستقرار وأن هذا التوجه يندرج أيضا في إطار الجهود الحثيثة، التي
ما فتئ جلالته يبذلها منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، وذلك لإقرار حكامة
جيدة، تقوم على توسيع مجال المشاركة في تدبير الشأن المحلي، وانبثاق
نخب جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، وتوفير الوسائل القانونية،
والإمكانات المادية الضرورية، لتحقيق هذه الغايات، خدمة لمصالح المواطن،
وحفظا لكرامته، وضمانا للصالح العام.
وبهذه
المناسبة قام العاهل المغربي بتنصيب المجلس الملكي الاستشاري للشؤون
الصحراوية الذي يعد لبنة أساسية في ترسيخ ثقافة التشاور، وفسح المجال
الواسع أمام المواطنين للمساهمة باقتراحاتهم العملية في كل القضايا
المتصلة بالوحدة الترابية، وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
للأقاليم الجنوبية.
ثانيا: الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة…الترابط والتلازم
على
إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديمقراطية، هل
يمكن تأسيس ترابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديمقراطية
المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟
وهذا
يقودنا إلى التساؤل عن إمكانية استيعاب مشكلة الصحراء في سياق تطوير
الديمقراطية المحلية التي ترعى حقوق السكان المحليين؟ لاشك في أن الجهوية
هي أساس تدعيم التنمية المحلية. ومن المؤكد أن الجهوية المعمول بها حاليا
وهي جهوية وإدارية لا يمكن أن تشكل حلا لقضيةالصحراء بل لا بد من تطوير
الجهوية الإدارية إلى جهوية سياسية قادرة على الحفاظ على الوحدة الترابية
للدولة.
يتطلب
مشكل الصحراء الإسراع في تطبيق النظام الجهوي والخروج من النزعة القبلية
التي كانت سببا في تشديد المركزية من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية من
جهة وفشل الاستفتاء الذي كان مقررا لحل هذا المشكل من جهة أخرى.
وقد
أكد ذلك الملك محمد السادس في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في ندوة
"مغربية الصحراء في التراث التاريخي والأدبي" يوم الجمعة 20 إبريل 2001
التي نظمت ب"تطوان" ما بين 20 و 22 أبريل 2001 حيث قال: "…إن الجهوية
واللامركزية في أوسع معانيها وتجلياتها الديمقراطية في إطار الإجماع
والسيادة والوحدة الترابية للمملكة تعد أحسن خيار وأقوم سبيل لتجاوز
النزاع المفتعل حول مغربيالصحراء .
وأضاف
جلالته أن المسار الديمقراطي الجهوي الذي نرعاه بكل حزم وعزم وإخلاص، يمكن
المواطنين المغاربة ولا سيما أبناءنا في الصحراء، في معالجة قضاياهم
وإدارة شؤونهم من موقع حاجياتهم ضمن منظور شكل فيه اللامركزية الجهوية
ضرورة وطنية ومطلبا ديمقراطيا يستهدفان تفعيل كل الطاقات والموارد البشرية
محليا وجهويا وإقليميا، معتقدين بأن التنوع هو الذي يغني الوحدة الوطنية
ويدعمها، فليست الديمقراطية مجرد تجسيد للمساواة في ظل دولة الحق
والقانون، وإنما لا بد لها أيضا من عمق ثقافي يتجسد في احترام الخصوصيات
الجهوية وإعطاءها الفضاء الملائم للاستمرار والإبداع وإثبات الهوية
وبمناسبة
الذكرى 28 لانطلاق المسيرة الخضراء أعلن الملك محمد السادس عن عزم المغرب
إعطاء مختلف جهات المملكة تناسقا أقوى بحيث يكون لكل جهة شخصيتها المتميزة
في ظل مغرب موحد غني بتنوع مكوناته الإقليمية. وقال إنه سيجعل من الجهوية
واللامركزية وعدم التمركز وديمقراطية المشاركة والقرب "مشروعا إستراتيجيا"
ولا سيما في الأقاليم الجنوبية، ووصف النزاع في الصحراء بأنه "مفتعل"
و"مشكلة مصطنعة ولا علاقة لها بتصفية الاستعمار.
وقد
جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى34 لانطلاق المسيرة الخضراء
المظفرة حاملا لمشروع جهوية موسعة تندرج ضمن البناء الديمقراطي الحداثي
للمغرب و النهوض بمسلسل التنمية الجهوية للبلاد في إطار الحكامة الجيدة
والديمقراطية المحلية،يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله في هذا
الإطار:
" لذلك
قررنا, بعون الله, فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة
التي نقودها , بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة, تشمل كل مناطق المملكة,
وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية, مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة
ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد,
سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة, وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية, أو من خلال
الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي,
من طرف المنتظم الأممي.
شعبي
العزيز, إن مشروع الجهوية, إصلاح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته
وإنضاجه, لذا, ارتأيت أن أخاطبك في شأن خارطة طريقه : أهدافا, ومرتكزات,
ومقاربات. فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية
الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة,
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولبلوغ هذه الأهداف, فإن هذا الإصلاح
يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن, والتضامن. فأما الوحدة, فتشمل
وحدة الدولة والوطن والتراب, التي لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في
نطاقها. وأما التوازن, فينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية
المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض
بمهامها التنموية, في مراعاة لمستلزمات العقلنة والانسجام والتكامل. ويظل
التضامن الوطني حجر الزاوية, في الجهوية المتقدمة, إذ أن تحويل الاختصاصات
للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية. كما أن نجاح الجهوية رهين
باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة
اجتماعيا وثقافيا. وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى للأمة".
هذا
وإذا كان الحكم الذاتي المتطور في إطار اللامركزية الجهوية والوحدة
الوطنية، اختيار ملكي مفاده أن المغرب مستعد للتفاوض في كل شيء ماعدا
الطابع البريدي والعلم المغربي. بمعنى الطرح الملكي جاء مستوف لسياسة
جهوية عصرية ليس لها حدود ما عدا تلك التي تمس بالسيادة التي يرمز إليها
الطابع البريدي وعلم البلاد، وكل ذلك يهف حسب اعتقادنا إلى إقناع الطرفين
بشيئين اثنين:
1- طرح فكرة الإدماج والتخلص من مخلفات الحرب الباردة، دون المساس بالسيادة الوطنية.
2- فتح
مجال للعيش في استقرار، إذا كان الهدف من هذا الملف الشائك هو كذلك،
وتحقيق ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سواء بالنسبة
لمنطقة الصحراء أو باقي مناطق المغرب
إن
الإستراتيجية الأساسية للمغرب في تكريس وحدته الترابية تكمن في تطوير
مشروعه الديمقراطي المرتكز على الجهوية، فهذه الأخيرة لا ينبغي أن تبقى
مجرد نصوص بل لابد من تفعيلها على أرض الواقع من خلال تمكين الصحراويين،
وكذلك باقي سكان المغرب من أجهزة تمثيلية ذات اختصاصات فعلية وإمكانات
مالية تسمح لها بالتدبير المحلي الفعلي انطلاقا من الخصوصيات التي تتمتع
بها وكذلك إدماج كافة مكوناتها بعيدا عن الهاجس الأمني المحض الذي تحكم في
تدبيرها طيلة السنوات الماضية
وقد جاء الخطاب الملكي السامي ليوم الأحد 3 يناير 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية حاملا لمشروع جهوية موسعة تندرج ضمن البناء الديمقراطي الحداثي للمغرب و النهوض بمسلسل التنمية الجهوية للبلاد في إطار الحكامة الجيدة والديمقراطية المخلية،يقول جلالة الملك في هذا الإطار:
"..ومن هذا المنظور، فإن الجهوية الموسعة المنشودة، يقول جلالة الملك، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة. " ….وإننا ننتظر من هذه اللجنة، إعداد تصور عام، لنموذج وطني لجهوية متقدمة، تشمل كل جهات المملكة; على أن ترفعه لسامي نظرنا في نهاية شهر يونيو القادم.
هذا وقد حدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرتكزات الاصلاح الجهوي المستقبلي في أربعة محاور رئيسية:
أولا : التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها، في وحدة الدولة والوطن والتراب، التي نحن لها ضامنون، وعلى صيانتها مؤتمنون. فالجهوية الموسعة، يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي، الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية، المنصهرة في هوية وطنية موحدة.
"ثانيا : الالتزام بالتضامن. إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزي جديدة للسلطات، بين المركز والجهات. فالتنمية الجهوية لن تكون متكافئة وذات طابع وطني، إلا إذا قامت على تلازم استثمار كل جهة لمؤهلاتها، على الوجه الأمثل، مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن، المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق، في مغرب موحد"
"ثالثا : اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات، وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها، بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات.
رابعا : انتهاج اللاتمركز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل."
ثالثا:ارتباط نجاح اتحاد المغرب العربي بحل مشكل الصحراء
إلى
جانب قضية الصحراء يعد البناء المغاربي مصلحة وطنية جوهرية في السياسة
الخارجية المغربية، ولاغرو في أن يتمثل المغرب هذا المشروع،ويسعى منذ
استقلاله إلى تحقيقه،فبالنسبة للملك الراحل محمد الخامس، فإن الشمال
الإفريقي يكون وحدة في الجغرافيا والجنس والدين واللغة والتقاليد ولذلك
فمصيره كما كان ماضيه واحد" ويقول في موضع آخر:.."ويتعين علينا أن نولي
عناية خاصة لإقامة اتحاد بين أقطار المغرب العربي،يعزز جانبها ويؤهلها
للقيام بدورها على مسرح السياسة العالمية.."
ويأخذ
التشبت بهذا المشروع المغاربي مكانة خاصة في تفكير العاهل المغربي الراحل
الحسن الثاني.فهي "وحدة متراصة تنبع من القلوب وتحتمها ضرورة العصر
ويفرضها ترابط المصير، وتمليها وحدتنا التاريخية الكبرى نساهم بها في
تركيز دعائم الحرية والسلم وتثبيت أسس التآخي بين المجموعة البشرية.لن
تكون وحدة عدوان ولا توسع ولا استغلال، ذلك لأنها وحدة اختمرت في أعماق
ضمائرنا،ونحن نخوض الكفاح ضد العدوان والتوسع والاستغلال
بل
إن الاتحاد المغاربي يتردد بشكل مستمر في خطب الملك محمد السادس أمام
الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في رسائل التهنئة بمناسبة إنشاء اتحاد
المغرب العربي:
"….وفي
هذا الصدد، فإن المغرب يعتبر أن الخلاف المفتعل حول الصحراء، لا زال، مع
كامل الأسف يعيق بناء اتحاد المغرب العربي، ويعرقل الاندماج الاقتصادي
الذي تتطلع إليه الشعوب المغاربية الشقيقة . وإنني لأجدد استعداد المغرب
لمواصلة العمل، بكل صدق وعزيمة مع الأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية،
من أجل إيجاد حل سياسي تفاوضي ونهائي، في نطاق الشرعية الدولية، يضمن
للمملكة المغربية سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية، ويكفل لسكان
أقاليمها الجنوبية التدبير الذاتي لشؤونهم الجهوية في إطار الديمقراطية
والاستقرار والتنمية المندمجة.
وإن
من شأن هذا الحل تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر وتأهيلها ليس فقط
لتحقيق اندماج الاتحاد المغاربي وإنما أيضا تمكين هذا الاتحاد من النهوض
بدوره على الوجه الأكمل في محيطه المتوسطي، وعلاقاته مع دول الساحل
الإفريقي، لتحصين منطقة غرب الشمال الإفريقي برمتها، من مخاطر البلقنة
والإرهاب الدولي.."إن تجاوز هذا التضارب بين
المصالح المغربية والجزائرية هو الحل الأنسب لاستكمال مسيرة اتحاد المغرب
العربي، وسوف يظل يلقى بضلاله على مسيرة اتحاد المغرب العربي ما لم يتم حل
كل الخلافات الثنائية وخاصة بحياد الجزائر في هذا الملف وتخليها عن تقديم
الدعم لجبهة البوليساريو وأن تحذو حذو كل من ليبيا وموريتانيا في هذا
الشأن.
وفي
هذا الإطار تأتي المبادرة المغربية باقتراح مشروع الحكم الذاتي على
الأطراف الأخرى أمام هيئة الأمم المتحدة قصد إنهاء هذا المشكل والانكباب
على حل المشاكل الداخلية وتحقيق التنمية المحلية من أجل خلق التكامل
والانسجام بين مختلف دول المغرب العربي ومواجهة التحديات التي تفرضها
توجهات الألفية الثالثة وإكراهات العولمة على الاقتصاديات الجهوية
والقارية في مختلف المجالات، وكذا تحقيق الأهداف العامة والخاصة التي تتوق
إليها شعوب المنطقة في إطار اكتمال اتحاد المغرب العربي.
فمشروع
الحكم الذاتي يعتبر كبرهان حقيقي على إصرار المغرب من أجل بناء الاتحاد
المغاربي في مقابل تصلب موقف الجزائر وجبهة البوليساريو نظرا لعدة
اعتبارات متباينة ما بين الطرفين جغرافية وتاريخية واقتصادية وسياسية
وأمنية. كما أن الاهتمام الكبير الذي أحيط بهذا المشروع من طرف الأمم
المتحدة وكذا من قبل دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية
وعدد كبير من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا يبشر برغبة أغلب
الأطراف الدولية في إنهاء هذا الصراع الذي عمر لأزيد من ثلاثة عقود.
ويقول
جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لـ30 يوليوز 2009:" وبنفس الروح
المغاربية، سنواصل جهودنا الدؤوبة، وتعاوننا الداعم للمساعي الأممية البناءة،للوصول إلى حل سياسي،توافقي ونهائي،للخلاف الإقليمي حول مغربية صحرائنا.
ومن هنا، نؤكد تشبثنا بالمبادرة المقدامة للحكم الذاتي،لجديتها ومصداقيتها،المشهود بها دوليا،بركائزها الضامنة لحقوق الإنسان،والهادفة لتحقيق المصالحة،ولمِّ الشمل،بين كافة أبناء صحرائنا المغربية،وبأفقها المغاربي والجهوي البناء،المتطلع لرفع التحديات التنموية للمنطقة،وضمان التقدم والرفاهية لساكنتها.
إن
تحقيق المبادرة المغربية بمنح حكم ذاتي موسع للصحراء سيساهم لا محالة في
صون الحقوق الثابتة وحفظ خصوصيات المنطقة وفتح آفاقا رحبة للبناء
الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتعايش داخل المغرب.
ومن
شأن هذا الحل أن يعمل على دفع الدول المغاربية أن تعمل على تجاوز كل
الخلافات لتحقيق التكامل الاقتصادي والانكباب على مواجهة التحديات
الإقليمية والعالمية في ظل الألفية الثالثة؛ وكذا تقوية سبل التعاون
والتنسيق السياسي والأمني من أجل تحقيق الديمقراطية والتغلب على مختلف
المظاهر الجديدة للإجرام والإرهاب والأمراض وغيرهالقد
أصبح الجميع في المغرب -من مجتمع مدني وقوى سياسية- مقتنعا بأن
قضية الصحراء المغربية هي مفتاح نجاح المرحلة الجديدة التي دشنها الملك
محمد السادس،فهو يعتبرها من الملفات الصعبة التي يواجهها ويعطيها
الأولوية،حيث تشكل القضية الوطنية المركزية بالنسبة إليه،وأن أي تسوية يجب
أن تراعي الثوابت الأساسية وهي: الشرعية الدولية والسيادة والوحدة
الترابية.
ومن
ناحية أخرى يبدو أن الرؤية الملكية لحل نزاع الصحراء تربط بضرورة إصلاح
جهوي حقيقي وتوطيد أسس الإتحاد المغاربي بوصفه قاعدة لنظام الأمن الإقليمي
في المغرب العربي وشمال إفريقيا.