إعادة تعريف التنمية المستدامة
ديفيد جريجز
ذات مرة، قال ألبرت آينشتاين إنه إذا لم يكن لديه سوى ساعة واحدة
لإيجاد حل تتوقف عليه حياته فإنه سيمضي أول 55 دقيقة في تعريف المشكلة.
وبمجرد أن يعرف السؤال الصحيح الذي ينبغي له أن يطرحه على نفسه فسيكون
بوسعه أن يحل المشكلة في أقل من خمس دقائق.
واليوم تواجه البشرية مثل هذه المشكلة التي تهدد الحياة: فكيف نوفر
التغذية الكافية والنوعية اللائقة من الحياة لسكان العالم الذين من المنتظر
أن يتجاوز عددهم تسعة مليارات بحلول عام 2050، دون الإضرار بأنظمة دعم
الحياة على كوكبنا على نحو غير قابل للإصلاح؟ لإيجاد الحل، يتعين علينا أن
نبدأ أولاً بتوضيح المشكلة.
لقد تسبب البشر في تغير الأنظمة الإيكولوجية على الأرض جذريا. فمن خلال
التدخل في دورة الكربون والنيتروجين والماء والفسفور، تعمل الأنشطة البشرية
على إحداث تغيرات في الغلاف الجوي، والمحيطات، والمجاري المائية،
والغابات، والصفائح الجليدية، فضلاً عن تقليص التنوع البيولوجي. والواقع أن
التأثيرات التي يخلفها السلوك البشري على الأنظمة الإيكولوجية على كوكب
الأرض أصبحت كبيرة للغاية في القرون القليلة الماضية، حتى أن عديدا من
العلماء الآن يعتقدون أن الكوكب دخل حقبة جيولوجية جديدة، يطلقون عليها اسم
الأنثروبوسين ''عصر الإنسان''. وبعد أن أصبحت العواقب البيئية المترتبة
على الأنشطة البشرية واضحة بشكل متزايد، فكذلك أصبحت مسؤولية البشرية عن
تخفيف هذه العواقب كبيرة. في العام الماضي، وفي إطار قمة الأرض التي عقدتها
الأمم المتحدة في ريو دي جانيرو، اتفق زعماء العالم على إنشاء مجموعة من
أهداف التنمية المستدامة العالمية، وهو ما من شأنه أن يغير توجهات السياسة
الاقتصادية في المستقبل، حيث تعمل على الحفاظ على النظام الذي يدعم حياتنا.
وقد يكون الكلام سهلا، لكن من أين نبدأ؟
على مدى ثلاثة عقود تقريبا، كنا نعرف التنمية المستدامة باعتبارها
التنمية القادرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة أجيال
المستقبل على تلبية احتياجاتها. ولقد عكست السياسات المبنية على هذا
التعريف وجهة نظر مفادها أن التنمية المستدامة ترتكز على ثلاثة أعمدة
متساوية: الاقتصاد، والمجتمع، والبيئة.
لكن لم يعد من الممكن دعم هذه الرؤية الآن. فكما يشير التقرير التمهيدي
الصادر أخيرا عن برنامج أبحاث تغير المناخ في الولايات المتحدة بشأن تغير
المناخ، فإن بعض أحداث الطقس أصبحت أكثر شيوعاً وشدة في الأعوام الأخيرة.
ففي عام 2012 وحده انخفض الجليد البحري في القطب الشمالي إلى مستويات غير
مسبوقة، حيث ذابت منه مساحة أكبر من الولايات المتحدة؛ كما ضربت موجات حر
غير مسبوقة أستراليا ومناطق أخرى؛ وضربت فيضانات عارمة الصين واليابان؛
وشهدت المملكة المتحدة أكثر الأعوام هطولاً للأمطار في تاريخها المسجل. لكن
الاستجابات العالمية تظل غير كافية.
الواقع أننا في احتياج إلى نهج جديد. فبدلاً من الارتكان إلى أعمدة
لمنفصلة تقوم عليها التنمية المستدامة، ينبغي لنا أن ننظر إلى الاقتصاد
باعتباره مجتمع خدمات، ويزدهر هذا المجتمع بدوره داخل بيئة طبيعية آمنة.
ومن هذا المنظور، فلا بد من إعادة تعريف التنمية المستدامة بوصفها ''تنمية
تلبي احتياجات الحاضر في حين تحرص على الحفاظ على نظام دعم الحياة على
الأرض، والذي تتوقف عليه رفاهة الجيل الحالي وأجيال المستقبل. إن صحة كوكب
الأرض وازدهاره شرط أساسي لحياة صحية ومزدهرة لسكانه من البشر.
الآن تجري عملية تحديد أهداف التنمية المستدامة، التي يفترض أن تدخل حيز
التنفيذ في عام 2015، على قدم وساق. ففي الأسبوع الماضي، التقى ممثلو 69
دولة في الأمم المتحدة في نيويورك، ومن المقرر أن تلتقي مجموعة من الخبراء
هذا الأسبوع. ولا بد أن تكون الأهداف قابلة للقياس والتحقيق وأن تتجاوز
السياسات الوطنية؛ ولا بد أن تلهم الإدارات الإقليمية والمحلية، والشركات،
والمجتمع المدني، والأفراد في كل مكان وتحملهم على تغيير سلوكهم. وينبغي
لهذه الأهداف أن تضرب بجذورها في القيم الإنسانية المشتركة ــــ والعلوم
ذات الصلة.
لقد نجحت الأهداف الإنمائية للألفية، والتي من المقرر أن تنتهي في عام
2015؛ لأنها تمكنت من تنظيم الموارد الدولية وتوفير التمويل اللازم لمعالجة
مجموعة مركزة من القضايا المرتبطة بالفقر. وينبغي لأهداف التنمية
المستدامة أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. فهي كمثل تجربة آينشتاين
الفكرية، تعتمد عليها العديد من الأرواح.