في هذا الشهر الكريم قررت أن أتوب عن تمردي، قررت أن أصبح مواطنا صالحا، مواطنا يضحك ويصبر ويصفق ويقول نعم لكل شيء، ويؤمن بأن كل الأمور تسير على أحسن ما يرام، مواطنا لا يعترض على انقطاع الماء ويؤدي فواتيره لحظة وصولها دون تأخر، رغم أن فاتورة الماء كاتجي كثر من الما براسو، لقد أقلعت عن التدخين كي لا يعتقدوا أنني أريد إحراق نفسي اعتراضا على الأوضاع، وبعت دراجتي النارية بنصف الثمن كي لا أحتج على الزيادة في ثمن المحروقات، وبعت حتى دراجتي الهوائية خوفا من شي نهار نفيق نلقاها ولات موطور، كما قررت الصوم الدائم كي لا أحس بارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما أنني اشتريت عددا كبيرا من الكتب لأعلم نفسي بنفسي دون حاجتي لانتقاد التعليم وبرامجه، وقمت بجميع الاحتياطات الوقائية لتفادي الأمراض كي لا أتعب معي وزارة الصحة، وتخليت عن النظارات الشمسية التي كنت أرى بها كل شيء أسود، وارتديت نظارات مقعرة ديال قاع الكاس، والتي أظهرت لي الواقع كما يجب علي أن أراه .
في صباح أول يوم بعد توبتي، خرجت إلى الشارع، فأحسست بأن نوره يشع وأن جميع المواطنين سعداء لا يخصنا سوى النظر في و...جوهنا العزيزة، فهذا جارنا السي ميلود الذي كنت أراه يشكو دائما من غلاء المعيشة، أصبحت أسمعه الآن يقول بأن الدولة المسكينة لها مصاريف كثيرة، وليس هناك أي مشكل إن طلّعَت لنا الأسعار، وهذا صديقي سعيد قد تنازل عن فكرة ربط علاقة من أجل الزواج، واحتفظ فقط بالجزء الأول من الفكرة، أما أنا فقد أصبحت غريب الأطوار، فمثلا عند مروري أمام البرلمان أحس بأنني لم أعد أتعاطف مع المعطلين، فقد صرت أنظر إليهم بسخط، وأقرأ في حناجرهم أنهم أشخاص ليست في قلوبهم رحمة، فهم دائما يتعبون رجال الأمن بالجري وراءهم ليضربوهم بالهراوات، فما ذنب رجال الأمن إن كان هؤلاء مدمنون على أكل الزرواطة ؟...حقيقة، حشومة عليهم .. على المعطلين وليس على رجال الأمن.
أعزائي، فعلا أنا نادم جدا على نظرتي الحقيرة التي كنت أنظر بها إلى الأوضاع، كنت أعتقد بأن المواطنين يعانون من الازدحام في وسائل النقل، لكني اكتشفت بعد توبتي أن هذا الازدحام يخلق فينا الألفة، ويجعلنا عائلة واحدة يعانق بعضنا بعضا، صباح مساء. كنت أعتقد أن جامعة الكرة تبذر المال العام من أجل مدرب أجنبي وتتستر على المبلغ الممنوح له عمدا، لكنني اكتشفت بعد توبتي أن جامعة الكرة والتي أقترح أن تتحول لوزارة إسمها وزارة الكرم والضيافة لم ترد كشف أجرة المدرب المخلوع، لأن الصدقة لا تقبل إلا إذا كانت مخفية .
أنا نادم لأنني حقدت على المستفيدين من المأذونيات والمستفيدين من مقالع الرمال، حقدت على كل المستفيدين من هذا البلد دون أن يفيدوه بشيء، نادم على كراهيتي لكل الذين استغلوا مناصبهم من أجل توظيف أقاربهم وأبنائهم وأصهارهم وعشيرتهم، نادم على كل كلمة خرجت من هذا الفم اللعين فيها سب أو قذف أو تشهير، نادم على كل شيء، ومقر بذنوبي ومقسم لكم بأن نيتي صادقة في أن أصبح في نظركم مواطنا صالحا رغم أني في نظركم لست صالحا لأي شيء.
بقلم: :sImo