العلوم[عدل] العلوم العامة طالع أيضا :قائمة العلماء المسلمين
العالم القديم كما رسمه الإدريسي. كان الشمال في ذلك العصر يرسم أسفل الصورة؛ لاحظ التشابه في الحدود العامة بين الخارطة التي تعود للقرن الثاني عشر والخرائط الحالية.
لم يكن لدى العرب في شبه الجزيرة العربية علومًا متنوعة، ولم يركز الأمويون
اهتماماتهم على مجالات متنوعة في العلوم، لذلك فإن تأسيس العلم العربي
فعليًا يعود للعصر العباسي، معتمدًا في البداية على ترجمة أعمال الفلاسفة
والعلماء اليونان كأرسطو وأفلاطون،
وذلك بدعم من الطبقة الحاكمة. وفي المرحلة الثانية أصبح العلماء العباسيون
يضيفون ويبتكرون في العلوم النظرية والتقنية على حد سواء. خلال تلك
المرحلة، كان الجهل والأمية متفشيان في أوروبا
بشكل مريع، ولولا جهود الخلفاء وحاشيتهم لكان العلم الإغريقي القديم قد
اندثر تمامًا. يقول في هذا الصدد المؤرخ الفرنسي لومبادر في كتابه «الإسلام
في فجر عظمته» الصادر عام 1973 أنه بينما نست أوروبا العلوم، ظل العرب في جامعاتهم يدرسون إقليدس وفيزياء العناصر ومخروطيات أبولونيوس وأرخميدس وبطليموس، ما أدى إلى تحول العربية إلى لغة العلوم العالمية، فأنتج العباسوين علماءً في الفلك وعلوم الطبيعة والفيزياء والطب ورياضياتيين يصفهم المؤرخ نفسه بأنهم "من الطراز الأول".
[153] وقد شاطره ذلك الرأي المؤرخ الفرنسي رونان حيث صرّح:
إنّ العلم حقًا أحد مؤسسات الحضارة الإسلامية، ولم يقم محسنون بتشجيعه فقط، بل إن الخلفاء قاموا بتأسيسه وتنميته.[154] وتجدر الإشارة أن أمويو الأندلس قد قاموا أيضًا بتشجيع العلوم، وعن طريق قرطبة، أكثر مما هو عن طريق بغداد انتقلت هذه العلوم نحو أوروبا، باستثناء مرحلة الحروب الصليبية
والسفارات المتبادلة قبلها. وساهمت هذه العلوم لدى انتقالها في بناء
الحضارة الإنسانية الحديثة. ويقول ألكسندر كويريه في هذا الصدد:
إن العرب في بغداد وقرطبة كانوا معلمي الغرب ومربيه. لأنه لم يترجم العرب أعمال اليونان الفلسفية والعلمية إلى العربية وفقط، بل أضافوا إليها مؤلفات برمتها. ولأنه لم يكن هاك في الغرب شخص يمكنه أن يفهم كتبًا لها صعوبة فيزياء أو ماورائيات أرسطو أو مؤلف بطليموس "المجسطي". فاللاتينيون بمعزل عن عون الفارابي وابن سينا وابن رشد بشروحهم وتعليقاتهم على هذه المؤلفات، لم يكن ليصلوا يومًا إلى فهم تلك الكتب.[155]يعقوب بن إسحاق الكندي، عالم وفيلسوف (185 -256هـ/ 805 -873م).
غير أن لومبادر وكويريه، وكذلك جورج مينوا قد أشاروا إلى انهيار شبه تام للعلوم في الدولة العباسية منذ القرن العاشر،
ذلك لا يعود فقط لتدهور الاستقرار السياسي وتراجع حال المعيشة، بل لبروز
تيارات دينية متشددة استطاعت السيطرة على القصر وأثرت على العلوم بشكل
سلبي، وإحدى هذه التيارات كما اتفق المؤرخون الثلاثة المدرسة الحنبلية التي ركزّت على سلبية التعاطي مع أي علم أو كتاب غير القرآن والسنة، ونحا بعض علمائها لاعتبار فلسفة ذلك الزمان زندقة، وجاء في إحدى أدبيات الحنابلة:
لا تفرط في داسة الكواكب، إلا لمساعدتك على تحديد ساعات الصلاة. لا أكثر من هذا.[156] ويضيف كويريه أن الفكر العقلي الجدلي الذي كان أحد أبرز مميزات الحضارة قد تراجع مع السلاجقة واختفى مع الاجتياح المغولي وبالتالي كفّ العرب عن البحث والتحديد واكتفوا بالنقد والتقليد.
[155]تشريح العين لحنين بن اسحق من كتابه «المسائل في العين».
ومن أبرز المنجزات العلمية في العصر العباسي، رسم أول خارطة للعالم بأسره على يد الإدريسي المولود في سنة 1100 وقد ظلّ كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، كتاب الجغرافيا الأول في الشرق والغرب.
[157] ومن العلماء العباسيين البارزين أيضًا، ابن الهيثم المولود عام 965 والذي ألف مائتي كتاب في الطب والفلسفة والرياضيات والفيزياء
ولعلّ كتبه حول الأشعة وانكسارها وانعكاسها أبرز ميادين كتابته، وقد حاز
مؤلفه «المناظر» الذي درس به الأشعة شهرة عالمية. ويعود له أيضًا عدد من
الابتكارات كصقل العدسات المحدبة والمقعرة.
[158] وأيضًا عبد الله البتاني الذي ولد في الرقة وعاش بها عام 850، واشتهر بعلم الرياضيات حيث أكمل تنسيق الزوايات خصوصًا الجيب وجيب التمام والظل، وناقش نظريات بطليموس حول الكواكب وزاد عليها في كتابه «تعديل الكواكب» وكتابه «زيج البتاني».
[159] هناك أيضًا ابن سينا المولود في بخارى عام 981
وله مؤلفات في مواضيع شتى أجلّها «القانون في الطب» وهو موسوعة تحتوي
خلاصة ما توصل إليه الإنسان في هذا المجال، وقد ظل متداولاً ومتدارسًا في
مختلف أصقاع العالم حتى القرن السادس عشر. وفي مجال الصيدلة برز ابن البيطار الذي ولد في الأندلس عام 1197 وطاف أوروبا واستقر في دمشق إلى أن توفي عام 1248، وساهمت رحلاته في معرفته أنواع النباتات وتركيب عقاقير طبية منها. وقد ألف ابن البيطار عددًا من الكتب أبرزها «الجامع في المفردات الطبية»، ويعتبر من رواد طريقة الاستنباط العلمية، إلى جانب جابر بن حيان العالم الكيميائي الذي نال دعم هارون الرشيد وأسس وتلامذته منهج التجربة في العلوم.
[160]وهناك أيضًا الكندي وهو من أبرز الفلاسفة، والرازي
الذي كان له مؤلفات طبية أبرزها «الحاوي» ومؤلفات فلكية ناقش خلالها كروية
الأرض وعدم تمركزها في قلب العالم؛ كما أشتهر علم التأريخ وفق الروايات
المتناقلة ومن المؤرخين ابن كثير والمقريزي،
وانبثق منه علم "أنساب العرب" وتدوين سير أعلامهم ومن الكتب الهامة في هذا
الصدد كتاب "وفيات الأعيان" لابن خالكان. ومن العلوم التي نشأت أيضًا في
كنف العباسيين، علم الجبر، وكذلك فقد ابتكر الخوارزمي أول لوغاريتم في العالم.
[100] ولم يقتصر الأمر على المسلمين، إذ برز العديد من العلماء غير المسلمين
كثيوفيل بن توما الذي شغل منصب كبير علماء الفلك لدى الخليفة، وقيس
الماروني المؤرخ الذي وضع مؤلفًا أرخ به تاريخ البشرية منذ خلق آدم وحتى خلافة المعتضد،
[161] وجرجس بن بختاشيوع المولود عام 771 وجبريل تلميذه المولود عام 809 وحنين بن اسحق، وعبد المسيح الكندي من القرن التاسع ويوحنا بن ماسويه والذي كان وأبيه قبله، مدير مشفى دمشق خلال خلافة هارون الرشيد، وغيرهم.
[100] وفي الواقع، فإنه من الصعب حصر جميع علماء العباسيين ومؤلفاتهم لكثرتها وتنوعها.
[عدل] الترجمةإحدى مخطوطات بيت الحكمة المترجمة إلى العربية.
اهتمّ العباسيون بترجمة الكتب والمخطوطات القديمة إلى العربية، فشكل ذلك بداية الثورة الفكرية والحضارية في العصر العباسي. كان العرب يجهلون اللغة اليونانية التي دونت بها أغلب المؤلفات العلمية القديمة أمثال أرسطو وأفلاطون وغيرهما، ومع اهتمام الخلفاء خصوصًا أبو جعفر المنصور وهارون الرشيد وابنه المأمون بالعلوم، عهدوا بعملية الترجمة إلى السريان وبشكل أقل للفرس.
[162] وقد كانت الترجمات تتم على مرحلتين، من اليونانية إلى السريانية ومن السريانية إلى العربية.
[163] كذلك فقد نقل العرب، الأدب السرياني بكامله إلى لغتهم وقد
اعترف
المؤلّفون العرب القدماء، كابن أبي أصيبعة، والقفطي، وابن النديم
والبيهقي، وابن جلجل وغيرهم، بقصّة غزو العرب للأدب السريانيّ والمؤلّفات
التي ترجمت عن السريانيّة إلى العربيّة في أرجاء الدولة العباسيّة
والأندلس:[164]
| ازدهرت الترجمة على أيدي السريان في الفترة الواقعة بن عاميّ 750-900. فقد عكفوا على ترجمة أمّهات الكتب السريانيّة واليونانيّة والفارسيّة إلى العربيّة، وكان على رأس أولئك المترجمين في بيت الحكمة “حنين بن اسحق” الطبيب النسطوريّ، فقد ترجم إلى اللغة السريانيّة مائة رسالة من رسائل جالينوس، وإلى العربيّة تسعاً وثلاثين رسالة أخرى، وترجم أيضاً كتب المقولات الطبيعيّة والأخلاق الكبرى لأرسطو، وكتاب الجمهوريّة، وكتاب القوانين والسياسة لأفلاطون، فكان المأمون يعطيه ذهباً زنة ما ينقله من الكتب. وقام ابنه اسحق في أعمال الترجمة أيضاً فنقل إلى العربيّة من كتب أرسطو الميتافيزيقيا والنفس وفي توالد الحيوانات وفسادها، كما نقل إليها شروح الإسكندر الأفروديسي وهو كتاب كان له أثر كبير في الفلسفة الإسلاميّة. وكان قسطا بن لوقا يشرف على الترجمة من اللغات اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة. وقد أقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيّة من اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة، وتولّى كتب أرسطو وأبقراط. ولم يكن الخلفاء وحدهم يهتمّون بالترجمة والنقل إلى العربيّة بل نافسهم الوزراء والأمراء والأغنياء، وأخذوا ينفقون الأموال الطائلة عليها، فيقول ابن الطقطقي: إن البرامكة شجعوا تعريب صحف الأعاجم حتى قيل أن البرامكة كانت تعطي المعرّب زنة الكتاب المعرّب ذهباً. وبالغ الفتح بن خاقان في إنفاق الأموال على الترجمة والتأليف. وكان عبد الملك بن الزيات لا يقل عنه سخاء في هذا المجال.[164]
|
|