أميرالمنتدى مشرف على قسم
الدولة : المدينة : أسفي عدد المساهمات : 2076 نقاط : 8648 تاريخ التسجيل : 14/01/2011
| موضوع: ابن فرناس.. طائر حلم أن يحلق السبت 15 فبراير - 0:13:28 | |
| عباس بن فرناس أحد علماء العرب البارزين، يعرفه الصغار من خلال القصص التيرويت لهم عن أول إنسان حلم أن يحلق مثل الطيور في الفضاء، وخاض هذهالتجربة العملية بالفعل وعلى الرغم من فشله في الطيران إلا أنه فتح أذهانالكثيرين على فكرة الطيران نفسها، ولكن ليس الطيران فقط هو الذي ميز ابنفرناس فقد كان دارساً وعالماً بالعديد من العلوم. جاء إلمام ابن فرناسبالعلوم والصناعات والآداب المختلفة ليشكل منه حالة من التميز والإنفرادبين علماء عصره، مما جعل الناس يطلقوا عليه لقب "حكيم الأندلس".
نشأته أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرتي أحد عباقرة الفيزياء والأدبوالفن في الأندلس، لم يذكر في كتب التاريخ تاريخ ميلاد محدد لهذا العالمويقال أن ولادته جاءت في نهاية القرن الثاني الهجري حوالي عام 194هـ،وجاءت وفاته عام 274هـ - 884م. يعود أصل ابن فرناس إلى برارة "تاكرتا"،ونشأ وترعرع بين ربوع قرطبة التي كانت في هذا الوقت قبلة للراغبين فيالتزود بالعلوم، حيث كانت منارة للعلم والفن والأدب يفد إليها الناس منشتى البلدان لينهلوا من علم علمائها، وكان لابن فرناس الحظ أن ينشأ في هذهالبيئة المفعمة بالعلوم والفنون والصناعة.
علمه تعلم ابن فرناسالقرآن الكريم، ومبادئ الدين الحنيف في كتاتيب قرطبة، وكان متفتح الذهنواسع المدارك أقبل على حلقات العلم بمسجد قرطبة، منصتاً للجلساتوالمناظرات العلمية، حريصاً على أخذ العلم عن علماء الأندلس من طريف ماأخذوه من علماء المشرق. حرص ابن فرناس على أن يخوض في مختلف العلومفقصد المجالس الأدبية، ومجالس شعراء الأندلس فأستمع إلى النثر والشعر منالأدباء والشعراء بالإضافة إلى ما كان يلقى في هذه المجالس من غريبالأخبار، ودقائق اللغة، كما كان ابن فرناس كثير التردد على أصحاب الفنونالرفيعة يراقب الآلات الموسيقية ويستمع إلى الألحان التي تصدرها عندمايعزف عليها الأفراد. وبالإضافة للشعر والأدب والفن، خاض ابن فرناس فيمجالات أخرى مختلفة تماماً فدرس مصنفات في الطب وقرأ خصائص الأمراضوأعراضها وتشخيصها، كما طالع طرق الوقاية منها وعلاج المصابين، واتجهللطبيعة ليبتكر منها طرق جديدة للعلاج فدرس خصائص الأحجار والأعشابوالنباتات، واستخلص منها مواد مفيدة للعلاج، وكان يتجه إلى الأطباءوالصيادلة ليتناقش معهم في كل ما يخص هذه المهنة الجليلة. بلغ ابنفرناس من الشهرة في مجال الطب الأمر الذي جعل الأمراء الأمويون يتخذونهطبيباً خاصاً لمعالجة أسرهم والإشراف على صحتهم وطعامهم، وتوعيتهم إلىأنسب الطرق للمعالجة من الأمراض. متبحراً في مختلف العلوم عاش ابنفرناس حياته وكأنه يكره أن يكون هناك علماً لا يكون هو ملماً به،فبالإضافة لما سبق أضاف لنفسه دراسة الفلسفة والمنطق والنجوم والعلومالروحانية، وجمع المصنفات التي تبحث في هذه العلوم، والتي كان يصعب الحصولعليها، فعمد إلى قراءتها قراءه علمية دقيقة فاحصة، فاستفاد منها وأفادغيره. اشتغل ابن فرناس بعلم النحو وقواعد الإعراب، وصار واحداً مننحاة عصره في ربوع الأندلس، يؤخذ عنه ويعول عليه، مما دفع الزبيدي صاحبالطبقات إلى تصنيفه في الطبقة الثالثة من نحاة الأندلس وقد قال عنه " كانمتصرفاً في ضروب من الإعراب". ولم يكتفي ابن فرناس بما درسه من علومولكنه اتجه لأصحاب الصناعات الدقيقة، فيتأمل أعمالهم ويحاول التعلم منهم،وبالفعل اقتبس منهم الكثير من أسرار الصناعات وهو الشيء الذي ساعده فيإبراز ما تعلمه مما يحتاج إلى صناعة الآلات العلمية الدقيقة.
التطبيق العملي لم يكن ابن فرناس كغيره من العلماء الذين يأخذون العلم كما هو نقلاً عنالأسلاف، بل عمد إلى إثبات النظريات العلمية عن طريق صناعة الآلاتوالأجهزة الدقيقة وإجراء التجارب العملية لاستخلاص النتائج، وإمعان النظروالبحث والتدقيق في كافة المسائل العلمية التي تمر عليه، وهو الأمر الذياظهر نبوغه وتميزه بين غيره من العلماء. وتبحر ابن فرناس أيضاً في علمالكيمياء وقام بإجراء التجارب والتحاليل، وتوصل إلى حقائق علمية لم يسبقلأحد من علماء الأندلس الوصول إليها، ومن تجاربه الناجحة توصله لإمكانيةصناعة الزجاج من نوع معين من الحجارة مما سهل على الأندلسيين صناعته منمادة زهيدة الثمن، ونتيجة لذلك انتشرت صناعة الزجاج في بلاد الأندلسوتفوقوا في هذه الصناعة. اتجه ابن فرناس أيضاً لعلم الفلك والتنجيمفراقب الكواكب والنجوم في مطالعها وأفلاكها ومداراتها ومنازلها، وتمكن منصنع الآلات التي تساعده على رصد حركاتها ومما صنعه تلك الآلة المعروفة"بذات الحلق"، كما أبتكر الميقاته لمعرفة الأوقات وهي آلة توضح الأوقاتمثل الساعة في عصرنا الحالي، ومن ابتكاراته أيضاً اتخاذه في دارته هيئةالسماء وصور فيها الشمس والقمر والكواكب ومداراتها والغيوم والبرق والرعدفكان ذلك من عجائب الصنعة وبديع الابتكارات.
ابن فرناس "الطائر الآدمي" عندما يكون الإنسان في عقلية ابن فرناس فليس من الغريب أن يتطلع ذهنه إلىأشياء لم يتطرق إليها أي من البشر قبل ذلك، ومن أكثر الابتكارات التيأبرزت أسم ابن فرناس وارتبطت به حتى عصرنا هذا هو محاولته الطيرانوالتحليق في الفضاء مثل الطيور، وفي سبيل ذلك قام بدراسة ثقل الأجسامومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت، واطلع على خواصالأجسام، وكان لتبحره في العلوم الطبيعية والرياضة والكيمياء فضل كبير فيتمكنه من إجراء دراساته هذه. وبعد أن أكمل ابن فرناس دراساته عمد إلىالتجربة العملية فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من شقق الحرير الأبيضلمتانته وقوته، مما يتناسب مع ثقل جسمه، وصنع له جناحين من الحرير أيضاًيحملان جسمه إذا ما حركهما في الفضاء، وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حركهذين الجناحين فإنهما سيحملانه ليطير في الجو، كما تطير الطيور، وبعد أنانتهى ابن فرناس من كافة الاستعدادات جاءت اللحظة الحاسمة وأعلن للناسجميعاً نيته في الطيران وتجمع الناس لرؤيته وهو يحلق. صعد ابن فرناسبعد أن ارتدى آلته التي صنعها فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطارفي الفضاء بالفعل لمسافة بعيدة، ولكنه ما لبث أن سقط وتأذى في ظهره، وعلىالرغم من عدم اكتمال النجاح لمحاولة ابن فرناس إلا أنه لفت نظر العلماءبعد ذلك لإمكانية الطيران، فكان إنسان متفرد وكتبت محاولته هذه في كتبالتاريخ كأول محاولة طيران قام بها الإنسان.
الأديب والشاعر عرف ابن فرناس كأديب وشاعر وله شعر كثير في أغراض مختلفة، اتصل بالبلاطالأموي فكان شاعرهم كما كان طبيبهم، وعاش في ظل رعاية أمرائهم ونظم لهمالشعر في مختلف الأغراض، كما كان موسيقياً مبدعاً ينظم الشعر ويضع اللحنويغني به. من المواقف التي تنم عن مدى براعة ابن فرناس يذكر المؤرخونأنه لما أدخل إلى الأندلس كتاب العروض للخليل بن أحمد الفراهيدي وصار إلىالأمير عبد الرحمن بن الحكم، عرضه على علماء قرطبة وأدبائها ليوضحوه له،فعجزوا عن ذلك، وصار الكتاب مما يتلهى به في قصر الأمير، وعندما علم ابنفرناس بذلك تقدم إلى الأمير وطلب منه إخراج الكتاب إليه ففعل، ولما قرآهوتدبره علم أنه في علم العروض، العلم الذي ابتكره الفراهيدي وضبط به بحورالشعر العربي، ففك ابن فرناس غوامضه وشرحه لقومه فسهل عليهم دراسة هذاالفن الجميل والاستفادة منه. وخلاصة القول في النهاية أن عباس ابنفرناس كان عالماً صاحب ذهن متفتح لم يدع علماً يمر دون أن يدرسه ويتحقق مننظرياته ويتبحر به ويجري التجارب ويستخلص النتائج، فكان من أطباء زمانهودرس المنطق والفلسفة والفيزياء والكيمياء، واطلع على الفنون الرفيعةوالصناعات، وتبحر في الأدب والشعر والنحو، وكان متضلعاً في أمور الفلكوالتنجيم والرياضيات، فحق القول عنه أنه أحد عباقرة زمانه والذي يندرالزمن أن يجود بمثله. |
|