"بوهروس" و"هرمة" يطبعان الاحتفال بـ"الأضحى" في آسفي
يحتل عيد الأضحى بإقليم آسفي مكانة متميزة من بين المناسبات التي تشهدها المنطقة كل سنة، فهو أداء سنة من السنن النبوية، وإحياء لصلة الرحم بين الأسر والعائلات وتذكر الفقراء والموزعين، إلى جانب أنشطة موسمية تحفو رواج المعاملات التجارية.
وتعد هذه الممارسات الدينية والاجتماعية من أهم خصوصيات عيد الأضحى بهذا الإقليم، التابع لجهة دكالة - عبدة، حيث أكد العديد من المواطنين، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بهذه المناسبة، أنه فضلا عن نحر الأضحية، باعتبارها سنة نبوية، فإن التصدق على الفقراء والموزعين بجزء منها، كما دأب على ذلك السلف الصالح، يعد تكملة وتزكية للأضحية وتسخيرا لبركتها.
فقبل أيام على حلول العاشر من ذي الحجة، تبدأ بإقليم آسفي الاستعدادات لاستقبال العيد، حيث تتجند النساء بصفة خاصة لإعطاء رونق جديد لبيوتهن بطلاء الجدران الداخلية، وإعادة ترتيب الأثاث، وتنظيف الأواني المنزلية تنظيفا خاصا، وشراء بعض الأواني الجديدة والتخلص من بعض الأواني القديمة.. ويلاحظ، في هذه المناسبة، اجتهاد خاص بالنسبة الأزواج الجدد، في حال عدم قضاء يوم العيد في بيت الوالدين.
قبل أيام على حلول العيد، وبينما تعلو الفرحة والابتسامة وجوه الأطفال خاصة في الأحياء الشعبية، لا يكاد يسمع من أحاديث وحوارات الكبار، سواء في الأماكن العمومية أو في المحلات الخاصة والإدارات، سوى الحديث عن الأكباش والأسواق والأسعار، وعن بعض المظاهر المشينة في مجال تسمين وتغذية الخرفان، وذلك لأجل تجنب السقوط في مقلب من مقالب سماسرة الأكباش أو ما يطلق عليه شعبيا "الشناقة".
غير أنه في إقليم أسفي، المعروف أساسا بتربية المواشي خاصة بدائرة جمعة اسحيم وجماعة ثلاث بوكدرة ودائرة الشماعية التابعة لإقليم اليوسفية القريب من آسفي، فإن جودة الأكباش لا تطرح عبئا كبيرا على المواطنين في مثل هذه المناسبة.
وكما جرت العادة على مر السنين، وعلى الرغم من بلاغ أصدرته مؤخرا مديرية الفلاحة بوفرة الأضاحي بما يفوق ثلاثة أضعاف حاجيات إقليمي آسفي واليوسفية، فإن الأسر تتسارع لاقتناء الخروف بجودة مقبولة وبأسعار مناسبة.
يقول العربي (م)، موظف بالجماعة المحلية وأب لأربعة أبناء، إن وفرة خرفان الأضحية في المنطقة لم تنعكس على الأسعار، فهي تظل مرتفعة بالنظر إلى تكاليف المناسبات المتوالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة منها العطلة الصيفية وشهر رمضان والدخول المدرسي، ما جعله يشعر بضيق مادي في هذه المناسبة، ومع ذلك أعرب عن إصراره على اقتناء الأضحية ولو بالسلف.
أياما قبل حلول عيد الأضحى تبرز عدد من الحرف الموسمية، خاصة في الأحياء الشعبية، منها حدادة السكاكين وبيع الفحم والأواني الخاصة بالشواء وتقطيع اللحم وبيع ملابس ذات المظهر الديني. كما تنشط حرف النقل المزدوج وعربات نقل الخرفان والحمالين داخل الأسواق وخارجها وفي المرائب وسط أزقة ودروب الأحياء.
العديد من ساكنة الإقليم يفضلون الصيام ابتداء من اليوم الثالث لحلول العيد، وتتكفل ربات البيوت، علاوة على تزيين بيوتهن، بإعداد حلويات العيد، خاصة ما يطلق عليه "الكعك" الذي تشتهر به مدينة آسفي، وطلاء الحناء لأيديهن وأيدي الفتيات، وكذلك طلاء الحناء على رأس الكبش وإطعامه بالأعشاب الصحية والأزهار قبل إخضاعه للصيام، يوما واحدا قبل النحر.
في صباح يوم العيد تمتلئ المساجد والمصلات بالمصلين من الجنسين، ولا يكاد يرى من بين المارة سوى اللباس الأبيض من جلاليب نسائية ورجالية يتأبط معظمهم زرابي صغيرة يؤدون عليها صلاة العيد، وقد تناولوا فطورا خفيفا غالبا ما يكون من العجائن والحليب.
تنطلق، مباشرة بعد قيام الإمام بنحر الأضحية، علميات الذبح داخل المنازل، وعلى الأسطح وفي الحدائق المنزلية ممن توفرت له حديقة، كما يجوب الأزقة شباب من مختلف الأعمار يمتهنون الجزارة أو يتخذونها فقط هواية في هذا اليوم.
بعد عملية النحر تبدأ الاستعدادات لترجمة الطقوس والعادات المرتبطة بهذه المناسبة، التي تتأخر فيها وجبة الغذاء. فلا يكاد يشم، بعد التصدق بقطع من الأضحية على المحتاجين، سوى دخان ورائحة الشواء تتعالى من كل المنازل. إنها وجبة "الكباب" التي تغمر الجميع مع أكواب من الشاي والخبز المعد في البيت.
ثم تنطلق النصائح بين أفراد الأسر لتجنب الإكثار من تناول الشحم لما يتسبب فيه مضاعفات على الصحة، خاصة بالنسبة لكبار السن والمصابين بداء السكري والقلب والكوليسترول والسمنة. أما الواعون بهذه المخاطر فغالبا ما يضحون بلحم الأبقار أو الماعز، لقلة الدهون بها مقارنة مع الأغنام.. ويفضل الكثير من الساكنة في الإقليم إعداد الوجبة الثانية للغذاء من الكتف الأيمن للأضحية، وهي وجبة لا تكون جاهزة كذلك إلا في وقت متأخر من المساء.
في الأيام الثلاثة الأولى لا يكاد يخلو بيت من البيوت من الزوار من الأهل والأحباب والجيران، وكأنها بيوت مفتوحة للجميع. ففضلا عن صلة الرحم يتبادل الزوار الهدايا التي غالبا ما تكون من لحم الأضحية خاصة الكبد أو تقديم الحلويات.
أما عظام رأس أضحية العيد فلها حكاية خاصة عند أهل آسفي فهم يتشاءمون من رميها مشتتة خارج البيت لذلك فإنهم يجمعونها كاملة في منديل ويدعونها في مأمن قبل دفنها مجتمعة بعد أسابيع خارج البيت، وذلك على خلفية أن رميها مشتتة قد يتسبب في تكسير الأواني المنزلية، هذا العام.
وتمتد حكاية عظام رأس الأضحية، بعد الإفطار بلحمه المدخن، إلى الاحتفال بهذه العظام صباح اليوم الموالي للعيد، حفل يطلق عليه في الأحياء الشعبية "بوهروس" حيث يتم رش الماء العذب على المارة تبركا بالعادة الجارية بماء بئر زمزم المتواجد بمكة المكرمة.
وفي أمسية اليوم الثالث من العيد يعمد الشباب إلى تنظيم تظاهرة احتفالية على شكل كارنفال يطلق عليه "هرمة"، حيث يردتي الشباب كساء الخروف ويضعون قرونا على رؤوسهم كأقنعة ويجبون الأزقة فيما يتبعهم الأطفال بأهازيج وأغنيات شعبية ويرمي لهم السكان والمارة نقودا يجمعونها ليصلحون بها المساجد أو الأزقة في الحياء التي يقطنون بها.. وهكذا تتوالى أيام عيد الأضحى بانشغالاتها وحركتيها ومصاريفها تاركة وراءها ذكريات بين الأجيال المتعاقبة.