بدايات الإلحاد
استنادا إلى كارين أرمسترونغ في كتابها «تاريخ الخالق الأعظم» [11]
فإنه ومنذ نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن التاسع عشر ومع التطور
العلمي والتكنلوجي الذي شهده الغرب بدأت بوادر تيارات أعلنت أستقلالها من
فكرة وجود الخالق الأعظم. هذا العصر كان عصر كارل ماركس وتشارلز داروين وفريدريك نيتشه وسيغموند فرويد
الذين بدؤوا بتحليل الظواهر العلمية والنفسية والأقتصادية والاجتماعية
بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم اي دور فيها. ساهم في هذه الحركة الموقف
الهش للديانة المسيحية في القرون الوسطى وماتلاها نتيجة للحروب والجرائم والأنتهاكات التي تمت في أوروبا باسم الدين نتيجة تعامل الكنيسة الكاثوليكية بما اعتبرته هرطقة أو خروجا عن مبادئ الكنيسة حيث قامت الكنيسة بتشكيل لجنة خاصة لمحاربة الهرطقة في عام 1184 م وكانت هذه اللجنة نشيطة في العديد من الدول الأوروبية [12]، وقامت هذه اللجنة بشن الحرب على أتباع المعتقد الوثنى في غرب أوروبا، والوثنية
هي اعتقاد بأن هناك قوتين أو خالقين يسيطران على الكون يمثل أحدهما الخير
والأخر الشر. استمرت هذه الحملة من 1209 إلى 1229 وشملت أساليبهم حرق
المهرطقين وهم أحياء وكانت الأساليب الأخرى المستعملة متطرفة وشديدة حتى
بالنسبة لمقاييس القرون الوسطى. وكانت بناءا على مرسوم من الناطق باسم
البابا قيصر هيسترباخ Caesar of Heisterbach الذي قال «اذبحوهم كلهم» [13] [14] واستمرت هذه الحملة لسنوات وشملت لأكثر من 10 مدن في فرنسا. وتلا هذه الحادثة الخسائر البشرية الكبيرة التي وقعت أثناء الحملات الصليبية. ولم يقف الأمر عند العلماء فحتى الأدباء اعلنوا وفاة فكرة الدين والخالق ومن ابرز الشعراء في هذه الفترة هو وليم بلاك (1757 - 1827) William Blake حيث قال في قصائده ان الدين
ابعد الأنسان من إنسانيته بفرضه قوانين تعارض طبيعة البشر من ناحية الحرية
والسعادة وان الدين جعل الأنسان يفقد حريته واعتماده على نفسه في تغير
واقعه [15].
وبدأت تدريجيا وخاصة على يد الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور
(1788 - 1860) بروز فكرة ان "الدين هو من صنيعة البشر ابتكروها لتفسير
ماهو مجهول لديهم من ظواهر طبيعية أو نفسية أو اجتماعية وكان الغرض منه
تنظيم حياة مجموعة من الناس حسب مايراه مؤسس الدين مناسبا وليس حسب الحاجات
الحقيقية للناس الذين عن جهل قرروا بالالتزام بمجموعة من القيم البالية [16] وانه من المستحيل ان تكون كل هذه الديانات من مصدر واحد فالاله الذي انزل 12 مصيبة على المصريين القدماء وقتل كل مولود أول ليخرج اليهود من أرض مصر هو ليس نفس الاله الذي ينصحك بان تعطي خدك الآخر ليتعرض للصفع دون أن تعمل شيئا". وتزامنت هذه الأفكار مع ابحاث تشارلز داروين الذي كان مناقضا تماما لنظرية نشوء الكون في الكتاب المقدس واعلن فريدريك نيتشه
من جانبه موت الخالق الأعظم وقال ان الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة إذ
انه لم يفهم فكرة التكليف التي يقول بها الدين وهي أن يعطيك الخالق مجموعة
من الغرائز والتطلعات وفي نفس الوقت يصدر تعاليم بحرمانك منها في الحياة
ليعطيك اياها مرة أخرى بعد الموت خصوصا وأن رجال الدين في أوروبا آنذاك كانوا يميلون إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا [17] وهكذا أخذت أفكار الملحدين في هذه المرحلة منحى النفور من الدين لتناقض العقل مع تصرفات وتعاليم الكنيسة.
اعتبر كارل ماركس
الدين أفيون الشعوب يجعل الشعب كسولا وغير مؤمنا بقدراته في تغيير الواقع
وان الدين تم استغلاله من قبل الطبقة البورجوازية لسحق طبقة البسطاء [18]، اما سيغموند فرويد
فقد قال ان الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة اليه في بداياتها وان فكرة
وجود الاله هو محاولة من اللاوعي لوصول إلى الكمال في شخص مثل أعلى بديل
لشخصية الأب إذ ان الأنسان في طفولته حسب اعتقاد فرويد ينظر إلى والده كشخص
متكامل وخارق ولكن بعد فترة يدرك انه لا وجود للكمال فيحاول اللاوعي ايجاد
حل لهذه الأزمة بخلق صورة وهمية لشيئ اسمه الكمال [19].
كل هذه الأفكار وبصورة تدريجية ومع التغييرات السياسية التي شهدتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية وبريطانيا بعد عزل الملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 وتنصيب الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش كان الأتجاه السائد في أوروبا
هو نحو فصل السياسة عن الدين والغاء العديد من القيود على التعامل
والتعبير التي كانت مفروضة من السلطات السابقة التي كانت تاخذ شرعيتها من
رجالات الكنيسة. وعندما بدأ الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي حيث تحولت الجزائر إلى مستعمرة فرنسية عام 1830 وتحولت اليمن في عام 1882 إلى مستعمرة بريطانية وبين بريطانيا وفرنسا تحولت هذه الدول إلى مستعمرات مصر، تونس، سودان، ليبيا، مغرب،
وهنا بدأ احتكاك جديد لأول مرة بين قوى متطورة من الناحية العلمية
والتكنلوجية ولا تعترف باي دور للدين في السياسة وبين مسلميين ادركوا ان
ركب التقدم قد فاتهم ولكنهم في قرارة نفسهم كانوا لايزالون يؤمنون بانهم
"خير أمة أخرجت للناس" وان "الدين عند الله الإسلام" فظهر في الطريق خياران
لا ثالث لهما اما اللحاق بالتقدم الغربي من خلال التقليد والمحاكاة
والعلاقات الجيدة أو القناعة بان ما آل اليه حال المسلمين من خضوع يكمن
سببه في الأبتعاد عن أصول الدين الإسلامي. فاختار البعض طريق التأثر بالغرب
والعلمانية واختار البعض الآخر التمسك بالإسلام سواء بالتعلق بالمذهب السلفي أو التجديد ولايزال هذا الأنقسام موجودا إلى يومنا هذا.