الكارْمايطلق لفظ كارما على الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب
الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّرا كان أو شّرا، وأي كان مصدره،
فعل، قول أو مجرد إعمال فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج
عن وعي وإدراك مسبوق، وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ، تنموا وبمجرد أن تنضج
تسقط على صاحبها، فيكون جزائُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر
المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال)، غير أنها
تتجاوز في الأغلب فترة حياة الإنسان، فيتحتم على صاحبها الانبعاث مرة أخرى
لينال الجزاء الذي يستحقه.
لا يمكن لكائن من كان أن ينال جزاء لا يستحقه، نظرا لأن الكارما تقوم
على عدالة شاملة. يعمل نظام الكارما وفق قانون أخلاقي طبيعي قائم بذاته
وليس (كما في الأديان الأخرى) تحت سلطة الأحكام الإلهية. تتحدد وفقا
للكارما عوامل مثل المظهر الخارجي، الجمال، الذكاء، العمر، الثراء والمركز
الاجتماعي. حسب هذه الفلسفة يمكن أن لكارماتٍ مختلفة ومتفاوتة، أن تؤدي في
النهاية إلى أن يتقمص الكائن الحي شكل إنسان، حيوان، شبح أو حتى إحدى
شخصيات الآلهات الهندوسية.
[عدل] الآلهةكما جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم
الخالق الأزلي -مصدر خلاص الجميع-. لا تعارض في البوذية مع فكرة وجود
آلهات عدة، إلا أنها رفضت أن تخصص لها مكانة في عقيدتها. تعيش الآلهات
حياةً طويلة وسعيدة في الفردوس، ومع هذا فهي معرضة للمواقف صعبة، على غرار
ما يحصل للكائنات الأخرى. يمكن لها أن تخوض تجربة الممات ثم الانبعاث من
جديد في كينونة أقل شأنا. ليس للآلهة يدٌ في خلق الكون، كما لا يمكنها
التحكم في مصير الكائنات الحية. ترفض البوذية الصلوات والأضاحي التي تخصص
لها. من بين الأشكال التي يمكن تقمُصها بعد الانبعاث ترى البوذية أن
الحياة الإنسانية أفضلها على الإطلاق، رغم أنها من درجة أعلى إلا أن
انشغال الآلهات بملذاتها الشخصية يشغلها عن طلب التحرر. فقط الكائنات
الإنسانية تتوفر فيها المزايا التي تؤهلها إلى بلوغ التيقظ (الاستنارة)
ومن ثمة التحرر.
[عدل] النيرفاناالهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة
والانبعاث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها خلال حياته. وبما أن
الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص، فلا خلاص للكائن ما دامت
الكارما موجودة.
يستعمل لفظ "نيرفانا" لوصف حالة التيقظ التي تخمُد معها نيران العوامل
التي تسبب الآلام (الشهوة، الحقد والجهل). لا يحدُث التبدد الكلي للكارما
عند بلوغ النيرفانا، يمكن وصف هذه الحالة بأنها بداية النهاية في طريق
الخلاص. النيرفانا حالة من الوعي والإدراك لا يمكن تعريفها ولا حتى فهمها،
بعد أن يصلها الكائن الحي، ويُصبح متيقظا، يستمر في العيش ومع الوقت يقوم
بتبديد كل الكارما الخاصة به، حتى يبلغ عند مماتِه "النيرفانا الكاملة"
-parinirvana- (التبدد الكُلي للكارما). عندما يموت هؤلاء الأشخاص فإنهم
لا يُبعثون -فقد استنفذت الكارما-، ولا يمكن لأيٍ كان أن يستوعب حالة
الطوبى الأزلية التي يبلغونها (حسب أقوال بوذا نفسه).
نظريا على الأقل، يمكن لأي كان أن يبلغ حالة النيرفانا، إلا أن تحقيقها
يبقى مقصورا على أفراد طائفة الرهبان. بعد أن يمر الشخص على كل المراحل في
الدرب الثماني النبيل، ويتوصل إلى حالة اليقظة (الاستنارة)، يحظى بمكانة
رفيعة بين قومه ويطلق عليه في التقاليد البوذية -للتيرافادا- لقب "أرهانت"
(arhant).
بالنسبة للأشخاص الآخرين والغير قادرين على بلوغ الغاية النبيلة، عليهم
بالاكتفاء بتحسين الكارما الخاصة بهم، علهم يحظون بحياة أفضل بعد
الانبعاث. عادة ما يكون هذا مطلب أفراد الطائفة البوذية من غير الرهبان
(العلمانيين أو الناس العاديين)، يأمل هؤلاء أن يصبحوا يوما من أفراد
"السانغا" (مجتمع الرهبان البوذيون)، وأن يعيشوا حياة تؤهلهم للوصول إلى
حالة التيقظ. للوصول إلى النيرفانا،
يجب اتباع سلوكيات أخلاقية هي خليط من حياة العزلة وانطواء على الذات.
تتطلب هذه الأخيرة ممارسة أربع فضائل، والتي تسمى "قصر البراهما":
الإحسان، الإشفاق، التفكير الإيجابي، والرزانة. تساعد هذه الممارسات على
انبعاث إيجابي (حياة أفضل). يتوجب على الأشخاص القيام بأعمال اجتماعية
جليلة، وبالأخص تجاه الرهبان البوذيين (الصدقات)، وكذا الالتزام بالقواعد
الخمس التي تشكل أساس الممارسات الأخلاقية للبوذية:
- 1- الكف عن القتل،
- 2- الكف عن أخذ ما لم يُعطى له،
- 3- الكف عن الكلام السيئ،
- 4- الكف عن السلوكيات الحِسية المُشينة،
- 5- الكف عن تناول المشروبات المُسْكِرة والمخدرات.
بإتباع هذه التعاليم يمكن القضاء على الأصول الثلاثة للشرور: الشهوانية، الحِقد والوَهم.
[عدل] أناتمان أو عقيدة اللا-أناتنقسم الكائنات إلى خمس مفاهيم -حسب البوذية-: الهيئة (الجسمانية)، الحواس، الإدراك، الكارما
والضمير. الإنسان هو مجرد اتحاد زمني طارئ لهذه المفاهيم، وهو معرض
بالتالي للـ"لا-استمرارية" وعدم التواصل، يبقى الإنسان يتحول مع كل لحظة
جديدة، رغم اعتقاده أنه لا يزال كما هو. ترفض البوذية الفكرة القائلة بأن
هذه الأقسام -أو المفاهيم-، يمكن اعتبارها كينونة موحدة وروحا قائمة
بذاتها (أتمان)، وتعتبر أنه من الخطأ التصور بوجود "أنا ذاتية"، وجعلها أساس جميع الموجودات التي تؤلف الكون. يعتقد بوذا أن عقيدة كهذه يمكن أن تؤدي إلى الأنانية، فتنجم عنها الرغبة التي تولد الآلام. وعليه فقد قام بتعليم عقيدة الـ"لا-أنا" (أناتمان). يقول بوذا أن الكينونة تحددها ثلاثة عناصر: الـ"لا-أنا" (أناتمان)، الديمومة العارِضة -سريعة الزوال- (أنيتيا) والآلام (دوكا).
أوجبت عقيدة الـ"لا-أنا" على بوذا أن يعيد شرح التصور الهندوسي لدورة الحياة والتناسخ (عجلة الحياة والمسماة "سامسارا")،
فكانت عقيدة "التوالُد المُحدَد" (المشروط)، وتتلخص الفكرة في أن مجموعة
من الأحداث الدورية -تكرر مع كل دورة جديدة-، وهي اثني عشر عاملا يرتبط كل
منها بالآخر، هي التي تساهم في الظروف التي تولد الآلام -وليس "الأنا
الذاتية"، بما أنه نفى وجودها-. إن تسلسل هذه الأحداث يُبيّن كيف تنشأ
انطلاقا من الجهلِ تركيباتٌ نَفسانية والتي تصبح بدورها المُسببات التي
تؤدي إلى تشغيل الحواس والوظائف العقلية. ومن هنا يتولد الإحساس المسئول
عن الشعور بالرغبة والتعلق بالحياة. تقوم هذا السلسلة بتفعيل وتشغيل عملية
التناسخ، فتنطلق دورة تتجدد باستمرار، حياة فشيخوخة فموت. عن طريق هذه
السلسلة من الأسباب تنشأ علاقة بين الكينونة الآنية والكينونة الآتية (إن
تصور البوذية للحياة على أنها فيضٌ طارِئ تَشَكَل بعد اجتماع عدة عوامل،
يتعارض مع فكرة انبعاث نفسِ الكائن الحي في كل مرة!). عن طريق ممارسة التأمل يتم اجهاد هذه التركيبات النفسانية، ومن ثمة إيقاف مسببات الآلام، والوصول إلى الخلاص والتحرر (الخروج من دورة التناسخ). كما جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم الخالق الأزلي -مصدر خلاص الجميع-.