يعود تاريخ مدينة فاس إلى القرن الثاني الهجري، عندما قام إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة عام 172هـ الموافق لعام 789 م ببناء مدينة على الضفة اليمنى لنهر فاس. وفد إلى مدينة فاس عشرات العائلات العربية من القرويين ليقيموا أول الأحياء في المدينة والذي عرف باسم عدوة القرويين. كما وفد إليها الأندلسيون الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس ليكونوا حي عدوة الأندلسيين. وكان هناك حي خاص لليهود وهو حي الملاح. بعد وفاة إدريس الأول بعشرين سنة أسس ابنه إدريس الثاني المدينة الثانية على الضفة اليسرى من النهر. وقد ظلت المدينة مقسمة هكذا إلى أن دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما وجعلهما مدينة واحدة فصارت القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب للدول المتتالية التي حكمت المنطقة بالإضافة لكونها مركزا دينيا وعلميا في شمال أفريقيا وأسست فيها جامعة القرويين عام 859 م التي كانت مقصد الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا.
كانت مدينة فاس أحد ركائز الصراع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين في شمال أفريقيا. ظلت المدينة تحت سيطرة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاما وتمتعت خلال تلك المدة بالازدهار الكبير. وعندما سقطت الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناتة الحكام المحليين للمغرب في تلك الفترة، سيطر بعدها المرابطون على المدينة، وتلاهم الموحدين الذين أخذوا المدينة حصار دام تسعة أشهر ودخلوها في عام 1143 م. قام بنو مرين بالسيطرة على المدينة بعد سقوط دولة الموحدين واتخذوها مركزا لهم بدلا من مراكش، وأنشأوا مدينة ملكية وإدارية جديدة عرفت بالمدينة البيضاء. في عهد المرينيين عرفت مدينة فاس عصرها الذهبي إذ قام أبو يوسف يعقوب ببناء فاس الجديدة سنة 1276 م وحصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق.
وقعت مدينة فاس تحت قبضة العثمانيين عام 1554 م. ثم أصبحت مركزا للدولة العلوية في المغرب في 1649 م، وبقيت مركزا تجاريا هاما في شمال أفريقيا. ظلت المدينة المصدر الوحيد للطربوش الفاسي حتى القرن التاسع عشر الميلادي، عندما بدأ يصنع في كل من تركيا وفرنسا.
في التاريخ الحديث، كانت فاس عاصمة للمملكة المغربية حتى عام 1912 م فترة الاحتلال الفرنسي والتي استمرت حتى 1956 م وتم فيها تحويل العاصمة إلى مدينة الرباط. هاجر العديد من سكان فاس إلى المدن الأخرى وخاصة يهود المدينة، إذ أفرغ حي الملاح تماما من ساكنيه، وكان لهجرة السكان من المدينة أثرا اقتصاديا سيئا.
جغرافيا
تقع مدينة فاس في أقصى شمال شرق المملكة المغربية. تشغل الطرق السهلة التي تصل بين ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلسي ووسطه. يصل عدد سكانها لأكثر من 1,400 ألف نسمة.
موقع المدينة
لموقع فاس ميزة ذات أهمية في المغرب، وهي غزارة مياهها حيث تمتص الطبقات الكلسية في الأطلس المتوسط لتكون منطقة من المياه الجوفية تتفجر منها في سهل يسمى سهل سايس ينابيع كثيرة تتجمع وتتحد لتغذي نهر فاس أو على الأصح أنهار فاس يضاف إلى ذلك الينابيع التي تتفجر من العدوات الشديدة الانحدار التي حفرها نهر فاس مسيلا له. وتمتد بمدينة فاس قنوات المياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت، ويتفجر فيها عيون نهر سبو وروافده. وهو ما جعل المدينة ذات موقع إستراتيجي واستطاعت أن تصمد تحت الحصارات المتتالية عبر التاريخ.
وتقع مدينة فاس في واد خصيب وكأنها واسطة العقد بين التلال المحيطة بها من كل الجهات. ويوجد قرب المدينة الغابات التي تتوفر فيها أشجار البلوط والأرز والتي يستخرج منها أخشاب عالية الجودة، وتحيط بها أراض كثيرة صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفاكهة. ولكثرة بساتين البرتقال والتين والرمان والزيتون بصورة خاصة تبدو المدينة زمردية اللون محاطة بعقود من الحدائق والبساتين وبجبال خضراء داكنة متوجة بشجر الأرز والصبير وزهر عود السند. ومن الارتفاعات العالية يبدو اللون الأخضر هو الغالب على كل الألوان بينما تتخلله نقاط بيضاء ما هي إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي.
التقسيم الاداري
حسب التقسيم الإداري الجديد، الذي حدده الميثاق الجماعي الجديد في موضوع وحدة المدينة، وبعدما كانت مدينة فاس تضم ثلاث عمالات وست جماعات حضرية أصبحت فاس عمالة واحدة وجماعة حضرية واحدة تضم ست مقاطعات أما جماعة المشور فلها نظام خاص:
مقاطعة أكدال
عدد السكان : 144064 سنة 2004
المساحة الإجمالية : 98 ,20كلم2
نسبة التمدرس : الذكور %93,13 الإناث %77,33
مقاطعة فاس المدينة
مقاطعة جنان الورد
مقاطعة المرينيين
مقاطعة سايس
مقاطعة زواغة
المعالم السياحية
يوجد بفاس معالم آثرية تدل على حضارتها عبر العصور الإسلامية، ومن أهم ما بقي من هذه الآثار السور وبواباته الثمانية (باب محروق ،باب الدكاكين ، باب المكينة ، باب أبي الجنود ، باب الفتوح ، باب البرجة ، باب السمارين ، باب جبالة ، باب الكيسة ، باب سيدي بوجيدة ، باب الخوخة ، باب زيات ، باب الحديد) بأقواسها الرائعة والنقوش والتخريم البارز فوقها والتي ترجع إلى عهد المرينين. وقد تجدد بعضها في العصور التالية ولكنها ظلت محتفظة بطابعها.
وفي داخل الأسوار تميزت المدينة بوجود عشرة آلاف بناية أصلية، وسبعين كيلو مترا من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون، وبها أربعة آلاف نافورة وسقاية. تميز المدينة قصورها التي شيدها المرينيون على التلال التي تطل على فاس من جهة الشمال، وكذلك المنازل القديمة المكونة من طابقين حولها أفنية ضيقة لكنها كسيت بحشوات من الفسيفساء الخزفية، والأبواب المزخرفة بزخارف جصية محفورة، ويحاط بعض المنازل بالحدائق والبساتين.
البيمارستانات: تعددت بفاس المستشفيات وكثرت، ويوجد عدد كبير من المستشفيات في خارج أبواب المدينة إلا أنها تقل جمالا عن تلك التي كانت بداخلها. وكانت هذه المستشفيات غنية جدا إلا أنه في أيام حرب سعيد عندما كان السلطان في أشد الحاجة إلى المال أشاروا عليه ببيع إيراداتها وأملاكها، وبقيت المستشفيات فقيرة محرومة تقريبا من وسائل العمل. وكان بالقرب من سوق العطارين و سوق الحناء مكان يقيم به المرضى بأمراض عقلية ، وكان بناؤه قديما يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين، حيث بنى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب هذا المارستان لما تولى الملك سنة 685 هـ/1286 م، وعهد إدارته إلى أشهر الأطباء وخصص له الأوقاف الكثيرة من العقار للصرف عليه، ولما عظم أمر المارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان زيادات عظيمة. وفي سنة 900هـ / 1495 م لما أقام أهل الأندلس من المسلمين في فاس تولى رئاسة هذا البيمارستان طبيب من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بيمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقيين يعزفون أمام المرضى.
المساجد
انتشرت بفاس العديد من المساجد إلا أن أشهرها على الإطلاق هو جامع القرويين الذي أسس في 857 م حيث كانت مساحته صغيرة ثم هدم وقام بتشييده علي بن يوسف المرابطي وزاد في مساحته زيادة كبيرة، وقام بزخرفته صناع أندلسيون، وقد بنى مئذنته الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر على نفقته الخاصة. وما زال مسجد القرويين يحتفظ بمنبره المصنوع من الخشب المحفور والمطعم. وقد زود هذا المسجد بثريا فخمة وحجرة للوضوء. ومن أجمل الآثار الباقية جامع الأندلسيين وهو من التحف الخالدة حيث تميز بسقف المصلى، وهو أثر فني خالد بجمال نقوشه وفسيفساء نوافذه الزجاجية التي تجتمع في رسومها ألوان شتى كما تميزه نجفته النحاسية المدلاة من السقف وجمال تخريمها وقد أعيد بناؤه في عهد محمد الناصر وشيده تشيدا عظيما.
كما يوجد أيضا العديد من المساجد مثل مسجد الحمراء، ومسجد الرصيف وغيرها من المساجد المنتشرة في أنحاء المدينة. وجميعها لا تقل روعة معمارها عن مسجد الأندلسيين.
المكانة العلمية
يوجد في مدينة فاس واحد من أعرق وأقدم المؤسسات العلمية وهو جامع القرويين الذي أسسته السيدة فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ / 859 م بعد تأسيس المدينة بمدة (51) عاما. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. وبعد أن وسعه أبو يوسف يعقوب المريني صار الجامع يستوعب (22) ألف مصل. كما صار يدخل إليه من (17) بابا منها بابان لدخول النساء، وكان هذا الجامع الفريد في بنائه وهندسته يضاء في عصوره الأولى بـ (509) مصباح قائم فوق قواعد قد يزيد وزنها على (700) كيلو جراما. وتعتبر جامعة القرويين في العصر الحديث أقدم جامعة ثقافية في العالم حيث تخرج فيها معظم علماء الغرب وفيها تعلم جربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلفستر الثاني. وفيها تعلم (الصفر العربي) في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا. كما درس له في جامع القرويين أيضا ابن الشيخ الفيلسوف الرئيس موسى بن ميمون اليهودي القرطبي الذي كان من أعظم الأطباء في عصره والذي غادر الأندلس إلى المشرق وعين طبيبا لصلاح الدين الأيوبي ثم عين مدرسا بالقاهرة .وفضلا عن هذا الجامع فإن فاس كانت تضم (785) مسجدا جميعها أو معظمها كانت مدارس بالضبط كمساجد البصرة والكوفة تدرس فيها علوم الدين وعلوم اللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم ولعل من أكبر مدارس فاس مدرسة السلطان أبو عنان المريني التي أسسها عام 756هـ / 1355 م وكان قد ألحق بها مسجدا للصلاة يتحلى بمنارة "مئذنة" لا مثيل لها في الجمال والأناقة. وتميزت فاس بمدارسها التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على يد العديد من الأمراء، وقد زينت هذه المدارس بذوق فني رفيع ومتنوع وهي تشكل واحدة من أروع التشكيلات الزخرفية في مدينة فاس. ويأتي في مقدمة هذه المدارس مدرسة فاس، والمدرسة المصباحية التي أسسها أبو الحسن سنة 743هـ / 1343 م، والمدرسة التي أسسها أبو عنان وهي المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وغيرها كثير من المدارس. أما أقدم مدارس فاس فهي مدرسة الصفارين التي أمر ببنائها أبو يوسف المريني عام 678هـ / 1280 م وزودها بمكتبة ثرية وقد نقلت فيما بعد إلى جامعة مسجد القرويين. وتعتبر مدرسة العطارين أصغر مدرسة في زمانها ولكنها كانت من حيث الهندسة المعمارية من أجملها وأبهاها وكانت تقع عند طرف سوق العطارين ومؤسسها هو السلطان أبو سيد. وكانت هذه المدارس تدرس فيها العلوم الابتدائية بدءا من القرآن والكتابة والقراءة إلى مبادئ الحساب وغيرها ثم يلتحقون بعدها بالجامعة وكانت مدة الدراسة في جامعة القرويين تستغرق بين خمسة أعوام و15 عاما وكان الطلاب يختارون بمحض إرادتهم أساتذتتهم كل أستاذ حسب اختصاصه في مادة أو أكثر فيجلسون في حلق ات حول الأستاذ الذي كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد.
وكان كل من السلطان أبي الحسن والسلطان أبي عنان يهتم بتثقيف الناشئة والأساتذة ويرعى شئون المسلمين رعاية بالغة وقد أعطيا كل اهتمامهما إلى تدريس القرآن الكريم والحديث وعلوم اللغة. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق.[/color][/color]