كرنفال " بوجلود " .. احتفال شعبي بعيد الأضحى
مغاربة لا يشعلون النار يوم العيد تستعد بعض المناطق في المغرب لإقامة مهرجانات شعبية تخلد لعادة تراثية
تسمى "بوجلود" أو "بو البطاين"، والتي تعني مرتدي الجلود، في جو فرجوي
وعفوي، وذلك احتفالا بعيد الأضحى المبارك، لكن انزياح هذه الفرجة عن
سياقها الطبيعي جعل العديدين من المغاربة يتفادون الاحتفال بها. وبالإضافة إلى عادة "بوجلود"، يزخر المجتمع المغربي بالعديد من
العادات الغريبة الأخرى خلال أيام عيد الأضحى، حيث تصر بعض المناطق جنوب
البلاد على عدم إشعال النار في البيت للطهي أو لغيره طيلة يوم النحر،
اعتقادا منها بأن إشعالها فأل سيئ لا يجب القيام به في يوم سعيد مثل عيد
الأضحى. ويعتبر باحث في التراث والعادات المغربية أن عدم إشعال النار في البيت
خلال عيد الأضحى يفسر الخوف الدفين للبعض إلى درجة التطير من الشرور التي
ترمز لها النار، في حين أن عادة بوجلود تكشف عن طقوس قديمة جدا كان
الإنسان خلالها يرفع من قيمة الحيوان ويقدسه. كرنفال بوجلود وكانت بعض المدن والقرى بالمغرب تحتفل بعيد الأضحى من خلال "بوجلود"،
وهو الشخص الذي يختاره أهل المنطقة لارتداء جلود الأضاحي، حيث يلف نفسه
بسبعة منها حول جسده كله، خاصة جلود الماعز لخفتها ومرونتها، فيطوف على
أهالي القبيلة أو القرية لجمع ما تجود به أياديهم سواء من المال أو من جلود
الأكباش. وتطورت هذه العادة في السنوات الأخيرة لتصبح أكثر إثارة وفرجة، حيث
صار يمارسها شباب كثيرون، فيتبعهم الأطفال والنساء في احتفالات موسيقية
وغنائية شعبية قد تدوم سبعة أيام بدء من يوم عيد الأضحى. ومن بين أبرز المناطق التي تشهد هذه الاحتفالات الشعبية الفلكلورية
مدينة الدشيرة الصغيرة التي تقع بضواحي أكادير جنوب البلاد، إذ تعرف حضور
آلاف الناس خلال أيام عيد الأضحى لمتابعة كرنفال بوجلود وما تصاحبه من
احتفالات وطقوس تتميز بالفرجة والمرح وتقليد الشباب المتخفي بجلود الأضاحي
لبعض الشخصيات والسخرية منها. وعرفت هذه الاحتفالات المعروفة باسم بوجلود شهرة واسعة تعدت حدود
البلاد، فصار يأتي السياح الأجانب خصيصا لحضور كرنفال بوجلود في مختلف
المناطق بالمغرب، سيما جنوبه مثل أكادير وبعض المناطق الأمازيغية الأخرى،
وشماله أيضا في مدينة وزان وغيرهما.. لكن الاحتفال بهذا "التراث" الشعبي القديم يحيد أحيانا عن طريقه
وهدفه المتمثل في الترفيه والفرجة، بسبب ممارسات بعض الذين يتقمصون دور
بوجلود، إذ يستغلون الاختفاء بهذه الجلود للاعتداء على المارة وطلب المال
بالإكراه، أو يضربون من يصادفونه من الناس في الطريق بأرجل أضحية العيد،
اعتقادا منهم أن ذلك يجلب البركة للمضروب. وبسبب هذه الممارسات التي انتشرت وباتت تفسد الاحتفال بكرنفال بوجلود
في العديد من المناطق، أضحى الناس يخشون المشاركة في الاحتفالات أو حتى
مشاهدتها، في حين أن آخرين يطالبون السلطات المحلية بمراقبة متقمصي شخصية
بوجلود وأخذ بياناتهم الشخصية قبل الشروع في الاحتفال، حتى لا تتحول الفرحة
إلى أحزان واعتداءات وتحرشات وإلى سلب لأموال الناس قسرا . لا يشعلون النار وتعرف مناطق جنوب المغرب عادة غريبة أخرى مفادها أنهم يمتنعون عن إشعال
النار في البيوت سواء للطهي أو لأي أمر آخر خلال يوم نحر الأضحية،
اعتقادا من سكانها بأن إشعال النار في هذا اليوم السعيد هو نذير شؤم وفأل
سيء على من يقوم بهذا العمل. ويحكي باسو، أحد شباب منطقة الرشيدية في الجنوب، أن بعض القبائل هناك
تؤمن إيمانا جازما بأن إشعال النار يوم عيد الأضحى هو بمثابة اعتداء على
قدسية اليوم وصفائه، وترسخ هذا الاعتقاد أكثر ـ يضيف الشاب ـ حين توفي
شخص أشعل نار الطبخ يوم العيد، فلم يمر عليه أسبوع حتى فاضت روحه بقدر من
الله، لكن بعض الناس فسروها على أنه مصير كل لا يحترم يوم العيد. وينتظر سكان هذه القبائل اليوم كله دون الاستمتاع بأكل اللحم مطهيا
على النار، باعتبار أن العيد يرمز إلى السرور، في حين أن النار رمز للشرور،
ولا ينبغي أبدا إقحام الشرور في يوم كيوم العيد، وهذا يدخل في باب التطير
المنهي عنه شرعا، بحسب محمد باجدي الباحث في التراث والعادات بالمغرب. وتدل هذه العادة، في رأي الباحث المغربي، على درجة كبيرة من الخوف الذي
يعم بعض المغاربة من المستقبل، أو من حدوث طوارئ وحوادث سيئة، إلى درجة
الاعتقاد بأن إشعال النار يوم العيد قد يفضي بفاعله إلى الموت أو إلى أية
حادثة تغير مجرى حياته، وهي عادات لا أساس لها من الصحة سوى الإيمان
بالخرافات والخشية من الغيب. أما بالنسبة لظاهرة بوجلود، يقول باجدي إن هذه العادة قد يكون أصلها
إفريقيا ومُستوحى من أساطير قديمة تتحدث عن وحش تتدلى منه الجلود كان يزرع
الرعب في الناس خاصة في البوادي النائية، كما أن هناك من يرجع أصلها إلى
أزمان كان فيها اللصوص يغيرون على الناس، وهم يرتدون جلود الأكباش والماعز
من أجل سرقة متاعهم واموالهم دون أن يتعرف على كلامهم أحد. لكن، يردف المتحدث، تكشف هذه العادة القديمة ـ والتي جددها الشباب في
بعض المناطق بالمغرب ـ عن نوع من تقديس للحيوان، حيث يتشبه البشر به،
وكأنهم يريدون الارتقاء إلى مقامه.