بسم الله الرحمن الرحيم
كثرت وسائل الراحة وتعددت مغريات الكسل، حتى بات البعض يضيق ذرعا بكسله ويبحث عن حل يعيده إلى دائرة النشاط والحياة ..
ولكي نعالج الكسل لابد أولا أن نعرف أسبابه ، ثم نعدل من حياتنا وسلوكياتنا بناء على ذلك..
السبب الأول : المعاصي ..
احذر أن تنام على معصية، حتى وإن كانت مجرد أوهام وخيالات بينك وبين نفسك تتخيلها على وسادتك.. فما بالك بممارسة العادة السرية مثلا؟ أو بمشاهدة الأفلام والكليبات الخليعة أو صفحات إباحية على الإنترنت؟ أو بتبييت نية الإساءة لسمعة فلانة أو فلان؟ أو التخطيط لارتكاب معصية في اليوم التالي كشهادة زور أو كذب أو سرقة؟ وما بالك بعقوق الوالدين وإغضابهما قبيل النوم؟ أو أقل من ذلك أو أكثر.
إن المعاصي من أهم أسباب الكسل والخمول، وظلمة القلب وضيق الصدر، والشعور بالملل من كل شيء، وعدم الرغبة في عمل أي شيء. فيصحو المرء من نومه مثقلا بذنوبه متثاقلا عن أداء أعماله وعن طاعة ربه عز وجل.
فلنبادر إلى ترك المعاصي، كبيرها وصغيرها، علنها وخفيـّها.... فبطاعة الله تسعد النفس وتنشط، وينير الوجه والقلب والعقل، وتدب الحياة في أوصالنا وتسري الدماء نقية في عروقنا.
السبب الثاني : نقص الروحانية ..
فكما أن الجسد بحاجة للغذاء من طعام وشراب.. وكما أن العقل غذاؤه العلم والمعرفة... فكذلك الروح تظمأ.. ولا يروي ظمأها إلا الصلة بالله تبارك وتعالى.
فكيف نعالج الكسل من خلال الروحانية والصلة بالله ؟
أولا : عليك بالدعاء، وما أجمل الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التعوذ من الكسل..
كقوله صلى الله عليه وسلم :"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر"..
وقوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلَع الدَّين وغلبة الرجال"..
وفي جزء من دعاء آخر يقول عليه الصلاة والسلام: "رَبِّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبَر، رَبِّ أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر"..
ثانيا : احرص على أذكار قبل النوم، وبالذات قـَول "سبحان الله" 33 مرة، و"الحمد لله" 33 مرة، و"الله أكبر" 34 مرة؛ فهذه بالتجربة الشخصية تبيَّن لي ولغيري أنها من أسرار النشاط والحيوية في اليوم التالي.. كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا الذكر تحديدا أنه خير من خادم..؟
ثالثا : ابدأ يومك بطاعة الله، احرص أن تستيقظ على صلاة الفجر وأن تصليها حاضرا في وقتها، واحرص على الجلوس بعد الصلاة قليلا لتذكر الله عز وجلوتقرأ القرآن..... قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها"... فمن أدرك البكور فقد حاز خيرا عظيما وبورك له في رزق ذلك اليوم حتى من طمأنينة القلب والسرور والنشاط والاستبشار وكل المعاني الجميلة، وليس الرزق المادي فقط.
السبب الثالث : التسويف، ومعضلة ترتيب الأولويات ..
وهذا عند فئة تظن دائما أن في الوقت متسعا، وأنه لا فرق بين إنجاز العمل في أول الوقت أو في آخره؛ ولذلك فهؤلاء كثيرا ما يضيعون أوقاتهم بين تكاسل وتسويف.
وهنا تحضرني ( تقسيمة ) لطيفة للأعمال والمهام ، مرت بي في العديد من الكتب والمحاضرات المتحدثة عن تنمية الذات وإدارة الوقت وغيرها.. وهذه التقسيمة تصنف الأعمال إلى أربعة أصناف :
-( هام ) ( عاجل )
-( هام ) ( غير عاجل )
-( غير هام ) ، ولكنه ( عاجل )
-( غير هام ) وأيضا ( غير عاجل )
إذا تمكنا من تصنيف أعمالنا بهذا النظام فنحن في حقيقة الأمر نرتب أولوياتنا بالشكل الصحيح.
وبعد التقسيم والترتيب علينا أن نتحيّن أوقات نشاطنا ونستغلها إما في أداء المهام الكبيرة الثقيلة، أو في إنجاز العديد من الأعمال الصغيرة والكثيرة بشكل متتابع وسريع، بحيث ننجز الكثير في وقت قصير.. ولا نمضي أوقات قمة النشاط في مزاولة أعمال سهلة وخفيفة، أو أعمال ممتعة بالنسبة إلينا ونعلم أن بإمكاننا أداءها في وقت الراحة مثلا أو حين يقل مستوى النشاط لدينا، لأننا بهذا نترك أداء المهام الثقيلة لحين الكسل والتعب والملل، وهذا من الأخطاء الفادحة.
السبب الرابع : الطعام والشراب ..
معروف أن كثرة الأكل تؤدي للكسل، ومع الأسف فإن هذا السلوك الخاطئ شائع بين الناس.. كما أن قلة الأكل بحيث لا تسد الحاجة تؤدي للوهن والكسل، وغالبا ما تكون قلة الأكل إما من ضيق ذات اليد، أو بسبب اكتئاب أو قلق أو ما شابه، فإذا تعدلت الأحوال وزال السبب انتهت المشكلة..
لكن كثرة الأكل هي ما يعنينا الآن، وإن كان حل هذه المشكلة بسيطا عن طريق تغيير العادات الغذائية الخاطئة وتعويد النفس على عادات جديدة صحية وسليمة، إلا أنها تحتاج لإرادة وقرار جاد يتخذه المرء بينه وبين نفسه عازما على تنفيذه مهما كانت المغريات..
من الأخطاء الشائعة الآن أن تجد أحدنا يأكل ويأكل حتى يصل للإحساس بالشبع (أو ربما بالتخمة) ، فإذا ما بلغ هذه المرحلة .... هل يكتفي ؟ لا .. بل يتوقف عن الطعام الرئيسي وينهض بعدها ليشرب كوبا من الشاي ويتناول بعده بعض الحلوى أو الفاكهة... كل هذا وهو قد تجاوز مرحلة الشبع بمراحل..
مرت بي معلومة أدهشتني وأفزعتني في آن واحد؛ هذه المعلومة تقول أن الإحساس بالشبع نشعر به بعد امتلاء المعدة بالقدر الكاقي من الطعام بمدة ربع ساعة ...... ماذا يعني هذا ؟ يعني أننا ظللنا نأكل ونأكل لمدة ربع ساعة بعد الشبع الحقيقي (فيا للكارثة !!).. وربما يفسر هذا ويؤكده أن أحدنا إذا قام عن الطعام لأي سبب طارئ قبل أن يشعر بالشبع، فإنه بعد قليل يشعر بالشبع فعلا ولا يعود لإكمال طعامه.... إذاً ؟؟ من أراد تخفيف وزنه أو عدم الأكل أكثر من حاجته فعليه القيام عن الطعام قبل الوصول لإحساس الشبع المتأخر هذا.